إنها بلاد تضع أقدامها على أعتاب التطور وعاصمتها أغنى مدن القارة الكبرى

رحالة نمساوي يقطع مسافة 12 ألف كلم للوصول إلى السعودية قبل نصف قرن

الملك فيصل ملك المملكة العربية السعودية يتحدث إلى الأميرة أدويسكالشي داخل قصره
TT

* تعد رحلة قام بها الرحالة النمساوي إرنست وايز بسيارته الخاصة بصحبة الأميرة النمساوية أدويسكالشي إلى السعودية في القرن الماضي، ولقاؤه الملك الراحل فيصل بن عبد العزيز ثالث ملوك الدولة السعودية الحديثة، ذات أهمية تاريخية تتعلق بتسجيله جانبا من واقع البلاد وتطورها. كما سجل الرحالة انطباعاته في مجلس الملك، وحوت السطور التي سجل فيها ملامح عن هذه الرحلة التي ضمنها كتابا حمل عنوان «عشرة آلاف ميل عبر الجزيرة العربية» بعضا من خطط الملك الراحل وما تستهدفه من مشاريع وبرامج لرقي البلاد، وسجل الرحالة في كتابه الذي ترجمته إلى العربية ونشرته دارة الملك عبد العزيز ضمن إصداراتها المتعددة لتوثيق مثل هذه الرحلات، ثقافته وانطباعاته وأفكاره وقناعته ومعتقداته، إضافة إلى المعلومات التي تغطي جوانب تاريخية وواقعا مرئيا اطلع الرحالة عليه وعاصر أحداثه وشاهد مكوناته.

وترجم الكتاب إلى العربية الدكتور عمر باقبص الذي يحمل شهادة الدكتوراه في الأدب الإنجليزي من جامعة اسيكس وقدم أعمالا منشورة أبرزها «الإسلام والديمقراطية والغرب»، و«موقع كار لايل في الدراسات الاستشراقية»، و«البحث عن السلف في روايات توني موريسون» و«الوجود البريطاني في الهند ونهاية الإمبراطورية»، و«أدب الرحلات الأميركية إلى الأرض المقدسة في القرن التاسع عشر الميلادي»، كما أنجز مشروعي بحث؛ الأول عن تعامل الصحافة البريطانية مع أحداث تتعلق بالمسلمين بعد 7 يوليو (تموز) عام 2006، والثاني عن روائع من الأدب الأفروأميركي.

* بدأ الرحالة إرنست وايز حديثه عن الصعوبات التي واجهته أثناء دخوله بالسيارة من الكويت متوجها صوب الرياض في شهر الصوم، حيث استغرقت إجراءات دخول البلاد 24 ساعة بدءا بالسفانية التي تعد أحد حقول النفط. يقول وايز: «وعلى الرغم من أن المسار الذي سلكناه لم يكن سيئا، فإننا فقد آثرنا أن تكون سرعة السيارة اعتيادية. وحدث أن سقطت إحدى الحقائب من على ظهر السيارة لأنها لم تكن مربوطة بإحكام، فأعدت ترتيبها، ثم دخلنا في نوع من السباق مع سائق المركبة المصاحبة لنا، حيث اقترب منا بسيارته أكثر فأكثر فتركنا له المجال لينطلق أمامنا، ثم وصلنا إلى جزء ممهد من الطريق، ثم ما لبث أن تبدل الأمر فواجهنا صعوبات، وبعد بضعة أميال وصلنا إلى أول معسكر لشركة (أرامكو)، شركة الزيت العربية الأميركية، التي كانت تستحوذ على مجمل هذه المنطقة بموظفيها السبعة عشر ألفا من الجنسيات الأميركية والأوروبية والسعودية. وكانت منطقة السفانية في هذه الآونة تضم أهم حقول النفط، وفيها ينتج النفط من تحت مياه البحر عن طريق العبارات العائمة، وفي كل عام كان يتم القيام بمزيد من الحفريات لزيادة الإنتاج.

وكنت أرغب في قضاء تلك الليلة هناك حتى يتسنى لي زيارة هذا الحقل النفطي في نهار اليوم التالي، لكن حارس البوابة عندما علم بأننا غرباء طلب منا أن نتجه إلى المعسكر التالي (الناصرية) على بعد عشرين ميلا من هذا الموقع، ولقد كانت فرصة رائعة للزائر أن يتمتع بالتأمل في تلك اللوحة الفنية؛ حيث ينعكس الضوء الصادر من مئات الآلاف من المصابيح على سطح الخليج.

وعلى الرغم من أن معسكر الناصرية كان أحد أصغر المعسكرات التسعة التابعة لشركة (أرامكو) في جنوب الجزيرة العربية، فقد كانت نموذجا في ما يتعلق بدواعي الراحة والرفاهية، وكان هناك أكثر من 40 أميركيا يعيشون في هذا المكان، ومن المفاجآت المذهلة المتعلقة بنوعيات الطعام أن المطعم كان يضم الآيس كريم و(استيك فيينا) و(الشوب) (نوع من فطائر اللحم) مع الفاصوليا و(بوتاروس فيرجينيا)، وكانت تلك الأصناف تفوق في جودتها ونظافتها نظيراتها في نيويورك.

وعندما طلبنا مكانا للراحة اصطحبنا مساعد المحاسب وكان سعودي الجنسية إلى غرفته المكيفة حيث استمتعنا فيها بنوم هانئ. ولقد كان الحظ حليفنا في تلك الليلة حيث انخفضت درجة الحرارة إلى 15 درجة.

وفي اليوم التالي وصلنا إلى واحة أخرى تتميز بكل وسائل الراحة، وفيها يقع المركز الرئيس لشركة (أرامكو). إنها مدينة الظهران. وعند وصولنا إلى هناك بعد السير لمسافة مائة وثمانين ميلا لم نكن نعاني من التعب والإرهاق بالدرجة نفسها عندما وصلنا إلى الناصرية، وكان وصولنا إلى الظهران في منتصف نهار الخميس، متأخرين عن الموعد الذي تقدم خلاله الشركة بعض الامتيازات للسياح، وكان مسؤول العلاقات العامة قد توجه إلى منتجعه على شاطئ البحر، وكذلك الحال في ما يخص الموظفين السعوديين والأميركيين، ولم يكن لدى الموظف السعودي الذي استقبلنا أي صلاحية للسماح لنا بدخول الاستراحة، ولكننا استطعنا الحصول على غرفتين في فندق المطار مقابل ست جنيهات إسترلينية للغرفة، وكانت هاتان الغرفتان تطلان على مسجد المطار الذي كان بمثابة تحفة معمارية مع مباني المطار الأخرى، وقد صممه مهندس معماري مصري، وكان ينظر إليه على أنه أحدث عمل معماري متطور في قارة آسيا.

