مرحلة جني التمور في السعودية تحول حقول النخل.. لـ«خلايا نحل»

صرام النخيل خاتمة للموسم الزراعي.. وأهم مراحل حياة المزارع السعودي

أحد الفلاحين السعوديين يقوم بإنزال الرطب من أعلى النخلة («الشرق الأوسط»)
TT

تشهد مزارع النخيل في السعودية، خلال هذه الأيام، حالة استنفار، أشبه ما تكون بخلايا النحل، حيث تعد هذه الفترة من أهم المراحل في حياة الفلاح السعودي لجني التمر بعد نضجه، أو ما يعرف بـ«مرحلة صرام النخيل»، التي بدأت تباعا من منطقة المدينة المنورة ومن ثم القصيم، لتنتهي بعد ذلك في الأحساء.

«الشرق الأوسط» تجولت بين مزارع محافظة الزلفي (شمال العاصمة الرياض)، لتكون شاهدة على حال مرحلة صرام النخيل خاتمة الموسم الزراعي، بعد عام كامل من زراعة التمور، التي مرت بمراحل عدة طوال العام، بدأت بالتشويك، ثم التلقيح، ثم التعديل، حتى يتدلى التمر، ويتخلل هذه المراحل خطوات فرعية، أهمها تشذيب الجريد، وتنظيف النخل من الجريد والليف، وتوسيع «الحوابيط»، وهو حوض النخلة أثناء مرحلة السقاية، وتوفير المياه لها.

وبين مزارع الزلفي تنفرد بك المشاهد الطبيعية المتكررة لجريد وسعف النخيل المتدلي والمبلل بقطرات ندى الصباح، التي كانت مستلقية على سعف النخيل، في وقت لا يزال أصحاب تلك المزارع يعتمدون على طريقة الصرام القديمة بجميع مراحلها، والأدوات القديمة نفسها.

جلوي المطيري، أحد الفلاحين في منطقة القصيم، أوضح لـ«الشرق الأوسط» أن مرحلة صرام النخيل في السعودية يختلف توقيتها الزمني حسب مناطق المملكة، من وقت لآخر.

ويبين المطيري، أن مدينة الأحساء تعد أول المناطق في جني الرطب، وآخر المناطق في صرام النخيل، تليها المدينة المنورة في جني الرطب، أما منطقة القصيم فتأتي في المرتبة الثالثة في مرحلة جني الرطب، وبعد منطقة المدينة المنورة في صرام النخيل، وتستمر مرحلة الصرام 90 يوما.

ويبين المطيري أن هناك أصنافا من النخيل لا يستفيد منها الفلاح ولا التاجر، وإنما يواجه فيها خسارة، نظير الري واللقاح والمراحل الأخرى، ومن هذه الأصناف الشقراء، ونبتة علي، ونبته راشد، وأم الحمام، والبرحي، مضيفا أن هناك أصنافا كثيرة لا يمكن حصرها.

بينما اعتبر محمد الحربي، رئيس اللجان في مهرجان تمور بريدة، أن الطاقة الإنتاجية للتمور في السعودية تصل إلى مليون ومائة ألف طن، وذلك بحسب إحصائية لوزارة الزراعة، عام 2009، مشيرا إلى أن إنتاجية التمور في السعودية تزيد 20 في المائة كل عام، يُستهلك منها 80 في المائة في المملكة، و20 في المائة يُصدر إلى الخارج.

وقدر الحربي أسعار التمور في السعودية، بـ150 ريالا للكيلو من نوع التمر السكري، ويعد الأغلى في السوق، وتتفاوت أسعاره بحسب نظافة جودة التمر، بينما يعتبر السكري والخلاص، والخضري، والمكتوم، والفاخر، والبلح، والحلوة، من أهم الأنواع التي تلقى رواجا واسعا.

من جانبه، يرى يوسف الدخيل، رئيس مهرجان التمور في عنيزة، خلال حديثه لـ«الشرق الأوسط» أن تمر «السكري» يعد من أفضل التمور في السعودية والوطن العربي، وأغلى الأصناف في المملكة، في حين علل عدم رواج هذا الصنف السكري قبل 50 عاما، بأنه لم يكن يلقى الاهتمام ويعد من الأصناف الأقل سعر، باعتباره من التمور التي تحتاج حفظا، ولكن بعد وجود الثلاجات، ارتفعت قيمته، وهو الآن في السعودية الأغلى والأرغب بين الناس.

