السعودية تقفز إلى المرتبة 8 في تقرير «الأونكتاد» عن حجم التدفقات الاستثمارية الأجنبية

الدباغ لـ «الشرق الأوسط»: نتوقع ازدياد تدفق رؤوس الأموال.. والتصنيف شهادة محايدة على تطور الاستثمار في المملكة

تافير تسفاشئو، كبير موظفي مكتب الأمين العام لمنظمة «الأونكتاد» العالمية خلال الإعلان عن تقرير التدفقات الأجنبية أمس («الشرق الأوسط»)
TT

قفزت السعودية أمس 6 مراتب في تقرير منظمة «الأونكتاد» العالمية عن حجم التدفقات الأجنبية، لتحتل المرتبة 8 من بين دول العالم المختلفة، بعدما كانت في المرتبة 14، وذلك بعد مواصلة تحقيق النجاح في مجال جذب الاستثمارات الأجنبية المباشرة مقارنة بدول متقدمة في هذا المجال، بحسب ما وصفه التقرير الدولي.

وقال عمرو الدباغ محافظ هيئة الاستثمار السعودية، إن تقرير منظمة مؤتمر الأمم المتحدة للتجارة والتنمية، يعتبر شهادة تأكيد من جهة محايدة على سلامة السياسات والإجراءات المتعلقة بالاستثمار وبيئة الاستثمار في السعودية، مشيرا إلى أن خروج تقرير محايد كتقرير «الأونكتاد» يصنف المملكة بالمركز الثامن على المستوى الدولي والأولى على مستوى الشرق الأوسط، يؤكد على أن السياسات الاقتصادية المتبعة في البلاد ذات كفاءة عالية.

وأضاف الدباغ الذي كان يتحدث لـ«الشرق الأوسط» أن السعودية استطاعت تطوير بيئة الاستثمار وجعلها ذات جاذبية عالية، بتفوق على بيئات الاستثمار في المنطقة وعلى المستوى العالمي. وتابع: «التصنيف شهادة نحن نعتز بها، وهو تقرير محايد للتدفقات الأجنبية، ونحن لن نقف عند هذا الحد، بل نعتقد أن الطريق لا يزال أمامنا فيما يتعلق بتطوير مستمر لبيئة الاستثمار في المملكة».

وجاءت السعودية في المركز الثامن بحسب التقرير بعد كل من الولايات المتحدة الأميركية التي جاءت في المركز الأول، ثم الصين وفرنسا وهونغ كونغ وبريطانيا، والاتحاد الروسي، في الوقت الذي بلغ حجم التدفقات الاستثمارية الأجنبية الداخلة إلى المملكة في العام الماضي نحو 133 مليار ريال (35.4 مليار دولار)، ليصل رصيد الاستثمارات الأجنبية في المملكة إلى 552 مليار ريال (147 مليار دولار) بنهاية 2009.

من جهته قال تافير تسفاشئو كبير موظفي مكتب الأمين العام للمنظمة لـ«الشرق الأوسط»، خلال مؤتمر صحافي عقد في الرياض أمس، إن السعودية تعد من أفضل الدول الجاذبة للاستثمار الأجنبي، بما تمتلك من مصادر غنية تتطلب جذب وتنويع الاستثمارات، إضافة إلى تشجيع الحكومة على الاستثمار والمزايا التي تقدمها للمستثمرين، في الوقت الذي أشار فيه إلى أن توجه السعودية إلى استثمار فائض النفط في التعليم ومجالات أخرى سيضمن تدفق الاستثمارات على المدى البعيد.

وبالعودة إلى محافظ الهيئة العامة للاستثمار السعودية، فقد أكد أن أي مستثمر محلي أو أجنبي يبحث عن الاستقرار السياسي والأمني والاقتصادي، وهو ما تتمتع به المملكة، بالإضافة إلى البحث عن المزايا النسبية، وهو الأمر الذي يتوافر في قطاعات واعدة في المملكة مرتبطة بالطاقة والموقع الجغرافي.

ولفت إلى أن المستثمر ينظر أيضا إلى بيئة الاستثمار سواء كانت في السياسات أو الإجراءات أو حوافز أو غيرها، وأن تلك العناصر مجتمعة يبحث عنها المستثمر، الأمر الذي تسعى هيئة الاستثمار إلى تطويره باستمرار، لكون دول العالم والمنطقة تعمل بشكل دائم للتنافس على جذب الاستثمار لجعل بيئتها الاستثمارية أكثر جاذبية لاستقطاب المزيد من رؤوس الأموال.

