موظفون في دوائر الدولة العراقية لعدة سنوات يكتشفون أن أوامر تعيينهم مزورة

مستشار رئاسة الجمهورية يحث على إصدار عفو عام عن المزورين ومحاسبة «مافيات» التزوير

TT

كان وقع الصدمة كبيرا جدا على المدرسة (ه ن ن) حين اطلعت، أثناء دوامها كالمعتاد في إحدى الثانويات التابعة لوزارة التربية العراقية، على قرار إيقافها عن الدوام وطردها من الوظيفة، ومطالبتها بجميع المرتبات التي تقاضتها خلال السنتين والنصف سنة الماضية، والأكثر ألما عليها من كل هذا هو إحالتها إلى القضاء العراقي بتهمة التزوير وسرقة المال العام باعتبارها تقاضت دون حق مرتبات.

وبينت المدرسة لـ«الشرق الأوسط» أنها تقدمت للتعيين بشهادة البكالوريوس وجاءتها الموافقة بعد أشهر من الانتظار «وكانت فرحة كبيرة، فالجميع يعلم أن الحصول على درجة وظيفية حكومية أصبح في العراق من المستحيلات». وتضيف: «باشرت دوامي ونسبت إلى ثانوية للبنين وتقاضيت مرتباتي لكني فوجئت بأن أمر التعيين مزور». وتساءلت: «ما هو ذنبي؟! أنا لا أتحمل تبعات قانونية لا علاقة لي بها».

عباس حسين ضحية أخرى من ضحايا مافيات «عشعشت» داخل المؤسسات الحكومية، على حد تعبير مستشار رئاسة الجمهورية الدكتور ليث شبر. وبين عباس أن مثل هذه الحالات «يوجد منها بالآلاف في العراق، وكل ذنبنا أننا نلجأ إلى أناس يسمونهم أصحاب نفوذ أو ذوي العلاقات الواسعة والطيبة مع المسؤولين ونكلفهم بإيجاد مصدر رزق لنا ولعوائلنا، بشهادتنا التي عانينا الأمرين لنيلها، ثم نفاجأ بقرارات تعيين مزورة بعد سنوات من الخدمة، والآن طردنا دون أي حقوق».

وأوضح مصدر قضائي من داخل هيئة النزاهة لـ«الشرق الأوسط» أن الجهات القضائية تتعامل مع هذه الأمور على أنها جنحة يجب إيقاع عقوبات قانونية بحق مرتكبيها، لأن تزوير شهادة دراسية أو وثيقة أو أوامر مزورة هذه جرائم يحاسب عليها القانون بموجب نصوص وعقوبات مختلفة، ولا يمكن التهاون مع المزورين، مؤكدا أن «ملفات كثيرة سبق أن أعلنت عنها النزاهة تتعلق بشهادات مزورة لطلبة كليات وموظفين وحتى مسؤولين ويتم النظر فيها حاليا»، مشيرا إلى أن وزارة التعليم العالي وحدها ضبطت ما يقرب من 5 آلاف وثيقة مزورة وأحالتها إلى النزاهة، وكذلك وزارات أخرى بنسب متباينة».

من جهته أوضح المتحدث باسم وزارة التربية العراقية وليد حسين لـ«الشرق الأوسط» أن إجراءات محاسبة مزوري الشهادات الدراسية مستمرة لكون العملية خرقا للقانون. وعما إذا كانت عمليات التزوير تحدث داخل مؤسسات حكومية تربوية، أكد حسين أن مهمة وزارة التربية «هي التصديق على الشهادات التي ترد إلينا إما من دائرة أخرى أو وزارة أو حتى أصحاب الشأن، وهنا إما أن نصدق في حالة كون الشهادة أصولية، أو لا نصدق إذا كانت مزورة، وهنا يحدث التزوير خارج أروقة مؤسسات وزارة التربية، لكوننا جهة فاحصة ومثبتة للشهادة، كما حدث في موضوع التثبت من شهادات المرشحين لمجلس النواب». وكشف وليد عن أن حالة خرق كبرى حدثت قبل أيام حين تم اكتشاف تعيين أكثر من 200 شخص على ملاكات تربية الرصافة الثانية في بغداد، وتبين أن جميعهم عينوا بأوامر وزارية مزورة وتم تشكيل مجلس تحقيقي سريع وتم إلقاء القبض على ثلاثة عناصر من داخل وزارة التربية وتربية الرصافة وإحالتهم إلى القضاء وتمكنت موظفتان من الفرار، وهما مديرة ذاتية تربية الرصافة الثانية، وموظفة أخرى هربت إلى بيروت، وتوجد ملاحقة قضائية بحقهما.

وعن كيفية تعامل الوزارة مع أصحاب الأوامر المزورة للتعيين قال وليد: «إنها الفقرات نفسها، أي إيقافه عن الوظيفة وفصله ومنع تعيينه مجددا في أي دائرة حكومية وسحب الأموال منه لكن مع إيقاف إحالته إلى القضاء في الوقت الحالي على اعتبار أن عملية التزوير جرت من قبل أشخاص آخرين وقاموا بطبع أوامر تعيين مزورة لهم»، مؤكدا أن مثل هذه الحالات محدودة جدا.

مستشار رئاسة الجمهورية العراقية الدكتور ليث شبر أكد لـ«الشرق الأوسط» أن هناك مطالب كثيرة رفعتها جهات مختلفة من منظمات ومواطنين وحتى أعضاء برلمان، طالبت بإصدار عفو عام عن هذه الحالات لفترة محددة. وبين شبر أنه على الحكومة أو الدولة «أن تكون كريمة مع شعبها، وهنا نحن لسنا ضد تطبيق القانون بحق أناس خرقوا القانون لكننا مع العقوبات الإيجابية أو غير المدمرة لحياة ومعيشة فرد أو عائلة». وأضاف: «من الممكن أن تعمل الحكومة على شمول المزورين بقانون العفو العام الذي صدر بحق أشخاص متهمين بالإرهاب». وبشأن أوامر التعيينات المزورة، قال شبر: «إن هذا الأمر تتحمله الوزارات وليس الأشخاص، فهناك شبكات أو مافيات عملت على إصدار هذه الأوامر، وعلى الحكومة القضاء على هذه المافيات الكبرى».