وفيما يتعلق بصرام النخيل، يعتبر سعود عبد القادر، مالك إحدى المزارع بمحافظة الزلفى، أن طريقة الصرام، تتم من خلال نفض العرجون، وهي عملية هز العرجون حتى يتساقط منه التمر، حتى يصبح العرجون خاليا من التمور، ومن ثم وضعه في مكان مخصص له، تمهيدا للانتهاء من الصرام، ومن ثم حرقه، ومن ثم تنقيته وإخراج الحشوف منه، وهو «التمر الجاف»، الذي يُستفاد منه لجعله غذاء للمواشي، ثم وضعه في عدد من الكراتين الخاصة بالمزرعة، لكي يتم إرساله للسوق، وبيعه.

وأضاف سعود عبد القادر، أن عملية التنقية هي من أهم مراحل الصرام، لأنها عملية دقيقة، ويتم فيها تقييم التمر إلى درجات، حسب الجودة، كما يتم التقاط التمور الجيدة، تمرة تمرة، ويساعدنا في ذلك عدد كبير، للمشاركة في عملية التنقية، وبعد هذه المرحلة يتم تجميع التمور في خرائط، خصصت لهذا الغرض، وبعد أن تنتهي مرحلة الصرام بالكامل، يتم الاتفاق على بيع التمر، إما مباشرة، أو بعد حشوه في صفائح.

من جهته، يشير مساعد الدخيل، أحد العاملين في مجال بيع التمور في محافظة الزلفي، إلى أن مرحلة صرام النخل تستمر من شهر إلى نحو ثلاثة أشهر، وأنها تختلف حسب كثرة أعداد النخل وأعداد العراجين التي في المزرعة، وهذه المدة تمثل قمة الحركة والنشاط للمزارعين، ويستمر العمل بصفة يومية من الصباح حتى المساء، ويشارك في عملية الصرام الأبناء والعمال.

ويعتبر الدخيل أن هذه المرحلة تمثل له الشيء الكثير منذ أن كان يشارك مع والده في عملية الصرام، وتنبع هذه الأهمية لما يتخللها من تواصل وتراحم اجتماعي، حيث يتم إهداء مجموعة من التمور للأقارب والجيران، وهي تعتبر هدية الموسم، ولها تأثير كبير، لذا يعتبر الصرام مرحلة مهمة لدى الجميع، سواء من الناحية الاجتماعية، والممثلة في الإهداء والتعاون، أو المرحلة الاقتصادية المتمثلة في بيع المحصول والاستفادة منه في تحسين الوضع الاقتصادي للمزارع، وتحسين أوضاع المزرعة.

ونظرا لأن عملية الصرام تتم فترة الصباح الباكر، أي مع بزوغ الفجر فإن الفلاحين يعشقون العمل في وقت الصباح أيضا.

وفي اتجاه إحدى المزارع كان عن اليمين واليسار مجموعة كبيرة من النخيل قد تدلت منها عراجين التمر الرطب، تنزلها على الأرض أدوات جمع التمور، التي تم صرمها، ومنها البساط، وهو مصنوع من سعف النخيل، والمحش لقطع العراجين، و«الجحشة»، وهي التي تسهل عملية الصعود إلى أعلى النخلة أثناء الصرام، والخرائط التي يتم وضعها تحت النخلة، حتى تُجمع عراجين التمر.

واطلعت «الشرق الأوسط» على أحد الفلاحين في إحدى المزارع، وهو متسلق إحدى النخلات مستخدما «الجحشة»، التي تحافظ على سلامته من السقوط، ينزل الرطب إلى الأرض ويجعله على إحدى الخرائط التي تمت صناعتها من سعف النخل.

وهناك التقت «الشرق الأوسط» بأحد مالكي المزارع، الذي قال إن التمر قديما كان يخزن في خرائط من القماش، وتعرف باسم «القلة»، أما الآن فيتم تخزينه في صفائح معدنية، ويتم كبسه يدويا حتى يصل وزن الصفيحة الكبيرة إلى ما يقارب 50 كيلوغراما، وبعد حشوه، يوضع باتجاه معاكس في اليوم التالي، حتى تخرج كمية الماء الزائدة المصاحبة لعملية الحشو.

وأضاف: «بعد الانتهاء من الصرام لا يترك المزارع النخيل، حتى يتم تنظيفه من العراجين والأشواك وبقايا التمور، مع تشذيب الجريد المتدلي، الذي يستفاد منه، إما للحواشي، أو عمل الحصائر والزرائب داخل المزرعة، ويفضل المزارعون سقاية النخل بكثافة بعد مرحلة الصرام، نظرا لأهمية ذلك بعد الصرام».