ونظرا لضيق الوقت لم نتمكن من الذهاب إلى ميناء رأس تنورة، حيث انفجر إطار سيارة الموظف السعودي المرافق لنا (السيارة كانت من نوع بلايموث)، ولم يكن من الممكن أن تنجز سيارتنا الرحلة في غضون الوقت المتاح لنا، وخلال وجودنا في الظهران تمكنا من زيارة الأبراج التاريخية والمعالم الموجودة على أحد التلال في جنوب المدينة. وفي نهاية هذه الرحلة حصلت على عدد وافر من المعلومات، وعند عودتي إلى الفندق وجدت شخصا في انتظارنا، وكان هذا الزائر هو رجل نمساوي يعمل مديرا لمكتب «لوفتهانزا» ويقيم في فندق المطار، وكانت له علاقة متميزة بطواقم الملاحة في المطار، وفي هذه الليلة قدمت لنا عصائر البرتقال ذات المذاق الرائع، وكان هذا الرجل يعمل في مدينة الظهران منذ عامين، بيد أنه ومنذ عدة أشهر فقط كان عليه أن يتخلى مجبرا عن الفتيات الست اللاتي كن يعملن في مكتبه، لأن القانون السعودي يحظر توظيف النساء في المكاتب والمصانع، وبالفعل فقد رضخ للقانون واستبدل بموظفاته شبابا سعوديين.

وفي صباح هذا اليوم وعقب عودتنا من زيارة أبراج النفط، زرت المدارس والمستشفيات والمباني السكنية التي يقطن فيها نحو 800 عائلة، وكانت شركة (أرامكو) قد شيدتها قبل عام بتكلفة مقدارها عشرة ملايين دولار. وكذلك زرنا مركز المدينة وروضة الأطفال، وأخيرا وليس آخرا كلية (أرامكو) للأبحاث النفطية التي كانت مغلقة لكوننا في إجازة. ثم توجهنا إلى المعسكر الأميركي الذي يتميز بمبانيه ذات الطابق الواحد المحاطة بالحدائق والخضرة اليانعة، ثم توجهنا إلى المطعم لتناول الغداء.

وبعد القيام بكل تلك النشاطات لم نعد نفكر في الوصول إلى مدينة الرياض في تلك الليلة، لكن الأميرة أصرت على المحاولة والاستفادة من ميزة الطقس البارد، وفي منتصف الطريق كانت هناك محطة ظننا أنها تشمل استراحة توفر أماكن للنوم ومرافق للاستحمام، لكن خاب ظننا، وبعد مرور خمس ساعات من القيادة المستمرة بمعدل أربعين ميلا في الساعة لم تتوقف السيارة إلا مرتين لالتقاط بعض الصور، وكان (قد حان) وقت الغروب عندما وصلنا إلى المحطة الهدف حسب مخططنا الزمني والمكاني، ولم نجد فيها إلا الشاي والبيض في مطعم صغير رديء مجاور لمحطة وقود، لذلك أعددنا السيارة والخيمة من أجل الخلود إلى النوم. وخلال هذه الليلة بذلت جهدا كبيرا لتأمين أكبر قدر من الدفء لنا لمواجهة الطقس البارد، حيث شغلت البطانية الكهربائية الموجودة بحوزتنا على بطارية السيارة لتأمين الدفء اللازم للأميرة، أما ما يتعلق بي فكان الاعتماد على مدفئة السيارة التي كانت تعمل بشكل مستقل عن المحرك، ولم أكن أدري أن جزءا من الطاقة الكهربائية قد استهلك بالفعل بسبب تشغيل المدفئة، وعند الرابعة صباحا استيقظت على طرقات قوية على سطح السيارة، حيث كادت الأميرة أن تتجمد بسبب توقف البطانية الكهربائية عن العمل. واشتاطت غضبا ظنا منها أنني أوقفت تشغيلها، ولم يكن من الممكن عقب ذلك إعادة تشغيل السيارة لأن الطاقة الكهربائية للبطارية قد نفدت، وكان علينا أن ننتظر حتى الصباح حتى يأتي من يدفع السيارة، ولم أتمكن من الدفاع عن نفسي أمامها، وتعكرت الحالة المزاجية لكلينا ووصلت إلى درجة التجمد، ولم تصف الأجواء إلا بعد طلوع الشمس التي أدفأت المكان.

وكان هناك سبب آخر وراء غضب الأميرة، حيث علمنا على الحدود أن المرأة في المملكة العربية السعودية غير مسموح لها بقيادة السيارة، وكنا في الصحراء الشاسعة نتحايل على هذا القانون، حيث إنه لم يكن من الممكن عندما تكون سرعة السيارة 100 ميل في الساعة أن يلحظ أحد جنس من يجلس خلف عجلة القيادة، أما الآن فنحن على مقربة من العمران، وظلت غير مرتاحة من هذا الأمر، حتى إن سلوك العامل في محطة خدمة السيارات زاد من حدة هذا الشعور لديها وجعلها تستشيط غضبا عندما أهمل تنظيف الزجاج الأمامي على النحو المطلوب.

وازداد الأمر سوءا في اليوم التالي وزادت جرعة الملل والرتابة، حيث أحاطت بنا الرمال الصفراء من كل جانب، وكان عدد المركبات على الطريق قليلا، يفصل بينها مسافات بعيدة، ولم نقابل في طريقنا إلا عددا قليلا من السيارات وبعض الباصات (الحافلات) وسيارات النقل الكبيرة والصغيرة، ولم يكن هناك شيء يلفت الانتباه من مناظر ومعالم على طول الطريق، إلا العلامات الخشبية التي تشير إلى عدد الأميال. وخلال تلك الساعات تعلمنا الأرقام العربية بعد أن تكرر ورودها أمامنا على اللوحات الخشبية.

وفي النهاية وصلنا إلى عاصمة المملكة العربية السعودية. وعندما توقفنا في فندق «قصر صحاري» في مطار الرياض وجدنا أن هناك غرفتين شاغرتين، وأخبرت موظف الاستقبال أن إقامتنا في الفندق ستستمر لمدة ثلاثة أيام أو أربعة، ولم أكن أدري أنها ستستمر لمدة ثلاثة أسابيع، وكلمة «بكرة» تعني أن العمل «سينجز غدا» أو ربما في الشهر القادم أو حتى السنة القادمة، وفي هذا الوقت كان الأسبوع السادس قد اكتمل منذ مغادرتنا لمدينة فينيا قطعنا خلالها أحد عشر وسبع مائة وستة وثمانين كيلومترا، كما أشار عداد السيارة.

إن مقابلة كبار الشخصيات في العالم كالملوك والسلاطين والرؤساء لم تكن بالأمر اليسير لي، ففي إحدى المرات كان علي أن أنتظر ثلاثة أسابيع لمقابلة الإمبراطور هيلي سيلاسي إمبراطور إثيوبيا، وليس هذا فحسب، بل إنه خلال هذه المدة لم يكن مسموحا لي أن أغادر أسوار أديس أبابا، وكان يعتقد أن التشرف بمقابلة جلالته قد يتأثر إذا ما طالت مدة الانتظار واستكمال المراسم الملكية المعهودة التي أخذت مني ثلاثة أسابيع في ترقب تام على مدار الساعة حتى تأتي المكالمة التي تخبرني بأن الوقت قد حان، وعندما حان الوقت كنت في الفندق، وبعد خمس عشرة دقيقة جاءت سيارة لتقلني إلى القصر، وكان لدي الوقت الكافي لأتذكر الإجراءات التي يجب اتباعها في هذا المقام. وكان من المعلوم أن الملك سعود الذي خلفه الملك فيصل لا يحب لقاء الصحافيين (هذا غير صحيح فالملك سعود كان يهتم بذلك وسجلت كثير من القابلات معه)، ولما غلب على ظني أن الملك فيصل قد يأخذ المنحى نفسه تجاه الصحافيين لم أتقدم بطلب لمقابلة الملك عند طلب تأشيرة الدخول للسعودية، لكن الغريب أنني لما اتصلت بمكتب وزارة الإعلام للمرة الأولى عند وصولي للرياض طلبا للمقابلة أخبرني السيد فؤاد علكاوي المدير المسؤول عن الصحافة والإعلام أن المقابلة قد تتم في الأسبوع المقبل إذا وصل جلالته مبكرا من رحلته إلى داشيدا.

