شادي الحلاق.. ابن «حكواتي الشام» يعيد أيام «الكراكوز» و«عيواظ»

بعدما شارف فن «خيال الظل» على الانقراض

الكراكوزي الدمشقي شادي الحلاق وأدوات فن «خيال الظل» التراثي («الشرق الأوسط»)
TT

تقول الأمثال الشعبية «فرخ البط عوّام»... «ومن شابه أباه ما ظلم»... والولد سر أبيه»، وكلها تنطبق فعلا على الشاب الدمشقي شادي الحلاق.

شادي، (34 سنة)، شبّ في منزل أسرته وهو يتابع والده رشيد الحلاق، ويشاهد كيف يعيد أبوه تراث «الحكواتي» بعدما كاد ينقرض من خلال مقهى «النوفرة» وفي المراكز الثقافية على مدى السنوات الـ30 الماضية. وبالتالي، أصبح «الحكواتي» الوحيد في دمشق واستحق لقب «حكواتي الشام».

وقرّر شادي قبل ثلاث سنوات تقليد والده، ولكن ليس بـ«الحكواتية»، بل عبر إحياء فن دمشقي قديم آخر شارف على الانقراض خلال العقود الماضية هو فن «الكراكوز» (الأراجوز)... أو «خيال الظل» و«الكراكوز» و«عيواظ». وتحقق لشادي ما أراد، إذ استطاع في الفترة القصيرة الماضية ترسيخ هذا الفن وإنهاضه من كبوته من خلال نشاطات كثيرة قام بها ومشاركات في عدد من المهرجانات، وما زال لديه برنامج طويل لنشر هذا التراث الفني وتشجيع الآخرين على ترويجه من جديد.

شادي الحلاق تحدّث إلى «الشرق الأوسط»، التي التقته في مقهى «النوفرة» الدمشقي القديم، وتكلم عن محاولاته في إعادة «الكراكوز» و«عيواظ» إلى الواجهة، فقال: «بدأ اهتمامي بهذا الفن منذ أوائل التسعينات من القرن الماضي عندما كان والدي يجمع كتب الحكواتي القديمة مثل الظاهر بيبرس وعنترة وغيرها. وبمحض الصدفة، وجدت مخطوطا مرمّزا لشخص قديم وسألت والدي عنه فأجابني أن هذا الشخص كان متخصصا بـ«خيال الظل» و«الكراكوز» و«عيواظ»، وشرح لي مبادئ هذا الفن الذي كان قد اندثر تقريبا في دمشق، وهو يعتمد على خامات من الجلد الشفاف الملونة تقدم من خلالها العروض الفنية. وعندها أخذت أتخيل كيف يجري هذا العرض، وعلمت أن فناني «خيال الظل»، الذين يسمون «المخايلين»، كانوا يكتبون بلغة مرمّزة خاصة بهم وتتضمن إضافات لا يعرفها سواهم وفي وقتها».

وتابع شادي «.. وهناك فرق ما بين (الكراكوزي)، المؤدي الذي يتميز عموما بخياله الواسع، و(المخايلاتي) الذي يبدأ من الصفر ويقوم بنفسه بتصنيع الجلد وكذلك الشخصيات ويلوّنها ويحدد الأسلوب الذي تتكلم به.. ذلك أن لكل دمية أسلوبا ولغة خاصة بها. ولذلك يؤدي (الكراكوزي) الفقرة كما يقدمها له (المخايل) الذي هو عمليا مساعد له. ولقد اجتمعت بآخر كراكوزي دمشقي وهو الراحل عبد الرزاق الذهبي (أبو جمال) في مهرجان جرش بالأردن عام 1995 وعرفت منه بعض الأمور الفنية لهذه الهواية. ومن ثم بدأ عملي على إنهاض هذا الفن».

