كوسوفو تكسب المعركة القانونية لاستقلالها

واشنطن تدعو أوروبا إلى التوحد وراء قرار «العدل الدولية» > بلغراد: لن نعترف أبدا بالدولة الجديدة

TT

كسبت كوسوفو المعركة القانونية لاستقلالها، بعد أن أصدرت محكمة العدل الدولية في لاهاي أمس قرارا استشاريا اعتبرت فيه أن إعلان استقلال كوسوفو عام 2008 «لا يعد انتهاكا للقانون الدولي». ومن جهتها، دعت الولايات المتحدة الدول الأوروبية إلى التوحد وراء القرار، فيما جددت صربيا موقفها الرافض للاعتراف بالدولة الجديدة.

وأعلن هيساشي أوادا، رئيس محكمة العدل الدولية، في قصر السلام في لاهاي، أن المحكمة «خلصت إلى أن إعلان الاستقلال في 17 فبراير (شباط) 2008 لم ينتهك القانون الدولي العام». وأكد رئيس المحكمة على ثلاثة أمور، وهي أن «قرار إعلان الاستقلال ليس مخالفا للقانون الدولي»، وأن «الذين أعلنوا الاستقلال لم يكونوا يتصرفون من تلقاء أنفسهم، وإنما بقرار من المبعوث الدولي مارتي اهتساري الذي تم تعيينه من قبل الأمين العام للأمم المتحدة، ووافق عليه مجلس الأمن»، وأن «قرار مجلس الأمن 1244 ليس قرارا نهائيا وإنما وضع بشكل مؤقت إلى حين التوصل إلى اتفاق بدا مستحيلا بعد عامين من المفاوضات».

وقال القاضي هيساشي أوادا «الهدف من قرار مجلس الأمن 1244 هو تأسيس نظام مؤقت لإرساء الاستقرار وإعادة الإعمار، وليس وضعا دائما لكوسوفو، كما لا يحدد أي أطر لنتائج المفاوضات التي تمخضت عنها خطة المبعوث الدولي مارتي اهتساري». وأشار أوادا إلى أن «إعلان كوسوفو الاستقلال لم يكن قرارا محليا اتخذه البرلمان في بريشتينا، وإنما كان نتيجة لما تم قبله من محاولات لإيجاد حل نهائي في كوسوفو»، وأن «إعلان الاستقلال كان تحديدا فعليا للوضع النهائي».

وأشار أوادا إلى أن الأمين العام للأمم المتحدة، عين الرئيس الفنلندي السابق الحاصل على جائزة نوبل للسلام، مارتي اهتساري، مبعوثا خاصا لكوسوفو، للإشراف على عملية التفاوض المباشر بين بلغراد وبريشتينا في فيينا، من أجل التوصل إلى حل نهائي في كوسوفو، لكن المفاوضات فشلت نهاية 2007 بعد نحو عامين من اللقاءات الماراثونية، و«بعدها أعلن مارتي اهتساري خطته التي نصت على الاستقلال التام لكوسوفو، ورفع تقريره للأمين العام للأمم المتحدة والجمعية العمومية ولم يصدر أي اعتراض على ذلك». وجدد أوادا تأكيده على أن اهتساري يحظى بشرعية وفق القانون الدولي، فقد تم تعيينه من قبل هرم السلطة في الأمم المتحدة وبموافقة مجلس الأمن الذي تعد قراراته ملزمة حتى للدول التي لم تشارك في صياغة قراراته. كما رأى أن «الأمين العام للأمم المتحدة لم يلغ خطة مارتي اهتساري التي سلمها له في 26 مارس (آذار) 2007 ونصت على استقلال كوسوفو، مما يعني موافقة ضمنية على ما جاء فيها». وخلص هيساشي إلى أن «المحكمة درست كل العوامل التي سبق أن رافقت وأعقبت إعلان الاستقلال في كوسوفو من قبل البرلمان، وتأكدت من أن السلطة التشريعية في كوسوفو لم تتصرف من تلقاء نفسها، بل كان ذلك حصيلة لمفاوضات فاشلة، وتبلور موقف دولي عبرت عنه خطة مارتي اهتساري، والإدارة الدولية التابعة للأمم المتحدة لم تزد عن إرسال تقرير إلى مجلس الأمن بخصوص التطورات الحاصلة».