وفي كل مرحلة من المراحل التي يمر بها النخيل في السعودية، كان السعوديون يؤقتون للمواليد والأحداث بهذه المراحل، فيقال على سبيل المثال: «ولد فلان وقت (الصرام)»، ويقال: «ولد وفلان وقت طباخ التمر، أو سنة سقي النخيل» حتى أصبح ذلك علامات ورموزا، تستخدم أحيانا في أحاديث المجالس حتى وقتنا الحاضر.

ويوجد في السعودية نحو ألفين صنف من التمور، إلا أن معظم تلك الأصناف لا ترقى لأن تكون من الأصناف التجارية ذات المواصفات المرغوبة للعملاء، خاصة فيما يتعلق بالإنتاجية ونوعية التمور، ونظرا لأن النخلة من الأشجار التي تعمر طويلا، فقد يصل عمرها إلى 150 عاما. وزراعة الأصناف التي لا تتميز بمواصفات ممتازة تعتبر خسارة في الجهد والوقت والربحية على المزارع والتاجر.

وتختلف صفات وأصناف التمور وتتنوع وفقا لمناطق زراعتها، وتنوع الظروف المناخية التي ينمو فيها النخيل، إلى جانب تباين احتياجات كل صنف، ومن تلك الأصناف «الخضري»، وهو أحمر اللون غني بالمواد الغذائية، وهو أكثر الأنواع انتشار في وقتنا الحاضر، حيث اتجه الناس إلى أنواع ذات شكل جميل وطعم حلو، وتوقف غرس هذا النوع من النخيل، ويوجد حاليا في القرى والمحافظات القديمة، ويتميز بطوله.

وهناك الحلى، وهو أحمر اللون وكبير الحجم، ودخيني، وهو أصفر اللون كبير الحجم، ويكثر أكله في أول موسم الرطب، والمكتومي، والسلج، والمسكاني، والقطار، والجفير، والصقعي، والخلاص، وهو أصفر اللون متوسط الحجم، لذيذ المذاق، يؤكل رطبا وتمرا، وهو من التمور التي انتشرت في الآونة الأخيرة بالمملكة.

غير أن هناك أنواعا كثيرة من التمور توجد بأعداد قليلة، مثل نيوت السيف، والذاوي، والبرحي الخصاب، والهلالي، والبرحي، والسري، والصفري، والشفرة، ونبتة علي، وغيرها من الأصناف.

ومن المتعارف عليه لدى العاملين في مجال بيع وشراء التمور أن تقسيم أصناف التمور يتم وفقا لمجموعة من المعايير، من بينها لون القشرة، ونوع السكريات السائدة في الثمار عند النضج، وتوقيت النضج؛ هل كان مبكرا أم متأخرا، إلى جانب نسبة الرطوبة بالثمرة عند تمام النضج، والمعيار الأخير يعتبر أكثر المعايير استخداما وأكثرها أهمية.

وتختلف صفات أصناف التمور وتتنوع وفقا لمناطق زراعتها وتنوع الظروف المناخية التي تنمو فيها، إلى جانب تباين احتياجات كل صنف.

وهناك تقسيم التمور وفقا لمعايير نسبة الرطوبة فيها، أولا مجموعة أصناف التمور الرطبة، وتتصف أصنافها باحتوائها على نسبة منخفضة من السكريات، ونسبة مرتفعة من الرطوبة، وهي غير قابلة للحفظ لمدة طويلة من دون وسائل حفظ مناسبة، حيث تتعرض للتخمير، وتتميز ثمار هذه المجموعة باختلاف ألوانها، وتؤكل وهي طرية.

أما المجموعات الأخرى، فهي الأصناف النصف جافة، وتتميز بأن ثمارها إذا ما تم نضجها، أصبح اللب بها ذا رطوبة متوسطة لا يكون رطبا أو جافا، ويكمن حفظها بعد جمعها لفترة طويلة بالطرق الطبيعية، كما تصلح للتصنيع.

وهناك مجموعة ثالثة وأخيرة، وهي الأصناف ذات الثمار الجافة، وهي الأصناف التي تصل إلى الجفاف، ولا ينضج هذا التمر حتى يصبح جافا ذا نسبة رطوبة منخفضة، ونسبة سكريات عالية، وتتميز بأن صلاحيتها تدوم لفترات طويلة.