وواصل شادي شرحه «... وصرت أصنع الجلد بنفسي، وتخيّل.. أنني احتجت لخمس سنوات حتى تعلمت كيف أنتج جلدا شفافا لزوم هذا الفن التراثي. وهذا أمر مكلف ماديا، وما كان هناك من يساعدني في هذا المجال، إذ إن العاملين بالجلديات يتعاملون معه من خلال دباغته وتلوينه لكنهم لا يعرفون كيف يحولونه إلى جلد شفاف. ولذلك كنت عندما أذهب إلى مصنّعي الجلد يستغربون طلبي بتحويل الجلد إلى جلد شفاف.. ويقولون لي إنه من المستحيل فعل ذلك. لكنني تحديتهم وحققت ذلك بنفسي، مع أنه استغرق مني وقتا طويلا وجهدا كبيرا. وبعد تلك المرحلة الصعبة والطويلة اتجهت إلى تصنيع وتشكيل الشخصيات (الألعاب)، واستعنت ببعض الأشخاص ممن ورثوا هذه الألعاب عن أهاليهم ممن كانوا يعملون في مجال «خيال الظل» واشتريتها منهم بأسعار باهظة.. وتمكنت في نهاية المطاف من الحصول على شخصيتي (الكراكوز) و(عيواظ) الشاميتين. والمعروف أن هاتين الشخصيتين في الأصل تركيتان، حيث كان بدايتهما من أن (الكراكوز) حدّاد و(عيواظ) بنّاء... وكانا يشاركان في بناء جامع بأمر من الوالي، وعندما مرّ الوالي لاحظ أن العمل يسير ببطء.. فسأل عن السبب، فقيل له المشرف أن (الكراكوز) - أو (كراكوز)، وتعني بالتركية (ذو العيون السوداء) - و(عيواظ) يلهيان العمال بمقالبهما، فأمر عندها بقطع رأسيهما وهذا ما حصل. غير أنه مرّ بعد فترة من المكان نفسه فوجد البنّاء حزينا، وعندما سأل عن السبب قيل له إن (الكراكوز) و(عيواظ) كانا يضحكان الناس، ولذلك كان البنّاء سعيدا. ثم سأل كيف كان يجري ذلك.. فقام وزير لديه صاحب حنكة بجلب شمعة ووضع قطعة قماش شفافة أمامها وصنع شخصيتي (الكراكوز) و(عيواظ) وقدّم بهما مقطعا كوميديا.. فضحك الوالي، وعندما أطفئت الشمعة انزعج الوالي. ومن هنا عرف هذا الفن بعدما أمر الوالي بنشره في كل البلاد التي يحكمها العثمانيون، ومنها سورية، حيث كانت توجد شخصيات رمزية لابن دانيال، وكان مشهورا بها وتوفي عام 1310هـ، وتتكوّن من رؤوس بشرية بأجساد حيوانية. ولقد استفيد منها في شخصية كان يقدمها اسمها (هاجواز).. التي أطلق عليها في دمشق اسم (عيواظ الوعاظ)، بينما أطلق على الشخصية الشامية الثانية مسمى (كراكوز ابن طبالوز بياع الجوز أو سرّاق الجوز). ومن ثم انتشرت في ما بعد مسميات وشخصيات أخرى للعب».

وحول إنهاض هذا الفن، والنشاط الحالي، قال شادي: «أعمل حاليا على ترميم نحو 440 شخصية تراثية من شخصيات (الكراكوز) و(عيواظ) يتراوح عمرها بين 400 و600 سنة، وكانت تقدم ليس في دمشق فحسب، بل في عدد من المدن السورية أيضا، وكانت تأخذ تسميات محلية، وهذه الشخصيات التراثية موجودة في قصر العظم (متحف التقاليد الشعبية بدمشق)، حيث أعمل على ترميمها هناك بالتنسيق مع مديرية الآثار. وبعد إنجاز الترميم، سأعيد إبراز هذه الشخصيات من جديد وسنقدم عرضا عليهم جميعهم، ومن الممكن أن يكون ذلك في شهر رمضان المبارك في قصر العظم».