قرارات تقشفية في أوروبا للقضاء على العجز

في محاولة لإنقاذ الاتحاد

دوريس لوثارد رئيسة سويسرا ورئيس المفوضية الأوروبية خوزيه مانويل باروسو خلال المؤتمر الصحافي الذي عقد في بروكسل أمس (رويترز)
TT

كانت القرارات التي اتخذتها الحكومة الإسبانية من أجل تقليل أثر الأزمة الائتمانية في البلاد بداية لموجة كبيرة من التخفيضات في جميع دول أوروبا.

وبعد شهر واحد فقط من قيام إسبانيا بتجميد رواتب عمال القطاع العام وتقليص الاستثمار في البنية التحتية واتخاذ قرار بخفض المساعدات الاجتماعية والاقتصادية، قدم وزير المالية البريطاني، جورج أوزبورن، خطة تسوية قوية لإنقاذ المملكة المتحدة من ديونها خشية أن تجهز على نموها المالي.

وتعاني المملكة المتحدة من عجز عام تبلغ قيمته 180 مليار يورو، ويسعى أوزبورن إلى الحد من هذا العجز بحلول عام 2015. ولهذا السبب، قضى الإجراء الأول الذي اتخذ يوم 22 يونيو (حزيران) بـ5 مليارات يورو من السوق لتحقيق المزيد من الثقة وتنشيط السوق مرة أخرى.

كما تضمنت الخطة تخفيضات وكذلك زيادة للضرائب. وأعلنت الحكومة البريطانية عن رفع ضريبة القيمة المضافة من 17.5 في المائة إلى 20 في المائة، التي ستطبق بدءا من 4 يناير (كانون الثاني) التي لن تؤثر على السلع الأساسية مثل الطعام أو ملابس الأطفال. وبالإضافة إلى ذلك، سترتفع الضرائب العقارية من 18 في المائة إلى 28 في المائة، وسيتم استحداث ضريبة جديدة على الأصول المالية التي يمكن أن تؤدي إلى جمع 2200 مليون يورو سنويا.

أما فيما يتعلق بالتخفيضات، فإن سياسات التقشف ستطال أيضا العاملين في القطاع العام، الذين لن تشهد رواتبهم أي زيادة خلال العامين المقبلين باستثناء الذين تقل مجموع رواتبهم السنوية عن 25000 يورو. كما سيتعين عليهم دفع قسط أكبر لمعاشاتهم التقاعدية كل شهر، وستكون مساعدات الإسكان والبطالة أو الإعاقة أقل.

ووفقا لخطة أوزبورن ستشهد وزارتا الصحة والتنمية أكبر التخفيضات. كما سيتم تجميد المخصصات الملكية عند 10000 مليون يورو. وهناك خبران جيدان فقط في هذه الخطة، وهما: إعفاء ما يقرب من 900000 عامل من الذين تقل رواتبهم السنوية عن 7500 جنيه إسترليني من الضرائب، وتخفيض الضريبة على الشركات في السنوات الأربع المقبلة ليصل الحد الأقصى للضريبة إلى 24 في المائة، وهي الأدنى في تاريخ المملكة المتحدة.

وقيل إن فرنسا وألمانيا هما البلدان اللذان يملكان أفضل ميزانية عامة، ولكن بدا ذلك غير دقيق. ففي الوقت نفسه اضطر ساركوزي إلى الإعلان عن إجراءات لخفض العجز العام. وقد اتخذت قرارات ساركوزي اتجاهين: وهما خفض نفقات السياسيين وزيادة سن التقاعد، وهو أمر يعتبر من المحرمات في فرنسا.

ومن بداية يوليو (تموز) الحالي يضطر الوزراء وأعضاء البرلمانات والمجالس المحلية إلى ترك سياراتهم والسفر بالقطار، ولا يمكن لأي منهم أن يستقل طائرة إذا كان القطار متاحا. كما سيتعين عليهم تقليل عدد مرافقيهم في الرحلات، وكذلك عدد المستشارين داخل الوزارات.

وبالإضافة إلى ذلك، يريد الرئيس الفرنسي إلغاء بعض امتيازات السياسيين مثل المنازل والسيارات التي يتم تسديد نفقاتهما من الأموال العامة. فسوف يشهد عام 2013 سحب 10000 سيارة و7000 منزل من الوزراء وأعضاء البرلمان.