ومن جملة ما قاله السيد فؤاد أن جلالته كثيرا ما يقابل الصحافيين الأجانب، وقد التقى قبل بضعة أسابيع صحافيا من بلادي، وكتب هذا الصحافي عن هذه المقابلة في جريدته اليومية وأرسل نسخة من هذه المقابلة، لكنها كانت باللغة الألمانية، وتمنى أن أترجمها له في وقت لاحق.

وعلمت أيضا أن الملك فيصل يفتح أبواب قصره يوميا عندما يكون موجودا في مدينة الرياض لتلقي شكاوى المواطنين ومقابلة شيوخ القبائل البدوية، وهذا جعل الوزراء وكبار موظفي الدولة يحذون حذوه ويتسابقون في مقابلة الجمهور لتقديم النصح والمشورة وإيجاد حلول لمشكلاتهم. وعلى الرغم من كوننا في شهر رمضان، فإن مدير إدارة الإعلام كان يأتي من مكتبه بمعدل مرتين يوميا من أجل حضور تلك المقابلات التي كانت تعقد في غرفة طويلة فيها عدد كبير من الكراسي مصفوفة على الجانبين مع مكتب للمدير في نهايتها. وعندما طلبت الحديث كان حول السيد فؤاد مجموعة من الرجال غالبيتهم يلبسون الزي السعودي ويتناولون الشاي أثناء حوارهم معه، وعقب تعريفه بنفسي طلب مني أن أجلس على مقعد بجواره، وعندما بدأنا الحوار أبدى الرجل اعتذاره عن تأخر وصول خطابه إلى فينيا، وأخبرني بأننا ضيوف على جلالة الملك وعلى الوزارة وقال إنه سيبذل قصارى جهده من أجل تلبية جميع متطلباتنا أثناء إقامتنا بالرياض، وإن هناك سيارة ومرشدا خصصا لمساعدتنا، وعقب ذلك بدأ في توجيه بعض الإرشادات التي تتعلق بالأميرة، ومنها على سبيل المثال أنه يجب عليها ألا تسير في الشارع من دون مرافق، ويجب ألا تقود السيارة. وفي هذه الأثناء، وبينما كان يسدي إرشاداته سأل عن الأميرة، فقلت له إنها في الفندق، فأعطى أوامره بأن يتحرك السائق لإحضارها من الفندق إلى مقر الوزارة، وبعد مرور عشرين دقيقة عاد السائق بمفرده قائلا إن الأميرة طلبت إعفاءها نظرا لوجودها لدى مصفف الشعر. وهذا الأمر لم يرق للمدير، وازداد الأمر سوءا عندما تأخر أحد الموظفين المقررة مقابلته عقب ذلك متعذرا بشهر رمضان، وهذا تسبب في تأخر بث البرنامج التلفزيوني في هذا اليوم لمدة نصف ساعة، والمدرك لأهمية التلفاز للعامة في المملكة العربية السعودية، سيتفهم أن هذا الأمر كان يعد بمثابة أمر خطير للغاية، ومما زاد الأمر سوءا أن المدير لم يكن لديه بديل للشخص الذي تأخر عن عمله، وكانت خدمة البث في تلفزيون المملكة العربية السعودية قد بدأت قبل ثلاثة أشهر فقط (بدأ بث التلفزيون السعودي عام 1965م).

وكان هناك سبب شخصي يجعل المدير فخورا بالتلفزيون السعودي، حيث إن ابنته الكبرى كانت ممن ينشدون في برنامج الأطفال الذي كان يبث على الهواء يوميا في تمام الساعة التاسعة والنصف، وفي بلاد الشرق عادة ما يذهب الأطفال للفراش في أوقات متأخرة من الليل، وكذلك كان يفعل جميع أفراد العائلة وجميع من يقتنون التلفاز من مشاهدي هذا البرنامج الذي يستغرق نصف ساعة، وكانت جميع طلبات الأطفال في هذا البلد مجابة، وهذا خلق لديهم نوعا من السيطرة، وهذا ما يفسر حدة المدير وشدته أحيانا.

وعلى الرغم من تأخر البث، فإن معاناة المشاهدين لم تدم طويلا، حيث جاء اثنان من أصدقاء الموظف المتأخر عن عمله وتوسلا للمدير بغية أن يصفح عنه وألا يعاقبه، وأعقب ذلك بكاء وعناق وإطلاق آلاف الوعود. وفي غضون عشر دقائق، بدا وكأن الجميع إخوة وأخوات سووا خلافاتهم بعد سنوات من الفرقة والخصام.

وتحسنت الحالة المزاجية لدى المدير، وانعكس هذا التحسن علينا أيضا، فعدت في اليوم التالي وبصحبتي الأميرة وترجمت تقرير الجريدة الخاص بزميلي عن مقابلة الملك، وهنا أشكر الله حيث إنه لم يكن هناك حاجة لأغير الحقيقة، فالمقال كان يتسم بالإطراء والمدح والثناء. وفي غضون الأيام التالية، فعل المدير كل ما بوسعه من أجل توفير كل سبل الراحة لنا خلال إقامتنا في الرياض، وتوطدت بيننا الصداقة، وكلف مرشدا لنا يدعى «محمد» لتقديم المساعدة اللازمة، وكان هذا الشاب ماهرا ومحنكا، بل إنه من أفضل الأشخاص الذين قابلتهم في المملكة العربية السعودية، ولم أتحقق مما إذا كان يمكنه فهم اللغة الإنجليزية، بيد أنه كان في بعض الأحيان يتفوه ببعض الكلمات التي تحوي خليطا من الإنجليزية والفرنسية، وكان عادة ما يتظاهر بأنه لا يفهم شيئا مما نقول، وكان يأتي متأخرا ساعة أو أكثر عن أي موعد يتفق عليه، ولكنه كان يتصل أحيانا في الموعد المحدد، وقد كان هذا الشاب بمثابة لغز لنا، ولم نكن نثق فيه بالدرجة نفسها التي كنا نوليها للمدير.

وعلى الرغم من كل ذلك، فإن محمد كان متميزا، وبمساعدته استطعت أن أتعرف على كثير من معالم العاصمة القابعة في وسط الصحراء، فهذه المدينة وحتى نهاية القرن التاسع عشر كانت قرية صغيرة غير معروفة، لكن الملك عبد العزيز استطاع السيطرة على القلعة القديمة، ومن ثم تأسيس المملكة الجديدة، وكان على عبد العزيز القتال لسنوات كثيرة قبل توحيد الجزيرة العربية تحت السلطة السعودية. وفي البداية لم تنمُ الرياض بشكل كبير، وحتى منذ خمسة وعشرين عاما فقط كانت مدينة عادية يقطنها نحو (25000) نسمة، ولم تكن فيها أي مواقع مميزة، ولا يوجد في الرياض تجارة خارجية، وإن وجدت فهي طفيفة للغاية. وفي حقيقة الأمر، فإن التطور بدأ يظهر في هذه المدينة عقب انتهاء الحرب العالمية الثانية وتنامي الطلب على النفط عقب ذلك، وفي عهد الملك سعود والملك فيصل بن عبد العزيز أصبحت المدينة إحدى أغنى المدن في قارة آسيا.