وتوقع الدباغ أن تشهد السعودية تدفقا أكبر لرؤوس الأموال لقطاعات مختلفة في البلاد، كانت في وقت سابق تتلقى دعما حكوميا لتطويرها، كقطاع البنية التحتية وقطاع النقل والاتصالات وغيرها، مشيرا إلى أن تصدر المملكة لدول الشرق الأوسط والعالم العربي، والتفوق على دول ذات اقتصادات أكبر وقدرة استيعابية أوسع لامتصاص وجذب استثمارات من الخارج، يؤكد سلامة السياسات الاقتصادية المتبعة للحكومة السعودية وزيادة جاذبيتها.

وأشار إلى أن ما وصلت إليه المملكة من تطور وتقدم في قطاع الاستثمار، يحفز إلى تخصيص المزيد من القطاعات والاستفادة من تدفق رؤوس الأموال في تطويرها للمساهمة في تنمية البلاد.

والجدير بالذكر أن منظمة مؤتمر الأمم المتحدة للتجارة والتنمية (الأونكتاد) أنشئت في عام 1964، وهي الجهاز الرئيسي في الجمعية العامة للأمم المتحدة الذي يتناول التجارة والاستثمار وقضايا التنمية.

وتهدف المنظمة إلى «تعظيم التجارة، والاستثمار وفرص التنمية في البلدان النامية، ومساعدتها في جهودها الرامية إلى الاندماج في الاقتصاد العالمي على أساس منصف»، بحسب ما ورد في موقعها الرسمي.

وكانت المنظمة قد اختارت العاصمة السعودية الرياض للإعلان عن قائمة الدول الأكثر جذبا للاستثمارات الأجنبية المباشرة خلال العام الماضي، وهو ما اعتبر دلالة واضحة على تفوق السعودية على دول عدة فيما يتعلق بجهودها في مواصلة جذب الاستثمارات الأجنبية.

وأشار تقرير منظمة الأمم المتحدة للتجارة والتنمية (الأونكتاد 2010)، إلى أن تدفقات الاستثمارات الأجنبية المباشرة الداخلة على نطاق العالم انخفضت بنسبة 39 في المائة، في عام 2009، مقارنة بما كانت عليه في 2008، وبحسب دراسة أعدتها المنظمة، فإن التدفقات الداخلة قد انخفضت من 1.7 مليار دولار عام 2008، إلى نحو مليار سنة 2009.

وأظهرت الدراسة أن التدفقات الداخلة إلى الدول المتقدمة قد انخفضت في عام 2009 بنسبة 41 في المائة، كما شهدت التدفقات المتجهة نحو أميركا وإسبانيا وفرنسا والسويد انخفاضا بنسبة كبيرة، وبلغت نسبة الانخفاض في تدفقات الاستثمارات الأجنبية المباشرة إلى الدول النامية نحو 35 في المائة، بعد أن ظلت لمدة 6 سنوات متتالية تحقق ارتفاعا متواصلا.

ويعزى هذا الهبوط بدرجة كبيرة إلى انخفاض عمليات الاستحواذ والاندماج، وهو أحد الأنماط المهمة لدخول الاستثمارات الأجنبية المباشرة للدول النامية، ويعود ذلك إلى ضعف قدرات الشركات العالمية على الاستحواذ نتيجة لتدني أرباحها وقيم أسهمها في الأسواق المالية بسبب الأزمة العالمية.

وجاء في التقرير أن التدفقات الداخلة إلى القارة الأفريقية في عام 2009 انخفضت كذلك بنسبة تصل إلى نحو 36 في المائة، مقارنة بعام 2008، وقد شكل هذا الانخفاض قلقا كبيرا لهذه الدول، وذلك لأن الاستثمارات الأجنبية المباشرة تعد أحد العوامل المهمة في مكونات رأس المال الثابت في القارة الأفريقية.

كما انخفضت بالمثل التدفقات الداخلة إلى دول جنوب وشرق وجنوب شرقي آسيا بنسبة 32 في المائة، وإلى أميركا اللاتينية ودول الكاريبي بنسبة 41 في المائة.

وأوضح التقرير أنه على الرغم من الآثار الناجمة عن الأزمة المالية العالمية في عام 2009 وانخفاض حجم الاستثمارات التي شهدتها السعودية بنحو 7 في المائة، مقارنة بالعام الماضي، فإنها واصلت تحقيق النجاح في مجال جذب الاستثمارات الأجنبية المباشرة، مقارنة بدول متقدمة في هذا المجال، واستطاعت أن تحتل المركز الـ8 من بين دول العالم المختلفة بعد أن كانت تحتل المركز الـ14 في العام الماضي، حيث بلغ مجموع التدفقات الاستثمارية الأجنبية الداخلة إلى السعودية لعام 2009، 133 مليار ريال، وقد أدى صافي التدفقات الداخلة إلى ارتفاع إجمالي رصيد الاستثمارات الأجنبية في المملكة إلى 552 مليار ريال (147 مليار دولار)، بنهاية عام 2009. وطبقا للتقارير الصادرة من منظمة مؤتمر الأمم المتحدة للتجارة والتنمية (الأونكتاد)، تبين أن السعودية تملك إمكانات في جذب الاستثمارات تفوق ما تحققه فعليا، وقد كان الفرق في السابق كبيرا ولكن تحولا كبيرا قد حدث نحو تقليص الفجوة بين الإمكانات والمتحقق الفعلي خلال العامين الأخيرين 2008 و2009.

