نظام جباية الضرائب في باكستان يوسع الهوة الاجتماعية بين الفقراء والأغنياء

لأن الاثرياء والمتنفذين يسنون القوانين المالية

TT

يشبه قطاع كبير من العاصمة الباكستانية ضاحية غنية في لوس أنجليس، حيث السيارات الرياضية متعددة الأغراض تلمع أمام مداخل المنازل، وينهض الخدم بأعباء المنازل الأنيقة متعدد الطوابق.

لكن وراء الثراء تكمن حقيقة مثيرة للقلق، فعدد قليل جدا من هذه الأسر يسدد أفرادها ضريبة الدخل، ولعل السبب أن السياسيين الذين يسنون القوانين هم المواطنون الأكثر ثراء في البلاد، والماهرون في إيجاد سبل لإعفاء أنفسهم من دفعها.

قد يكون ذلك مشكلة في أي دولة أخرى، لكن الأمر مختلف في باكستان، فعدم وجود نظام ضريبي عملي يقود إلى أمر أكثر خطرا وتهديدا، يتمثل في تعاظم التباين الطبقي في المجتمع الباكستاني، حيث لا يتم، على الإطلاق، إعادة توزيع ثروة المواطنين الأقوياء أو إعادة تشغيلها من أجل النفع العام، وهو ما أدى إلى تدهور الأوضاع التي أسهمت في انتشار التمرد، الذي تعاني منه البلاد، الذي يعقد السياسة الأميركية في المنطقة.

وهو أيضا أداء سيئ لبلد يعتبر من بين أكبر المستفيدين من المعونات الأميركية، إذ يحصل على المليارات من الدولارات لدعم نظامه المالي، ومساعدة قادته في القضاء على التمرد.

وعلى الرغم من محاولة السلطات توسيع بنود تحصيل الضرائب في السنوات الأخيرة، مثل فرض ضرائب على الأرباح من سوق الأسهم والعقارات، فإن شرائح كاملة من الاقتصاد، مثل الزراعة والتجارة، الرابحة الرئيسية للنخبة، ولا تزال معفاة من الضريبة.

ويقول حسين نقوين، وهو مسؤول حكومي متقاعد، عمل في جمع الضرائب لمدة 38 عاما: «هذا نظام للنخبة، من النخبة لصالح النخبة. إنه نظام مشوه في بلد عمل فيه الرجل الغني على تهميش الرجل الفقير».

تبدأ المشكلة من القمة؛ فمتوسط ثروات نواب أعضاء البرلمان الباكستاني 900 ألف دولار، وتبلغ ثروة أغنى أعضاء المجلس 37 مليون دولار، بحسب الدراسة التي أجراها في ديسمبر (كانون الأول) المعهد الباكستاني للتطور التشريعي والشفافية في إسلام آباد.

وعلى الرغم من أن دخل باكستان من الضرائب العام الماضي سجل أدنى معدل له في تاريخ البلاد، وفقا لظفار المجيد، وهو مسؤول كبير في المجلس الاتحادي للإيرادات، فإن أصول الأعضاء الحاليين في البرلمان تضاعفت تقريبا عن أعضاء البرلمان السابق. وأوردت تقارير أن أبرز زعماء المعارضة الباكستانيين، نواز شريف، لم يدفع أي ضريبة على الدخل الشخصي لثلاث سنوات، انتهت في عام 2007، في الوثائق العامة التي أودعها لدى لجنة الانتخابات الباكستانية، وقال متحدث باسم شريف، رجل الصناعة الذي يعتقد على نطاق واسع أنه مليونير، كان في المنفى، وتخلى عن مناصبه في شركاته إلى الأقارب.

وبعد شهر من طلبات للحصول على وثائق مماثلة من الرئيس الباكستاني ورئيس الوزراء لم تتلق اللجنة ردا، ورد ممثلون عن الرجلين بأنهما لا يمتلكون حسابات.

وقال جهانجير تارين، وهو رجل أعمال وعضو في البرلمان الذي يحاول وضع الضرائب على جدول الأعمال العام: «الضرائب هي أشبه بكعب أخيل في السياسة الباكستانية، وأشار إلى أنه دفع 225.534 دولار ضريبة دخل عن عام 2009، وهو الرقم الذي أدلى به في البرلمان الشهر الماضي، وأضاف: «إذا لم يكن لديك دخل، وكنت مثقلا بالغرامات فكيف تشتري سيارة (لاند كروزر)؟».

تنص القوانين الباكستانية على أن أي شخص يحصل على أكثر من 3488 دولارا في العام عليه دفع ضريبة دخل. ولكن القليلين يفعلون ذلك. ويقول أكبر الزيدي، وهو اقتصادي سياسي يعيش في كراتشي، ويعمل مع مؤسسة «كارنيغي»، إن التقديرات تشير إلى أنه يجب على نحو 10 ملايين باكستاني دفع ضريبة الدخل، وهو رقم أكبر بكثير من الـ2.5 مليون المسجلين لدى مصلحة الضرائب.

ومن بين أكثر من 170 مليون باكستاني، يدفع أقل من 2 في المائة ضريبة الدخل، مما يجعل عائدات الضرائب في باكستان من أدنى المعدلات في العالم، وفي درجة أقل من سيراليون في نسبة الضرائب إلى الناتج المحلي الإجمالي.

ويلقي الزيدي باللائمة على الولايات المتحدة وعمليات الإنقاذ الدائمة لباكستان، لانخفاض عائدات الضرائب من الأغنياء والفقراء على حد سواء، وأضاف: «يجب أن يقول الأميركيون: هذا يكفي، لا بد لكم من ترتيب هذا الأمر بأنفسكم، لكنكم جبناء، أنتم تخشون اغتنام تلك الفرصة».

والكثير من عمليات تجنب دفع الضرائب، خاصة من قبل الأثرياء، قانونية. وبموجب القانون الذي أقره البرلمان الباكستاني في التسعينات، وأصبح أهم الأدوات في تقنين الحصول غير القانوني على المال الباكستاني. ولا يسمح للسلطات بالتحقيق في الأموال المنقولة من الخارج، حيث يقوم رجال الأعمال والسياسيون بنقل ملايين الروبيات عبر دبي إلى باكستان دون مساءلة.

وقال شبار زايدي، الشريك في شركة «إيه إف فيرغسون آند كومباني»، وهي شركة محاسبة مقرها كراتشي، مشيرا إلى منطقة لندن الغنية: «في هذا البلد الغني لا أحد يسأل، كيف حصلت على هذه الشقة في مايفير. إنها دولة جيدة للأغنياء. فيها السائقون والخدم والمنازل الفخمة. والسؤال هو: من يعاني؟ إنه الرجل العادي».

ثم هناك السلع المعفاة من الضرائب التي يفترض أن ترسل إلى أفغانستان. ويقول الزيدي إن الكثير منها يظل في باكستان بصورة غير مشروعة، بما في ذلك 50000 طن من الشاي الأسود، جرى استيرادها العام الماضي، فالأفغان يشربون الشاي الأخضر. وقال: «ووفقا لمعلوماتنا لم يُشرب كوب واحد من الشاي الأسود في أفغانستان».

ويحاول جباة الضرائب الاتسام بالشدة. فعندما ترأس نقوي مصلحة الضرائب أجرى مراجعة واسعة لها، مما تسبب في صيحات احتجاج من محامي محكمة لاهور العليا، ومن المتهربين أيضا.

* خدمة «نيويورك تايمز»