الملك المؤسس يتبرع بـ 100 جنيه ذهب لمدرسة الفلاح بعد استعادته مكة المكرمة بعام

في كتاب حديث يرصد تطور نظام التعليم بكونه يشغل منزلة خاصة في سياسته

مبنى وزارة المعارف التي تحولت إلى وزارة التربية والتعليم وكان إنشاؤها أهم حدث في تاريخ التعليم («الشرق الأوسط»)
TT

كشف كتاب صدر حديثا في الرياض وتناول تطور نظام التعليم في السعودية خلال الفترة من عام 1918 إلى عام 1995م أن القطاع شهد قفزة نوعية ارتبطت بالملك عبد العزيز موحد البلاد ومؤسس دولتها الذي أعلن الحرب على ثالوث الفقر والجهل والمرض، بل إن التعليم شغل منزلة خاصة في سياسته.

وأوضح الدكتور محمد بن سليمان المنصور العيسى، مؤلف الكتاب الذي شغل منصب وكيل وزارة التربية والتعليم المساعد للشؤون المدرسية قبل سنوات، أن الملك المؤسس لم يبخل أبدا بالإنفاق على التعليم وإن كانت موارده المالية محدودة.. موردا مثالا يثبت دعم الملك التعليم عندما قدم إلى المدينة المقدسة مكة المكرمة عام 1925م حيث لم يمض على استعادتها من قبل قواته غير سنة واحدة، حيث قام بزيارة مدرستي الفلاح والفخرية المشهورتين، وتبرع للأولى بـ100 جنيه ذهب و6 ذبائح و6 أكياس أرز، وتبرع للثانية بـ50 جنيه ذهب و6 ذبائح و4 أكياس أرز، وهذا الإجراء يؤكد اهتمام الملك بالتعليم في فترة كانت تعيش فيها الدولة أصعب ظروفها السياسية والمالية، وفي الوقت نفسه أوفد الملك المؤسس اثنين من مستشاريه لتفقد كُتابين كبيرين في مكة المكرمة لمعرفة احتياجاتهما وتقديم المساعدة المطلوبة لهما. وقد تلقت 7 كتاتيب مكية معونات مادية سخية قدرها جنيهان من الذهب لكل منها تقديرا لأفضالها وتشجيعا لها.

وعد الدكتور العيسى يوم 16 مارس (آذار) من عام 1926م أهم حدث في تاريخ التعليم الوطني عندما تم تأسيس مديرية المعارف وهو ما فتح صفحة جديدة في تاريخ التعليم في الدولة الناشئة ووضع حجر الأساس لنظام التعليم الحديث فيها حيث أسندت مهمة الإشراف على كل المدارس الموجودة في الحجاز إلى مديرية المعارف، واعتبرت قضايا التربية والتعليم من بين أهم القضايا الوطنية في التعليمات الأساسية للمملكة الحجازية التي أقرت عام 1926م وتضمنت أحد موادها تعهدا بإقرار نظام عاجل يخص التربية والتعليم تطبق بنوده تطبيقا تدريجيا وبعد سنتين من ذلك وافقت مديرية المعارف على أول وثيقة هامة في تاريخها وهي نظام المدارس، ووافق عليها مجلس الشورى، وتضمنت الوثيقة 7 أقسام و88 مادة يتناول نصفها حقوق مدير المدرسة ونائبه وواجباتها، بالإضافة إلى بنود خاصة بالمدرسين والطلبة ونظام العقوبات والامتحانات والقواعد العامة، وحددت أيضا شروط القبول في المدارس ومدة التعليم، حيث خصصت 3 سنوات للمرحلة التحضيرية و4 سنوات للمرحلة الابتدائية، ثم حدد النظام عدد الساعات الدراسية وعدد الدقائق فيها حسب اختلاف المراحل والسنوات.

وبناء على هذا النظام الجديد بدأت مديرية المعارف فتح المدارس خارج الحجاز، حيث فتحت سنة 1937م المدارس الابتدائية في الدمام وفي القصيم، كما فتحت مديرية المعارف، برئاسة حافظ وهبة، أول مدرسة ثانوية وأصلحت المدارس الحكومية وأدخلت على المناهج عددا من المواد الدراسية الحديثة، كما أوفدت عام 1926م عدة بعثات إلى مصر للدراسة، وقد أثارت هذه الخطوات انتقادات شديدة لدى عدد من العلماء الذين أعربوا عن عدم رضاهم عن عمل الشيخ حافظ وهبة الذي كان يعمل مستشارا للملك المؤسس، لكن الملك أيد برنامج وهبة واعتبره عاملا هاما يساعد على تطوير البلاد، ثم جاء المعهد العلمي في مكة المكرمة عام 1927م كأول مؤسسة تعليمية حكومية تعادل الثانوية ونجح المعهد في إعداد كفاءات وعناصر وظيفية من المعلمين والموظفين، وفتح المعهد بعد 5 سنوات فروعا له في المدينة المنورة ثم الرياض حيث لم يكن فيها من المؤسسات التعليمية المتخصصة سوى مدرسة الأمراء التي تأسست عام 1936م، وبعد توحيد أجزاء البلاد عام 1932م أصبحت مديرية المعارف تشرف على التعليم في جميع أنحاء البلاد ودخل نظام التعليم في السعودية مرحلة جديدة عندما أقر الملك المؤسس أول تشكيل وزاري قبل وفاته بشهر بإنشاء 8 وزارات إحداها للمعارف التي تأسست عام 1954م وأصبح الأمير فهد بن عبد العزيز أول وزير لها ومعها انطلق التعليم إلى آفاق أرحب حيث أشرف على وضع البرنامج الطويل لتنمية القطاع، أما تعليم البنات فقد كان إلى مطلع الستينات محدودا وغير نظامي من خلال الكتاتيب النسائية، لكن الملك سعود أصدر مرسوما ملكيا بتأسيس الرئاسة العامة لتعليم البنات عام 1960م مما يعد نقطة انعطاف في تاريخ تعليم البنات وبدأ بـ15 مدرسة مجموع طالباتها 5180 كما توسع التعليم الأهلي جنبا إلى جنب مع التعليم الحكومي.

وغطى الكتاب تطور نظام التربية والتعليم في إطار الخطط الخمسية للتنمية الاقتصادية موردا عدد المدارس الابتدائية الحكومية التي بدأت عام 1925م بـ4 مدارس وأصبحت بعد أكثر من 6 عقود 4806 مدارس.

وتناول الكتاب إشكالية التحول إلى نظم التعليم الشامل وزيادة الكفاءة في نظام التعليم والتطور الذي طرأ على التعليم الفني والمواد والمناهج الدراسية وعدد المعلمين، كما عرج على نظام التعليم وعلاقته بالتنمية الاجتماعية في البلاد.