العائلات التونسية تتوافد على المناطق الساحلية هربا من حر المدن

المنافسة تشعل الأسعار وتفرض منتجعات جديدة

الصيف لدى التونسيين هو فصل البحر.. لذا تتوجه العائلات إلى المناطق الساحلية لقضاء فصل الصيف («الشرق الأوسط»)
TT

يجد مفهوم التصييف لدى العائلة التونسية صداه إلى حد الآن وهو المتأصل في تقاليدها منذ قرون، حيث كانت العائلات المرفهة وأعيان البلاد يفرون من «جحيم» مباني العاصمة التونسية والمدن الكبرى في اتجاه الشواطئ الممتدة على طول يتجاوز 1300 كلم من طبرقة شمالا إلى جرجيس جنوبا. وغالبا ما تكون لتلك العائلات منازل على واجهة البحر يقضون فيها الأشهر الصيفية قبل العودة إلى المدينة واستئناف النشاط. هذه العادة ما زالت متوارثة لدى العائلات التونسية بمختلف فئاتها حيث إن الصيف هو فصل البحر بامتياز حيث لا يمكن للعائلة التونسية أن تتغافل عن هذه العادة السنوية. إلا أن التطور الحاصل على مستوى العائلة التونسية طور علاقتها بالبحر وأصبحت المناطق السياحية الكبرى المعروفة مقصد جل العائلات التي تتنافس فيما بينها للعثور على شقة مفروشة أو مسكن مجهز بالقليل والضروري من التجهيزات أو كذلك الإقامة في بعض المنازل الخاصة سواء مقابل أجرة يومية أو أسبوعية تماشيا مع ما توفره العائلة من مدخرات لهذه المناسبة الأرفع ميزانية طوال السنة.

وتقصد العائلات التونسية مناطق بنزرت ونابل والحمامات وسوسة والمنستير وجربة وطبرقة وهي مناطق سياحية معروفة في تونس إلا أن الضغط الحاصل على تلك المناطق والمنافسة المفتوحة مع التونسيين العائدين من المهجر والسياح القادمين من ليبيا والجزائر جعلت العائلات التونسية المعتمدة بالخصوص على مرتبات الموظفين منها تغير البوصلة وتتجه نحو بعض المناطق السياحية المكتشفة حديثا على غرار رفراف (بنزرت) والمعمورة (نابل) وغار الملح (بنزرت) وقرقنة (صفاقس) وقليبية (نابل)، إلا أن تلك المناطق عرفت خلال هذا الموسم ضغوطات إضافية بالنظر لاقتراب شهر الصيام وهو ما استوجب من العائلة أن تختصر الفترة الصيفية.

وتختلف بورصة الكراء خلال هذا الفصل من منطقة سياحية إلى أخرى إلا أنها عرفت ارتفاعا مهولا خلال هذه الصائفة حيث إن قضاء يوم واحد في منزل مؤثث يكلف العائلة بين 30 و50 دينارا تونسيا على الأقل وهذا بالنسبة للمناطق السياحية غير المعروفة أي من الدرجة الثانية. (ما بين 20 و34 دولارا أميركيا) أي إن الشهر الواحد لا تقل تكلفته عما يتراوح بين 900 و1500 دينار تونسي (بين 600 و1000 دولار أميركي).. وترتفع هذه الأسعار من جديد في المناطق السياحية المعروفة على غرار الحمامات ومرسى القنطاوي (سوسة) فبالإمكان الحصول على شقة مؤثثة بالحمامات مقابل ما بين 60 و80 دينارا تونسيا لليوم الواحد (من 40 إلى 55 دولارا أميركيا) إلا أنها تكون بعيدة عن البحر، ونفس الأسعار تقريبا تطبق في نابل وبنزرت والمهدية والمنستير. وفي مدينة قليبية (نابل) على سبيل المثال بالإمكان الحصول على مسكن مؤثث بنحو 800 دينار تونسي. أما في مدينة رفراف فإن كراء منزل لمدة شهر لا تقل كلفته عن 1500 دينار في مشهد يجمع بين البحر والجبل. وإذا صادف واقتربت من المنطقة السياحية المعروفة في سوسة باسم مرسى القنطاوي، فإنك ستكتشف أسعارا مذهلة فالأسبوع الواحد في أحد مجمعاتها السياحية أو المساكن المحاذية للبحر، لا يقل عن 1500 دينار تونسي وبعملية حسابية بسيطة تكون تكلفة الإقامة لمدة شهر في حدود 6000 دينار تونسي (نحو 4000 دولار أميركي). وشهدت الأسعار ارتفاعا ملحوظا بسبب المنافسة الكبرى على تلك المنازل القريبة من البحر كما أن ارتفاع مستوى المعيشة بين الفئات التونسية إلى جانب التسهيلات البنكية في الحصول على القروض جعلت المنافسة أكثر حدة. كما يلعب السماسرة والوسطاء أدوارا مهمة في ارتفاع تلك الأسعار فالسمسار غالبا ما يحصل على نسبة تتراوح بين 10 و15 في المائة من الكراء مقابل الخدمات التي يقدمها لصاحب المسكن. إلا أن بعض أصحاب تلك المساكن يحاولون تجاوز عقبة السمسار فيتوجهون إلى الصحف والمجلات المتخصصة للإعلان على صفحاتها على مساكنهم. ودأبت بعض العائلات متوسطة الدخل على ترك منازلها خلال الفترة الصيفية والتنقل إلى مساكن أقل تكلفة وبعيدة عن البحر وتسويغ تلك المساكن للراغبين في الاصطياف خلال شهري يوليو (تموز) وأغسطس (آب) من كل سنة وانتهاز الفرصة للحصول على مبالغ مالية تعتبر قياسية ومن ثم الرجوع إلى مساكنها الأصلية بمرور شهري الصيف المذكورين.

عن هذه الظاهرة الاجتماعية الصيفية يقول كمال البرهومي (صاحب مسكن بمدينة بنزرت) «اضطررت في سنوات سابقة لاكتراء مسكن بعيد قرابة 20 كلم عن المدينة ومكنت عائلة مهاجرة من مسكني القريب من البحر مقابل 1200 دينار تونسي (نحو 800 دولار أميركي) للشهر الواحد وذلك لحاجتي الأكيدة لبعض المداخيل المادية..».

وقال الحبيب بن حسين (أحد المصطافين) إنه يفضل الذهاب إلى الشاطئ يوميا عبر وسيلة نقل خاصة أو عمومية عوض الإقامة بالمساكن المطلة على البحر، وهو يتخير طوال الصيف قائمة من الشواطئ الجميلة ولا يحاول البحث عن الكراء لمعرفته المسبقة بأن الأسعار غالبا ما تكون في غير متناوله.