وخلال اليوم الأول والثاني من رحلتنا، استكشفت المدينة وتعرفت على معالم التطور فيها من مبان حديثة للوزارات والبنوك، وكذلك مررت في شارع المطار الممتد على مسافة خمسة أميال من المدينة القديمة إلى المطار الجديد، ويطل على هذا الطريق فندقان كبيران وهناك بعض المخططات الفارغة، لكن الشقق السكنية والمدارس والورش تنتشر كل عام لتلتهم تلك المخططات الفارغة، وعلى بعد مائتي قدم من طريق المطار يقع مكتب البريد الرئيسي، وهو أحد أهم المعالم المميزة في مدينة الرياض الجديدة، وهناك أيضا ناطحة سحاب مكونة من 12 طابقا تدعى «البرج الدائري»، وتوقفت أمام مكتب البريد مرتين، وفي كل مرة كنت أجده مغلقا، ولم يتضح الأمر إلا بعد أن اتصل بنا محمد ليخبرنا أن مكتب البريد يفتح لمدة ساعتين فقط خلال شهر رمضان. كما أذكر في هذه الرحلة أكوام الخطابات والطرود التي كانت ملقاة على أرضية مبنى مكتب البريد في كل مكان، حيث انتشرت عادة إرسال الهدايا والبطاقات الخاصة بالتهنئة وبحلول العام الجديد في دول الشرق وفي الدول الإسلامية وكذلك عند حلول عيد الفطر الذي يعقب نهاية شهر رمضان.

وكان الأفراد قبل نهاية شهر رمضان يتسوقون وتزخرف زوجاتهم الأشياء التي يشترونها، ومن ثم توزع في أول أيام العيد، أو تقدم عند التهنئة بحلول العيد، وفي اليوم الثاني من أيام العيد تعد حفلات كبيرة ويستمتع الضيوف بالهدايا وبطاقات التهنئة التي تقدم تقليدا للعادات الأنجلوأميركية.

وفي ما يخص أصحاب المحلات ورجال الأعمال، فإن آخر أيام شهر رمضان كثيرا ما تكون أياما مضنية لهم؛ فتظل المحلات مفتوحة أثناء النهار باستثناء الفترة من الواحدة حتى الرابعة عصرا، بيد أن العمل يبدأ بعد غروب الشمس، حيث يبدأ الزبائن في التجول والشراء. وتستمر بعض المحلات مفتوحة حتى الثالثة صباحا، وبعضها لا يغلق أبوابه على الإطلاق. وقد جرت العادة بزيارة الأصدقاء بعد منتصف الليل، خاصة للأسر التي تنتظر حتى يخلد الأطفال للنوم. وهذا التغير في الروتين اليومي خلال شهر رمضان يؤثر أيضا في البنوك والمكاتب التي تفتح أبوابها في المساء نظرا لقصر المدة التي تعمل خلالها أثناء النهار وتمتد من العاشرة صباحا حتى منتصف النهار.

وكان من الواضح أن محمد متأثر ببعض الأماكن المهمة مثل المدارس والمستشفيات، مع الاكتراث بالأماكن الأخرى، ومن أهم الأماكن التي كان يفضل زيارتها الكلية الجديدة ومركز التدريب المهني الذي كان يضم أكثر من 300 طالب من جميع أنحاء المملكة يتدربون على الحرف المختلفة والأمور الأخرى مثل أساسيات أعمال العقود واللحام والنجارة والسباكة وإصلاح السيارات.

وكان هناك كثير من القصور التي شيدت خلال العامين الأخيرين من حكم الملك فيصل، وكانت هذه القصور معدة إعدادا جيدا، كما كان من الملحوظ أن هناك ترشيدا في عوامل الرفاهية بحسب توجيهات الملك فيصل نفسه، وكانت الجوانب الداخلية والخارجية في هذه القصور يتكامل بعضها مع بعض، وهنا يكمن الجمال، وتحيط بها جدران قرنفلية اللون تمتد لثلاثة أميال، ولها ثلاثة مداخل مبهرة توصل لهذه القصور، وكان أكبر هذه القصور «قصر ابن سعود» (يقصد الملك سعود) الذي كان محاطا بمنازل زوجاته، وكان مسكنه المفضل قد شيد على الطريق الرئيسي في مقابل قصر والده الملك عبد العزيز المشيد بالطين، ونظرا لأن ارتفاع الجدار كان 15 قدما فقط، فقد تمكنت من رؤية النوافذ العلوية للمبنى.

بني هذا القصر على الطراز الحديث وبجواره شيد مسجد، وكان القصر القديم قد أخلي استعدادا لهدمه. ومما أذكره أن نوافذه كانت محطمة مع وجود فتحات في جدرانه، ولم أستطع تحديد عدد القصور المأهولة الخاصة بالحكام السابقين أو عدد القصور القائمة منها، وكان هناك عدد من الطرق القريبة من المجمع المحاط بالجدران قرنفلية الشكل، محاطة بمبان فارهة متجاورة تتشابه جميعها من الناحية المعمارية مع تلك الموجودة داخل الجدران، وهو ما يرجح أنها كانت قصورا.

وعلى بعد ميل من هذا المكان كان هناك مجمع آخر محاط بجدار مشابه لقصر الملك فيصل، ولم يسمح لنا إلا بالوقوف للحظات خارج السور، كما لم يسمح لنا حتى بالتقاط الصور، من دون أن نفهم الدوافع وراء ذلك، وكان محمد خائفا وأسرع قائلا: «أتمنى أن لا يمر جلالة الملك في هذه اللحظة».

كما كانت بعض مساكن الأمراء أقل رفاهية، فبعضها كان فيلات أو منازل كبيرة تقع خارج المدينة، وكان أحدها يقع خارج المدينة في الصحراء، لكن الملحوظ أن مدينة الرياض كانت تنمو بشكل مطرد، وكانت هناك أماكن بعيدة ومن المتوقع أن تصبح داخل نطاق المدينة في غضون بضع سنوات؛ ففي السنوات الخمس الماضية تضاعف عدد السكان، ولا يزال في ازدياد، ولم يتسن لي الحصول على إحصاءات مؤكدة، بيد أن كثيرا من التقديرات تشير إلى أن عدد السكان كان يتراوح بين 25000 إلى 40000 نسمة.

ولم يقتصر التطور على القطاعات السكنية والتجارية فحسب، بل امتد إلى المدينة الداخلية التي اكتسبت أيضا مظهرا جديدا، وشيد عدد من ناطحات السحاب والمكاتب الضخمة فيها، كما افتتح مؤخرا عدد من المحلات التجارية هناك، وأصبح من السهل الحصول على كتب جديدة في سوق الكتب، كما تم تحديث دليل الهاتف، وكان من الملحوظ أيضا أن الطلب على اقتناء السيارات وأجهزة الراديو قد ازداد كثيرا. وعلى أطراف المدينة على طريق المطار رأيت «معارض الجفالي» وكيل سيارات «مرسيدس» بالقرب من معارض سيارات «فورد». وكانت شركتا «تويوتا» و«هوندا» اليابانيتان قد بدأتا نشاطاتهما حديثا، لكنهما كانتا تحرزان تقدما جيدا في السوق السعودية.

