مربو الماشية في حائل يلجأون للنمل لرقع وخياطة أرحام مواشيهم

ينتجون الأمصال بواسطة البكتيريا على الطريقة اليونانية

بعض مربي الماشية في السعودية يلجأون للنمل في ترقيع وخياطة أرحام الماشية («الشرق الأوسط»)
TT

مناطق شمال السعودية تُصنف ضمن أهم المناطق الرعوية في البلاد، لاحتوائها على مواقع شاسعة من المراعي، بدءا من صحراء النفود الكبرى، حتى الحدود العراقية والأردنية المشتركة مع السعودية.

تلك المساحات الشاسعة، تحتضن جزءا كبيرا من الثروة الحيوانية في المملكة، التي يمتهن عدد كبير من السكان المحليين فيها، تربية المواشي، خصوصا الإبل والأغنام.

وطبقا لإحصائيات رسمية، فإن أعداد المواشي التي تحويها حائل بمختلف أصنافها، تقترب من 12 ألف رأس من الأغنام والماعز، بينما بلغت أعداد الإبل قرابة 5 آلاف رأس.

ويعتمد الكثير من مربي الماشية في علاج قطعانهم على الممارسة الشعبية، أو ما يعرف بالطب البيطري البديل، المتوارث عن أسلافهم، على الرغم من وجود عيادات بيطرية حديثة، ووجود طرق علاج اشتهر بها المعالجون الشعبيون، حيث كانت تعرف عند اليونانيين في السابق بعمليات تحضير البكتيريا لإنتاج الأمصال. فقد كان اليونانيون يستخدمون في عملياتهم الجراحية النمل لخياطة وترقيع رحم المواشي من التهتك، على الرغم من أدواتهم التي تعتبر بسيطة، معتمدين على خبراتهم الذاتية.

وعُرف عن مربي الماشية في الشمال من المملكة العربية السعودية تفوقهم في طرق تربية الحيوان، التي تقوم على التعامل بين الحيوان ومربيه. ومن بين تلك الطرق تعامل مُربِّي الماشية مع الحيوان بمولوده، فمثلا يضع أهل البادية مجسما تشبيهيا لمولود الحيوان حال ولادته ميتا، عن طريق وضع بعض من أجزائه على حيوان آخر، حتى تتعرف عليه الأم، وذلك ما يسمى بالمصطلح الشعبي في السعودية بـ«الروم». والهدف من هذه الطريقة في التعامل أن تدر الأم حليبها، ليتسنى إرضاع حيوان آخر تعرضت والدته للموت، فهنا يتم إرضاع المولود من أم غير أمه، وإقناع الأم بوجود مولودها.

الدكتور ناصر الهذال، مدير الثروة الحيوانية في المديرية العامة للزراعة بحائل، يرى أن الكثير من طرق أهل البادية الطبية، سبق أن أخضعت لدراسات طبية في الجامعات السعودية، وخلصت إلى فائدة بعض منها، لكنها لا تغني عن الطب الحديث، على الرغم من تفوق أهل البادية أو الأطباء الشعبيين على الأطباء في طريقة علاج مرض النحاب، وهو ما يسمى بالالتهاب الرئوي البلوري في عصرنا الحالي.

تلك الطريقة يراها الهذال نابعة من الطب اليوناني القديم، الذي يعتمد في علاج الحيوانات المصابة بالبكتيريا على دفن رئة الحيوان المصابة داخل قطعة قماش لتحضير البكتيريا، ومن ثم استخراجها، ومن ثم تشريط أذن الحيوان السليم ولصقها، لتكون بمثابة «التطعيم» في وقتنا الحالي، حتى ينجو من المرض بقية القطيع.

الهذال يرى، من خلال اختبارات أجريت مسبقا، سهولة استئناس الحيوان خلال إخضاعه للعلاج في وجود صاحبه.

وأبرز الهذال في حديث لـ«الشرق الأوسط» نجاح عمليات جبر كسور الحيوانات، التي تعتمد على الأخشاب، وتطرق في حديثه لعلاج كسر الفك، حيث كان أهل البادية يلجأون لخرم الفك وربطه لمدة تزيد على الشهرين، بينما تشترط تلك العملية الجبرية سقي الحيوان الحليب فقط، لعدم قدرة الحيوان على تحريك فكه المكسور، وبعد انتهاء المدة المحددة، تنزع الأخشاب المستخدمة لجبر فك الحيوان، حتى يعود إلى حالته الطبيعية قبل تعرضه للكسر.

ويعمل ضيف الله الناجي، متقاعد من السلك العسكري، في ممارسة الطب الشعبي البيطري، وعرف عنه القدرة على علاج أمراض الإبل، خصوصا عمليات تقطيع صغير الناقة (الحوار) داخل رحم الأم، عن طريق استخدام أمواس الحلاقة، حال تعسر الولادة ووفاة الصغير داخل الرحم، إلى أن يخرج على هيئة قطع صغيرة، حتى لا يتضرر رحم الأم.

ناجي في العقد الرابع من العمر، ويتذكر أسلافه الذين توصلوا إلى تقنية الخيط، أو ترقيع ثقب الرحم بواسطة النمل، الذي يعتمد على توجيه النمل لثقب الرحم.

وتطرق الناجي إلى علاج الحيوان بالكي بالنار، خصوصا الإبل، التي تشتهر بخروج ما يسمى بـ«الخُرّاج»، الذي يستدعي اقتلاعه من عدة مواقع في جسم الناقة عن طريق الكي بالنار، حتى تشفى من هذا المرض.

ومن الأدوية التي يستخدمها معالجو الحيوانات، ما يعرف في المملكة بـ«الأرطى» الذي يستخدمه السعوديون في التدفئة في موسم الشتاء، والملح للتعقيم، كذلك البرغي، وهو «مادة نفطية» للعلاج من الالتهابات. وعن الطب الحديث يرى الناجي عدم إمكانية أن يحل محل الطب الشعبي، باعتبار العلاقة بين الماشية ومربيها تلعب دورا مهما في علاج الحيوان من الأمراض التي تصيبه.