وبحسب التقرير فقد توزعت الاستثمارات الأجنبية الواردة للسعودية على عدد من القطاعات من أهمها، القطاعات الصناعية ومنها صناعة البتروكيماويات وصناعة تكرير النفط، والخدمات المالية (البنوك والتأمين)، والاستثمارات في العقارات والبنية التحتية وقطاع المقاولات، وقطاع النقل والاتصالات وتقنية المعلومات، وقطاعات التعدين واستخراج البترول والغاز.

ويبين تحليل بيانات تدفقات الاستثمارات الأجنبية المباشرة إلى المملكة أن أكبر التدفقات من حيث المصدر في عام 2009 هي أميركا، حيث بلغت الاستثمارات الأجنبية نحو 22 مليار ريال (5.8 مليار دولار)، تلتها الكويت بنحو 16 مليار ريال (4.2 مليار دولار)، ثم الإمارات باستثمارات واردة بلغت نحو 14 مليار ريال (3.7 مليار دولار)، ثم فرنسا بنحو 10 مليارات ريال (2.6 مليار دولار)، ثم اليابان بنحو 8 مليارات ريال (2.1 مليار دولار).

ولفت تافير تسفاشئو كبير موظفي مكتب الأمين العام للمنظمة، إلى أن التدابير السياسية التي اتخذت في منطقة غرب آسيا سنة 2009 أدت إلى تحسين ظروف الاستثمار الأجنبي بوجه عام، حيث عمدت بعض الدول إلى فتح قطاعات جديدة من الاقتصاد فتحا كاملا أمام الاستثمار المباشر، أو إلى رفع سقف الملكية الأجنبية، إضافة إلى خفض معدل الضريبة في بلدان أخرى من أجل تحفيز جميع قطاعات الاقتصاد أو قطاعات ومناطق بعينها.

وتوقع أن يؤدي التزام حكومات غرب آسيا الثابت بتنفيذ خطط طموحة في مجال الهياكل الأساسية والانتعاش الملاحظ في أسواق الائتمان الدولية في النصف الثاني من عام 2009 إلى دعم انتعاش تدفقات الاستثمار الأجنبي المباشر في عام 2010.

وفي ظل التوجهات الجديدة للاقتصاد العالمي، توقع ممثل «الأونكتاد» أن يسود التفاؤل الملفوف بالحذر على الاستثمارات الأجنبية المباشرة خلال الأعوام المقبلة، لافتا إلى أن توقعات الاستثمارات المباشرة تبقى محفوفة بالمخاطر.

وأشار ممثل منظمة الأمم المتحدة للتجارة والتنمية، إلى وجود حاجة إلى معالجة فعالة لمسألة التفاعل بين الاستثمار والقضايا الاقتصادية والاجتماعية والبيئية الأوسع نطاقا، ووضع منهجيات متماسكة يدعم بعضها بعضا. وأضاف، أنه من بين مجموعة متنوعة من الأدوات المتاحة، يحتاج صانعو السياسات إلى تحديد أفضل مزيج، في حين يجب الجمع على نحو فعال بين تشجيع الاستثمار وتنظيمه، لافتا إلى أن المبادرات الوطنية لا بد لها أن تراعي الشواغل الاقتصادية والإنمائية المحددة للبلدان.

وعن تحقيق نمو اقتصادي منخفض الكربون، أكد تقرير «الأونكتاد»، على أنه في مقدور الشركات عبر الوطنية أن تساهم في خفض الانبعاثات عن طريق تحسين عمليات الإنتاج في أعمالها، على امتداد سلاسل القيمة، وعن طريق إنتاج وتسويق سلع وخدمات أنظف، كما تستطيع الشركات عبر الوطنية أن توفر ما تحتاج إليه الجهود العالمية بشدة لمكافحة تغير المناخ، أي رؤوس الأموال والتكنولوجيا المتقدمة.

واقترح التقرير شراكة عالمية للاستثمار المنخفض الكربون، وذلك من أجل التوفيق بين تعزيز الاستثمارات وتخفيف آثار تغير المناخ، وفي إمكان هذا النهج أن يسخر الاستثمارات الأجنبية المنخفضة الكربون، وتنفيذ برامج تستهدف الاستثمارات المنخفضة الكربون على نحو يتيح تطبيقها لبلوغ النمو والتنمية المستدامين.