أما المدينة القديمة فلا يزال فيها جزء كبير ينتظر دوره في عملية التطوير والتحديث، وكانت هناك مساحة مقدارها نصف ميل مربع تقريبا تستخدم موقفا للسيارات النقل والأجرة، وتحتوي على عدد كبير من البيوت ذات الطابق الواحد والعشش التي يقطنها العمال من جميع الجنسيات، وبعض هذه البيوت المتداعية كان يقطنها تجار الإطارات وقطع غيار السيارات، وبعضها الآخر كان يؤول إلى تجارة الخردة حيث كانت تكتظ بقطع المحركات القديمة والمواد الأخرى التي قد تستخدم في ما يتعلق بصيانة المركبات وتأهيلها، وكانت أسقف هذه البيوت في معظم الأحيان من سيقان الخيرزان أو أجزاء حاويات المعلبات.

وكان بعض من يقطنون هذه المنطقة يقومون بعمل جيد، حيث استعنت بأحدهم عندما أردت إصلاح مفاتيح سيارتي «الهفلنجر».

وكنت أذهب في ظهيرة كل يوم إلى وزارة الإعلام، وفي المساء كان المدير عادة يدعونا إلى بيته لقضاء بعض الوقت ولتذوق بعض الأطباق العربية أو سماع بعض الموسيقى، والمثير أنه لم يسأل مطلقا عن طول مدة إقامتنا في المملكة العربية السعودية، ولم نكن نحن أيضا نعرف كم ستطول مدتها، فقد حدث هناك تطور آخر؛ حيث إن شابا نمساويا في مدينة جدة أخبرني أن احتفالات شهر رمضان تتضمن رقصات بدوية متميزة تؤدى على الملأ (يقصد العرضة السعودية)، ولم يكن من الممكن تفويت هذه الفرصة الرائعة والصور التي يمكن التقاطها بهذه المناسبة، ومن ناحية أخرى، كنت أرغب في اختيار الوقت المناسب للتحرك إلى ساحل البحر الأحمر حتى نصل إلى هناك بسهولة ويسر، وكنت أعرف أن الاحتفالات ستستغرق ثلاثة أيام، لكنني لم أتحقق من المكان والزمان المخصص لها، ولم تتمكن الوزارة من تأمين المعلومات اللازمة لنا بهذا الخصوص، كما لم يكن بوسعها أيضا تحديد موعد نهاية شهر رمضان، ومن ثم بداية الاحتفالات. وبحسب ما علمت، فإن الاحتفالات ستبدأ عند الإعلان عن ثبوت رؤية الهلال، وبحسب التقاليد التي تمتد لقرون طويلة فإن الملك هو من يعلن عن ظهور الهلال عن طريق مرسوم يصدر من القصر يفيد بأن الهلال قد ثبتت رؤيته. ومن يحالفه الحظ هو من يستطيع رؤية الهلال ويدعم شهادته وجود شخصين آخرين يشهدان بصدقه وأهليته.

لكن قد تكون هناك غيوم في السماء تغطي جميع أجزاء المملكة العربية السعودية، أو قد يتأخر المبلغون عن الرؤيا في إيصال إفاداتهم، وفي هذه الحالة لا يمكن التأكد من تمام شهر رمضان. وعليه، فإن موعد نهاية شهر رمضان ومن ثم بدء الاحتفالات غير محدد، وكان الجميع يتمنى أن يكون الاحتفال يوم السبت حتى تطول عطلة نهاية الأسبوع. وفي يوم الخميس اكتملت استعداداتي لمغادرة مدينة الرياض حتى يتسنى لي إعداد المادة الفيلمية المطلوبة يوم الأحد أو الاثنين في مدينة جدة. وبدا أن المدير لم يكن راضيا عن هذه الخطة، ولم أتمكن من تحديد أسباب ذلك حتى جاء يوم الخميس، وفي لحظة واحدة انقلب البرنامج المحدد رأسا على عقب، ففي صباح الخميس الموافق للعشرين من يناير (كانون الثاني) وفي تمام الساعة 5.35 كانت طلقات المدافع تدوي معلنة عن بداية الاحتفال بأعياد رمضان، واستيقظت المدينة، ولما وردتني هذه الأخبار عن طريق عامل الفندق عندما أحضر وجبة الإفطار إلى غرفتي قررت أن أتجه إلى الوزارة فورا، وعندما حاولت الولوج في شارع المطار حيث يقع مكتب الوزارة أوقفت من قبل أفراد الأمن، وعلمت السبب بعد عدة لحظات، حيث كانت هناك مجموعة من أفراد الجيش في مركبة عسكرية تتبعها مجموعة من رجال الأمن على درجات نارية تحرس موكبا من السيارات الفارهة، وهكذا تبين للجميع أسباب هذه الضجة، إنه موكب الملك العائد إلى الرياض.

وبعد مرور نصف ساعة جاءني الإعلان الرسمي من قبل المدير بالوزارة، وفيه أخبرني أن المقابلة مع جلالة الملك قد تتم في أي وقت خلال هذه المدة، وربما تتأخر لمدة أسبوع نظرا للاحتفالات بالعيد.

ومن أجل ملء الفراغ المتوقع أعد المدير برنامجا لزيارة أماكن جديدة لم أتمكن من زيارتها خلال المدة السابقة، منها على سبيل المثال العاصمة القديمة للدولة السعودية (وهي الجزء الداخلي الذي يقع على بعد عشرين ميلا إلى الشمال)، ويعتقد بعض المستشرقين أن بقايا القلعة الخلابة كانت لا تزال تستخدم في القرن الثامن عشر عند وصول محمد بن عبد الوهاب للدرعية، وكانت قيادة السيارة في الواحة بين أشجار النخيل التي قد تمتد لعدة أميال أمرا ممتعا في تلك الأيام الحارة.

كما كانت هناك أماكن أخرى تستحق الزيارة مثل مدرسة التدريب الجديدة لمعلمي التدريب المهني الذين يرسلون إلى جميع أرجاء المملكة لتدريس العلوم الصحية والتجارية لعموم الشعب، ومستشفى الشميسي والكليات والمدارس المختلفة التي استطعت رؤيتها كلها.

وكان من أهم ما رأيته على الإطلاق هو تلك الرقصات الشعبية التي شاهدتها في الملعب الرياضي الكبير على بعد ميلين خارج المدينة؛ فعند وصولي إلى هناك وجدت مجموعات من الراقصين يتدربون على العشب الأخضر، وكان المدرج ممتلئا عن آخره بالمتفرجين، ولكن كان من الواضح أن بعض الراقصين لا يعرفون أصول اللعبة، وربما لم يكن بصحبتهم إلا طبلة واحدة، بيد أن هناك آخرين كانوا على درجة عالية من الحرفية، وقدموا عروضا رائعة استمرت في بعض الأحيان لمدة ساعة كاملة، وتسببت الأصوات الصاخبة في المكان في جذب كثير من الأشخاص للمشاركة حتى أصبح من المستحيل رؤية شيء أكثر من رؤوس الراقصين وأكتافهم من بين هذا الحشد الهائل، وعندما نجحت لاحقا في التحرك إلى الأمام بين الحشود وكنت على بعد بضعة أقدام من الراقصين أصبح التصوير مستحيلا من الناحية العملية، كما كدت أصاب بالصمم من أصوات الفرق الصاخبة، إلا أنني تمكنت في آخر المطاف من رؤية بعض المناظر المميزة للراقصين مثل نوعية ثيابهم وأغطية رؤوسهم المرصعة بالأشكال الذهبية، وكذلك السيوف الجميلة ذات المقابض المرصعة بالمجوهرات.