ومباشرة بعد صدور قرار المحكمة، طلبت كوسوفو من صربيا أن تعاملها كدولة مستقلة. وقال اسكندر حسيني، وزير خارجية كوسوفو، لوكالة «رويترز»: «أتوقع أن تغير صربيا موقفها، وأن تأتي إلينا وتجري معنا محادثات بشأن كثير من القضايا ذات الاهتمام المشترك والأهمية المشتركة، لكن مثل هذه المحادثات لا يمكن أن تجرى إلا كمحادثات بين دولتين مستقلتين».

ومن جهته، أعلن وزير الخارجية الصربي فوك يريميتش، في أعقاب صدور قرار المحكمة، أن بلاده لن تعترف «أبدا» باستقلال الإقليم الذي أعلن من جانب واحد. وقال الوزير الذي كان موجودا في لاهاي للصحافيين «لن نعترف أبدا بإعلان استقلال كوسوفو من جانب واحد». وأضاف أن «أياما صعبة تنتظرنا، وتحديات كبرى. إنه من الأهمية بمكان المحافظة على السلام والاستقرار في كل أراضي الإقليم (كوسوفو)». وقال يريميتش «إنه لأمر حاسم ألا يرد مواطنونا على الاستفزازات المحتملة. ومن الجوهري أن نحافظ على هدوئنا، ونبقى مثابرين ومصممين وموحدين في مواصلة هذه المعركة».

وأعلنت الخارجية الروسية أمس في بيان أن رأي محكمة العدل الدولية لا يغير شيئا في الموقف الروسي الرافض الاعتراف باستقلال كوسوفو. وأكدت الوزارة أن «موقفنا من عدم الاعتراف باستقلال كوسوفو لم يتغير». وأضاف البيان «نعتبر أن تسوية مشكلة كوسوفو ممكنة فقط عبر مواصلة التفاوض بين الطرفين المعنيين». وتابعت الوزارة أنه «أمر أساسي أن تكون المحكمة قد أبدت رأيها فقط حول إعلان (استقلال كوسوفو) مشددة تحديدا على أنها لا تنظر في مجمل قضية حق كوسوفو في الانفصال عن صربيا في شكل أحادي».

من ناحيتها، قالت مسؤولة السياسة الخارجية بالاتحاد الأوروبي كاثرين أشتون، أمس، إن الاتحاد الأوروبي مستعد لمساعدة صربيا وكوسوفو على إجراء حوار لتعزيز فرصهما للانضمام إلى الاتحاد. وقالت إن الاتحاد الأوروبي يرحب بحكم المحكمة الدولية غير الملزم بأن انفصال كوسوفو عن صربيا في عام 2008 لا ينتهك القانون الدولي.

ورغم أن قرار المحكمة غير ملزم، فإنه سيشكل إطار عمل دبلوماسيا لمحاولة إرساء علاقة فعالة بين صربيا وكوسوفو، وهو شرط ضروري لانضمام صربيا للاتحاد الأوروبي. وقال البيت الأبيض إن جو بايدن، نائب الرئيس الأميركي، اتصل بالرئيس الصربي بوريس تاديتش أمس، وأكد له تأييد واشنطن الكامل لكوسوفو كديمقراطية متعددة الأعراق. وأكد بايدن مجددا، خلال حديثه مع تاديتش قبيل صدور الحكم، الالتزام الأميركي القوي بسيادة كوسوفو وسلامة أراضيها وحث حكومة صربيا على العمل بشكل بناء على حل المشكلات العملية مع كوسوفو.

كذلك، دعت الولايات المتحدة أمس الدول الأوروبية إلى «التوحد» وراء قرار المحكمة. وقال المتحدث باسم الخارجية الأميركية فيليب كراولي «إن رأي محكمة العدل الدولية يؤكد شرعية إعلان استقلال كوسوفو. إننا ندعم هذا القرار». وأضاف كراولي «لقد حان الوقت لأوروبا للتوحد من أجل مستقبل مشترك».

ونظرت محكمة العدل الدولية في الملف، بعد أن كانت الجمعية العامة للأمم المتحدة قد وافقت عام 2008 على طلب صربيا عرض قضية استقلال كوسوفو على المحكمة للنظر في شرعيته. ومن المرجح أن يؤدي الحكم إلى اعتراف مزيد من البلدان باستقلال كوسوفو، وأن يقرب بريشتينا من الحصول على عضوية الأمم المتحدة. واعترفت 69 دولة، بينها الولايات المتحدة و22 دولة من أصل 27 دولة عضوا في الاتحاد الأوروبي، باستقلال إقليم كوسوفو حتى الآن. ويقدر تعداد الإقليم بمليوني نسمة، 90% منهم من الألبان.