بهذه الإجراءات ستتمكن فرنسا من توفير 100 مليون يورو خلال ثلاثة أعوام. وقبل خمسة عشر يوما توصل رئيس وزراء فرنسا، فرنسوا فيلون، إلى حل وسط لخفض الدين العام بمقدار 45 مليار يورو (ليصل إلى ثلاثة في المائة من إجمالي الناتج العام)، وفقا لما طلبه الاتحاد الأوروبي من فرنسا.

ويهدف الإجراء الإصلاحي الآخر الذي اتخذه ساركوزي إلى زيادة سن التقاعد. يذكر أنه في عام 1983، جعل الرئيس الأسبق فرنسوا ميتران سن التقاعد 60 عاما.. لكن هذا الوضع يصعب على الرئيس ساركوزي تحمله، ولذلك فقد أمر بزيادة سن التقاعد إلى 62 سنة وذلك حتى عام 2018. ووفقا لتحذيرات من أحزاب المعارضة والنقابات العمالية فإن هذا القرار سيتسبب في الكثير من المشكلات للرئيس الفرنسي وذلك على الرغم من أن متوسط سن التقاعد في أوروبا هو 65 سنة، وفي إسبانيا تسعى الحكومة إلى زيادة سن التقاعد إلى 67 سنة.

وفي محاولة لتحقيق التوازن بين هذه القرارات، أعلنت الحكومة الفرنسية فرض ضريبة خاصة على الثراء، وزيادة ضرائب القيمة المضافة في قطاع العقارات.

ولم تكن ألمانيا بعيدة عن مثل هذه الإجراءات. فقد قدمت أنجيلا ميركل في يونيو (حزيران) خطة لإنقاذ الأكثر راديكالية في ألمانيا منذ نهاية الحرب العالمية الثانية. ووفقا لهذه الخطة سيتم خفض الإنفاق العام بمقدار 80 مليار يورو حتى عام 2014، بالإضافة إلى 11 مليار يورو في العام التالي. وقررت الحكومة خفض الإعانات الاجتماعية والحد من إعانات الإيجار، والحماية من البطالة والمساعدات المقدمة للمواطنين لزيادة معدل المواليد، وذلك لتوفير 2500 مليون يورو.

لكن هذا الرقم لم يكن كافيا لميركل فقررت الاستغناء عن 10000 موظف حكومي وذلك بحلول 2014 وخفض رواتب موظفي القطاع العام بنسبة 2.5 في المائة. حتى الآن، والرئيس الألماني لم يطلب زيادة الضرائب، إلا أنه طلب من محطات الطاقة النووية دفع 2.3 مليار دولار كتعويض عن التأخر عن تاريخ وقف النشاط.

ولا يمكن أن تكون الحكومة الإيطالية هي الاستثناء. فهذا البلد يعاني من الدين العام الكبير، حيث يتجاوز 118 في المائة من ناتجها المحلي الإجمالي. ولذلك قرر رئيس الوزراء، سلفيو برلسكوني، تجميد رواتب العاملين في القطاع العام لمدة 3 سنوات والحد من ميزانيات الوزارات والإعانات الاجتماعية.

وقد أدت هذه التدابير في النهاية إلى من حدوث إضراب عام شل البلاد طوال يومين. ومع ذلك، فإن الحكومة الإيطالية أصرت على أنها لا تستطيع أن تبقي على هذا المستوى من الإنفاق وأنها قد التزمت أمام الاتحاد الأوروبي بخفض العجز على نحو أكثر وأكثر.

وبفضل هذه الخطط، تمكن الاتحاد الأوروبي من الحفاظ على عملته، اليورو، والوضع الاقتصادي لجميع أعضائه. وحتى اليونان، الدولة الوحيدة التي تلقت مساعدة، كان عليها أن تتخذ قرارات هامة وحاسمة، التي تضمنت إلغاء 679 مجلسا بلديا، وتقليص عدد العاملين في القطاع العام وإنهاء الاستثمارات العامة من أجل توفير 30000 مليون يورو.

وقد أشار بعض كبار المحللين إلى أنه في حال نجحت تلك الخطط والتدابير، فإن الاتحاد الأوروبي، الذي كانت فيه الأزمة الائتمانية أقوى واستغرقت مدى أطول، يمكن أن ينقذ منظومته، التي تتضمن عملته الفريدة والسياسات الاقتصادية الموحدة. وإذا لم يحدث كذلك، فقد يتعين على الدول الأوروبية البحث عن وسائل فردية للنجاة، وهو ما يعني وفاة مالية لبعض أعضاء الاتحاد الأوروبي الأضعف.

* صحافية إسبانية متعاونة مع «الشرق الأوسط»