واستطعت أن ألتقط بعض الصور للرقصات الفردية والجماعية الأقل شعبية، وكان بعض هؤلاء الراقصين يواصلون بحيث يظل الواحد منهم في رقص متواصل لمدة ساعة حتى تخور قواه أو يجبر على الرحيل عندما يزدحم المكان بآخرين ولا يبقى هناك مكان للحركة. وعلى الرغم من أن الرقصات تقتصر على الرجال فقط، فإن المرء لا يشعر بالملل أو الرتابة أثناء مشاهدتها نظرا للتنوع في الأداء، وكانت بعض الرقصات تقتصر على الحركة إلى الأمام تارة والخلف تارة أخرى، وبعضها الآخر كان يتضمن تمايلا بالسيوف التي كان يستبدل بها في بعض الأحيان السكاكين الطويلة أو العصي، كما كانت هناك مهارة فائقة في ما يتعلق بحركات القفز البهلوانية.

وهكذا مر اليومان اللذان قضيناهما في انتظار مقابلة الملك بسرعة، وكانت فرصة جيدة لمزيد من الزيارات، وتمت مقابلة الملك في تمام الساعة الخامسة مساء، ولهذا الغرض قدمت سيارة من الوزارة في الوقت المحدد، وكان على محمد الذي كان يرتدي أفضل غطاء رأس لديه مزخرف باللون الذهبي أن يصطحبنا إلى قصر المدينة، ورفع الحراس بنادقهم عند وصولنا (تحية لنا) إلى الصالة الرئيسة بأعمدتها الرخامية، وطلب منا الانتظار في غرفة الاستقبال التي كانت تضم كراسي فاخرة وطاولة وسجلا للزائرين، بيد أنه لم تكن هناك مطفأة سجائر، وقدم رئيس المراسم لتحيتنا وأخبرنا أن التدخين محظور في جناح الملك، لذلك فإنه حتى لو قدمت السجائر للضيوف فيجب عليهم رفضها، إلا أن هذا الرفض لم يكن ساريا في حال تقديم الشاي أو القهوة، وكثيرا ما ذكرنا بأنه قد سمح بالتدخين خارج المنازل في المحلات والمقاهي منذ سبع سنوات فقط، وأن أكثر الأسر السعودية بما فيها تلك التي تسمح للنساء بالكشف عن وجوههن لا تسمح بالتدخين.

وردا على سؤال لنا عما إذا كانت المقابلة ستتبع النسق الأوروبي أم السعودي، أفاد المسؤول أنها ستتبع النسق الأوروبي، وهو ما يعني أن الأولوية تعطى للنساء عند التعريف، كما يمكن للسيدة أن تجلس في المقعد المجاور للملك.

وفي تمام الساعة الخامسة اصطحبنا إلى غرفة المقابلات، وكان صاحب الجلالة يجلس خلف مكتب، ومن هناك حرك يده تحية لنا، وبعد عبارات الإطراء اللازمة في هذا المقام، دعانا جلالته للجلوس معه في جلسة أخرى مكونة من مقاعد فاخرة. وترجم رئيس المراسم ملحوظات الملك للغة الإنجليزية، وفي البداية أبدى الملك أسفه بخصوص سوء شبكة الطرق، لكنه وعد بأن تكون هناك طرق جيدة في القريب العاجل حيث سينتهي العمل من تشييد أكثر من 6 آلاف ميل من الطرق في غضون 5 سنوات بتكلفة تصل إلى «250» مليون دولار، ولأن تشييد الطرق كان من أهم المصاعب التي تواجهها الدولة فقد خصص النصيب الأوفر من ميزانية الدولة لتشييد الطرق وللخدمات التعليمية.

ففي مجال التعليم، أحرز تقدم كبير، وكان عدد الطلاب في المدارس يزيد بنسبة خمسين في المائة أو أكثر كل عام، وكانت معظم التجهيزات اللازمة متوافرة، ونظرا لارتفاع الرواتب، فقد استقطب أفضل المعلمين وأساتذة الجامعات من جميع أنحاء العالم. وفي ما يخص تشييد الطرق، فلم يتحقق المرجو منها لمواكبة هذا التطور وذلك لقلة المعدات، وقلة الكوادر التي يمكن لها أن تستخدم تلك المعدات بعد استيرادها، وقلة التعاون بين المؤسسات الأجنبية ووزارة المواصلات. ونتيجة لذلك، فإن الجداول الزمنية المحددة لتسليم الأعمال اعتمادا على النماذج الأميركية غالبا ما تكون غير كافية لإتمامها.

عقب ذلك، تحول الحوار إلى الخيول التي تؤول إلى جلالة الملك، التي سمح للأميرة بركوب أحدها، وهذا تسبب في حساسية بين زوجات رجال الأعمال الأميركيين والأوروبيين، ثم تطرقنا للحديث عن فيينا التي كان الملك فيصل يعرفها جيدا، كما كان الحديث مناسبة لتأكيد رسوخ العلاقات بين بلدينا، وفي نهاية المقابلة تحول النقاش إلى قضية الطلاب السعوديين في أوروبا وأميركا، وأبدى الملك فيصل رغبته في أن يأتي اليوم الذي يأتي فيه طلاب فينيا للدراسة في الجامعات السعودية، وخلال حديثنا الذي استغرق عشرين دقيقة اختفت التعبيرات الحادة التي كان يتميز بها وجه الملك فيصل، وتحدث بارتياح وبشكل أبوي عن خططه للتعليم العالي، وبعد مرور نحو عشرين دقيقة نهضت الأميرة، ولم يكن قد حدد لنا أحد في القصر طول المدة الزمنية للمقابلة، وكل ما علمناه من قبل أن الضيف عليه أن يحدد الموعد الذي يرغب خلاله في الانصراف. «وقبل الانصراف سمح لي جلالة الملك باستخدام كاميرتي في التقاط بعض الصور»، وبعد نصف ساعة تقريبا عدنا إلى فندق «صحارى» حيث أقلتنا السيارة الأميركية الفارهة بهدوء عبر شارع المطار، ولم يقطع هذا الهدوء إلا نفير السيارة المرتفع والمستمر الذي كان يطلقه السائق، وكأنه يثبت أن الشرق لا يزال حيا على الرغم من التقدم الفني وإشارات المرور والطائرات.

وخلال هذه الرحلة تعلمت الكثير عن الحياة في المملكة العربية السعودية وذلك عن طريق اثنين من الأطباء النمساويين قضى أحدهما ست سنوات والآخر ثماني سنوات في العاصمة في مستشفى الشميسي، وهو أحدث مستشفيات الرياض، وكان يضم نحو 600 سرير، ويحتوي على أحدث التقنيات في علم الجراحة، كما خصص أحد طوابقه الأربعة للعائلة الملكية فقط، وكان الدكتور ستاتمان قد وظف بوساطة الملك «ابن سعود» نفسه خلال إحدى زياراته لفيينا، وكان مسؤولا عن قسم الباطنية بمستشفى الشميسي على مدار 8 سنوات، أما الدكتورة ريدل وهي أيضا من الجنسية النمساوية فقد التحقت بالعمل بعد الدكتور ستاتمان بعامين، وكانت متخصصة في علاج الأطفال والنساء من منسوبي الدوائر الحكومية. وكان كل منهما لديه كثير من القصص أثناء إقامته في الرياض.

وكان هناك موظف كبير نمساوي الجنسية يعمل لدى وزارة المواصلات لم أتمكن من رؤيته لكونه في إجازة خلال شهر رمضان، وكذلك لم أتمكن من رؤية أحد الأطباء العاملين لدى هيئة اليونيسكو، الذي كانت مهامه في العمل تقتصر على إيجاد الشباب المناسب للحصول على التدريب المهني، وعلمت أنه لم يحرز تقدما ملحوظا خلال السنة الماضية.

وبعد أسبوع من مقابلة الملك فيصل استدعيت للوزارة، وأخبرني المدير أن رحلتنا إلى جدة قد ووفق عليها، وأنه ستكون بصحبتنا سيارة نقل تابعة للحكومة تتولى مساعدتنا وتنقل سيارتنا «الهفلنجر» عند الوصول إلى المنطقة الجبلية في الطائف عبر مدينة مكة المكرمة إلى مدينة جدة، أما نحن فيجب علينا مواصلة رحلتنا بالطائرة من مدينة الطائف إلى مدينة جدة، حيث كان هناك ثلاث رحلات يوميا، وتستغرق الرحلة بالطائرة لقطع المسافة ما بين الطائف وجدة - وطولها نحو سبعين ميلا - نصف ساعة تقريبا، وتقرر أن نبدأ السير في صباح اليوم التالي.

وفي آخر أيام إقامتنا في الرياض حدث شيء عكر صفو هذا اليوم: فبينما ذهبت الأميرة في سيارتنا «الهفلنجر» إلى إسطبلات الملك لممارسة هوايتها للمرة الأخيرة، طلبت من محمد أن يأخذني إلى مكتب المدير بالوزارة من أجل تقديم الشكر والامتنان له على كرم الضيافة والتعاون الذي لقيناه من قبل الوزارة، وعندما جئت للمكتب وأردت التحدث إليه قاطعني فؤاد بسؤاله قائلا:

- أين الأميرة؟

ومن دون تفكير أجبت:

- في إسطبلات جلالة الملك.

وسألني المدير: وكيف ذهبت إلى هناك؟

- استقلت سيارتنا.

وعند الإجابة لم أكن أتوقع أي رد فعل سلبي، كما علمنا من ضابط الشرطة على الحدود بأن الأميرة يجب أن تتفادى القيادة داخل المدن، وكانت إسطبلات الملك على بعد خمسة أميال من المدينة، كما يعد الفندق آخر المباني على أطراف المدينة ويقع على الطريق المغادر للمدينة، لذلك لم أكن قلقا بهذا الخصوص، بينما تبدل الحال وأصبحت في غاية القلق من تلك التطورات، وقفز السيد فؤاد من على كرسيه واتجه إلي صارخا:

- ألم أقل لك ألا تدع الأميرة تجلس على كرسي القيادة؟ أنت المسؤول عن هذا الأمر، وعليك أن تتحمل العواقب، وليس لك عذر في هذا الأمر، وليست هناك أي استثناءات تجاه هذا القانون إلا بأمر من جلالة الملك، ومن المؤكد أنه لن يأمر بذلك.

ثم أخذ ساعته الكبيرة البيضاء واتجه مسرعا إلى سيارته وتركني بمفردي مع موظفيه. وتوجهت إلى الفندق أنتظر ما ستؤول إليه الأمور، ولا أدري ما يمكنني القيام به، ولكن كان من الواجب علي أن لا أدع القلق يسيطر على تفكيري. وفي مساء ذلك اليوم رأيت السيد فؤاد في سيارته «الجاغوار» متجها إلى الفندق، ثم أعقبته الأميرة في سيارة «الهفلنجر» وكانت مبتهجة وتعلوها ابتسامة كبيرة، لذلك أيقنت أن العقاب لن يكون قاسيا. وتحدد موعد مغادرتنا في تمام الساعة الثامنة من صباح اليوم التالي، وعند وصول سيارة النقل الحكومية عند الساعة التاسعة كان ذلك بمثابة المؤشر على انفراج الأزمة، وكان من المتوقع أن نصل إلى مدينة جدة خلال أقل من خمسة أيام.

كانت المسافة من المطار إلى الفندق قصيرة نحو ميل، قطعناها بالسيارة إلى فندق «الحرمين» الجديد في جدة، وبمجرد وصولنا لاحظنا أن الفرق لا يكمن في المناخ ودرجة الحرارة فحسب، ولكن في الجو العام كله، ففي مدينة الرياض كان كل شيء يبدو جديا، وكان الجو دافئا في النهار فقط أما في المساء فكان باردا جدا، وفي الطائف كان الجو أكثر برودة وذلك لأنها ترتفع عن مستوى سطح البحر بمقدار 4000 قدم، أما في مدينة جدة فقد كان الجو حارا حتى المساء، وكان المكان كله مفعما بعبق ونسيم الشرق.

لقد ظلت منطقتا البحر الأحمر وداخل منطقة نجد مختلفتين إلى حد ما عن بقية أجزاء المملكة العربية السعودية، واستمرتا على هذا النحو على مدار أكثر من ألف عام باستثناء مدة قصيرة في القرن الثامن عشر عندما وقعت العاصمة في يد القوات المصرية المرسلة من قبل العثمانيين، ثم دخلها الملك عبد العزيز وجعلها جزءا من المملكة العربية السعودية، وحدث أن رأيت مدينة جدة في أحد أسفاري منذ ست سنوات من سفينة شحن بريطانية، ولم يسمح لنا بالدخول في ذاك الوقت نظرا لانتشار وباء الكوليرا هناك، ولو سمح لنا في حينها لما تمكنت من معرفتها الآن، وكانت مدينة جدة الجديدة تمتد في كل الاتجاهات ويقطنها 300 ألف إلى 400 ألف نسمة.

وكما هي الحال في مدينة الرياض، فقد كانت المباني الحكومية الجديدة والمدارس والمكاتب والمستشفيات تنتشر بسرعة فائقة، وفي كل عام كانت تشق طرق جديدة في الأحياء التركية القديمة من المدينة، وشيدت ناطحات سحاب بارتفاع عشرة طوابق كانت تلقي بظلالها على المساجد بمناراتها المختلفة الأطوال.

بيد أن التأثير التركي كان لا يزال واضحا، حيث إن بعض المباني ذات الطراز التركي لا تزال قائمة لتضفي على هذه المدينة سحرا بمشربياتها الخشبية ذات الألوان الزرقاء والحمراء والخضراء التي لا يتسنى للمرء أن يرى ما بداخلها، والهدف من ذلك هو تمكين النساء من رؤية ما يدور في الشارع من دون أن يراهن أحد.

وكان لدي مزيد من الوقت لزيارة الأماكن القديمة والجديدة بالمدينة، وتصويرها. وفي لقاء لنا في وزارة الإعلام، وجدنا أن مدير عام المديرية السيد فرج الذي ندين له بكثير من الفضل قد وضع برنامجا لنا يمتد لأسبوع، وهو مجمل المدة التي سنقضيها في مدينة جدة، وفي اليوم التالي وعقب زيارة وكالات الشحن علمت أنه لا توجد أي سفينة ستبحر إلى أدينور، وجهتنا المقبلة خلال أسبوعين أو ثلاثة، أما القارب الذي يقل الركاب فلا يبحر إلا كل ستة أسابيع، ومع ذلك فلم أعر هذا الأمر اهتماما كبيرا، فلم نكن نزلاء في ضيافة وزارة الإعلام السعودية، وكان الفندق الذي نقيم فيه يفوق الفندق الذي أقمنا فيه في مدينة الرياض جمالا وكثرة في الخدمات، وكانت هناك أماكن جيدة تحيط بنا يمكن قضاء أوقات ممتعة فيها. كما كان هناك مطعم مفتوح في أعلى الفندق، يظل مفتوحا حتى منتصف الليل، ويحتوي على جهازي تلفاز كبيرين، وكان يقيم في الفندق عدد من الموظفين الأميركيين العاملين في الخطوط الجوية السعودية، وكانوا يلعبون «البريدج» في أوقات الظهيرة وعند المساء كل يوم، كما كانت هناك سينما مخصصة لهم ولضيوفهم في صالة فندق «جراند»، كما تعرفنا إلى بعض المهندسين النمساويين الذين فرغوا منذ مدة وجيزة من تشييد مبنى لمحطة الإذاعة على بعد نحو عشرة أميال خارج المدينة، وكان هناك كثير من البريطانيين يعملون لدى شركات ومكاتب متعددة في مدينة جدة. وبشكل أو بآخر، فقد كان لدينا كثير من النشاطات الاجتماعية خلال مدة إقامتنا.

وكانت أفضل محطات البرنامج المخصص لنا هي زيارة استوديو التلفزيون الجديد، وهو مبنى حديث من طابق واحد يلي مبنى وزارة الإعلام المكون من 15 طابقا.

وكان من بين الموظفين خبراء من الغرب والشرق، وكانت الوظائف الرئيسة مخصصة للسعوديين، ويخضع لإدارتهم موظفون كنديون وتشيكوسلوفاكيون ومجريون ولبنانيون وآخرون، وكان المدير فخورا جدا بالفيلم الوثائقي الذي أعد مؤخرا عن التطور في المملكة العربية السعودية، حيث عمل على إعداد هذا البرنامج فريق عمل من البريطانيين والسعوديين على مدار ثلاث سنوات جمع خلالها مواد كثيرة ومتميزة عن الفلكلور والعادات والتقاليد والرقصات الشعبية، وتمثل الصور الملونة للكعبة وجموع الحجيج حولها منظرا رائعا لا يمكن نسيانه لغير المسلمين. وفي اليوم نفسه الذي زرت فيه الاستوديو زرت المدرسة الجديدة التي كانت قيد التشييد منذ عامين، ويدرس فيها 600 طالب ثلثهم يقيم في سكن الطلاب بالمدرسة. وبالإضافة إلى الفصول الدراسية زرت مختبر الكيمياء وفناء المدرسة وساحة الألعاب والمكاتب الإدارية، وقضينا معظم وقت الزيارة في المكاتب، حيث اطلعت على كثير من الإحصاءات التي تشير إلى مدى التقدم الذي أحرز في المجال التعليمي الذي أنفقت مبالغ طائلة من أجل تحقيقه، ولقد بلغت نفقات وزارة التعليم نحو 400 مليون ريال، وبذلك حصلت على نسبة 12% من دخل الدولة، وهي أعلى نسبة من بين الوزارات في ميزانية الدولة لعام 1965م البالغة خمسة مليارات ريال، تلتها وزارة المواصلات في المرتبة الثانية، تعقبها وزارة الدفاع، والوزارات المدنية الأخرى في المرتبة الثالثة، وخلال السنوات الست الماضية كان عدد المدارس والطلاب يتضاعف كل عام تقريبا، ففي عام 1960م كان هناك 15 مدرسة وكان عدد الطلاب 5500، وفي عام 1965م قفز عدد المدارس إلى 2859 مدرسة وعدد الطلاب إلى 328000 طالب.

وفي ما يتعلق بتعليم البنات، فقد كان الأمر أكثر إشراقا، ففي عام 1962م عندما بدأ التركيز على إحراز تقدم في تعليم البنات، كان إجمالي عدد المدارس في الدولة كلها لا يتعدى الست مدارس تضم نحو 250 طالبة، وكان من الصعب إقناع الآباء المحافظين بأن يرسلوا بناتهم إلى المدارس الحديثة، لكن الوعي بدأ ينمو رويدا رويدا، وفي عام 1964م قفز عدد المؤسسات التعليمية الخاصة بالبنات إلى 180 مؤسسة تعليمية تضم أكثر من 400000 طالبة.

وكانت جامعة الرياض بكلياتها الأربع وأساتذتها المائة والثمانين وطلابها الألف وثلاث مائة تعد أهم مؤسسة تعليمية في المملكة، وفيها كان التعليم متطورا ويؤمن قدرا جيدا من العلم والمعرفة للطلاب الجادين الراغبين في العلم والتعلم.

وخلال مدة إقامتي في مدينة الرياض لم يتسن لي زيارة الجامعة، ولم يتسن لي إلا رؤيتها من الخارج، وذلك لأننا كنا في شهر رمضان الذي يخصص عادة للإجازات. ولقد علمت الكثير عن التطور السريع في مجال التعليم العالي، فبالإضافة إلى جامعة الرياض كانت هناك جامعة البترول والمعادن في الظهران والجامعة الإسلامية ودار التوحيد بمكة المكرمة (الصحيح أنها) في الطائف وكثير من المدارس التجارية ومراكز التدريب التي تعمل تحت إشراف الحكومة السعودية، وكان التعليم في هذه المؤسسات مجانيا، وكان كثير من المعلمين والأساتذة من الوافدين وغالبيتهم من الجنسيات العربية كمصر واللاجئين الفلسطينيين والأردنيين والسوريين بواقع تسعين في المائة على الأقل. أما في الجامعات فكان معظم أعضاء هيئة التدريس العلميين من الجنسيات الأميركية والبريطانية والفرنسية والكندية. ولم تكن المميزات تقتصر على مجانية التعليم والأجور العالية للمعلمين فحسب، بل كانت هناك خدمات النقل المجاني، حيث كان بعض الطلاب يقطنون خارج المدن، لذلك يتم نقلهم للمدارس يوميا عن طريق حافلات مخصصة لذلك، وكانت هناك ثلاث أو أربع حافلات كبيرة حمراء اللون تتحرك من المدرسة عندما كنت أهم بمغادرة المبنى، وبالإضافة إلى هذه الملايين من الريالات التي أنفقت في التعليم المجاني على نحو يفوق ما تنفقه أي دولة أوروبية يبلغ عدد سكانها عشرة أضعاف سكان المملكة العربية السعودية، كانت هناك خدمات صحية مجانية للأجانب والمواطنين على حد سواء.