الحصار الإسرائيلي يؤثر على جميع مناحي الحياة في القطاع

غزة في حاجة إلى «خطة مارشال» اقتصادية

قطاع الصيد تأثر كثيرا بالحصار والإجراءات العسكرية الإسرائيلية التي تحد من هامش الحرية المتاح للمئات من الصيادين (رويترز)
TT

لم تكن سعادة محمد أبو العيد (48 عاما) الغامرة بتفوق نجله البكر خليل وحصوله على معدل يفوق التسعين بالمائة في امتحان الثانوية العامة، ترجع فقط إلى ذلك الشعور الذي يخالط الإنسان عندما يتفوق أحد أبنائه، بل أيضا لأن النتيجة التي حصل عليها خليل ستسمح له بأن تواصل أسرته حياتها من دون هزات في وضعها الاقتصادي. فمنزل هذه العائلة التي تقطن في منطقة جباليا، شمال قطاع غزة، دمر خلال الحرب التي شنتها إسرائيل على غزة أواخر عام 2008، مما اضطرها منذ ذلك الحين إلى العيش في شقة مستأجرة. ويقول محمد: «لو أن خليل حصل على معدل يقل عن التسعين في المائة لكنا في مشكلة كبيرة، لأنه حينها سأكون مطالبا بدفع رسومه الجامعية، لكنه بعد أن حصل على هذا المعدل فإنه سيتم إعفاؤه بشكل تلقائي من دفع الرسوم، مما سيمكننا من دفع قيمة استئجار الشقة من دون مشكلات». ما تعانيه هذه الأسرة تعانيه آلاف الأسر الفلسطينية التي دمرت منازلها خلال الحرب، التي ظل معظمها بلا مأوى، ولا يوجد لهذه الأسر عزاء في السياسة الجديدة التي أعلنتها إسرائيل في أعقاب أحداث أسطول الحرية، حيث إن إسرائيل تصر على منع إدخال مواد البناء، وخاصة الأسمنت والحديد، بزعم أنها تستخدم في إقامة التحصينات العسكرية، وبالتالي فإنه في حالة ما لم يحدث تغيير شامل في الموقف الإسرائيلي فإن هذه العائلات ستظل تعاني العيش بلا مأوى. وحسبما يقول الدكتور يوسف منسي، وزير الإنشاءات في حكومة غزة، فإن القطاع يحتاج إلى بناء 63 ألف وحدة سكنية كحد أدنى لتغطية النقص في عدد الشقق السكنية الذي نجم عن التدمير الهائل في المنازل. لكن آثار الحصار تؤثر في كل مناحي الحياة بالقطاع، حتى بعد الحديث الإسرائيلي عن تخفيف الحصار، حيث إن الكثير من المصانع والمرافق الاقتصادية متوقفة، أو تعمل على نطاق ضيق، لأن إسرائيل لا تزال تمنع دخول المواد الخام. فمن أصل 3900 مصنع كانت تعمل قبل فرض الحصار، فإن بضع عشرات تعمل فقط حاليا، لأنها لا تتمكن من الحصول على المواد الخام. وقال جمال الخضري، رئيس اللجنة الشعبية لمواجهة الحصار، لـ«الشرق الأوسط»: إن قائمة المواد التي أعلنت إسرائيل أنها سترفض دخولها لقطاع غزة بزعم أنها «مزدوجة الاستخدام»، مطاطة وفضفاضة، حيث إن هناك الكثير من البضائع يمكن أن تدخل ضمن هذه القائمة، حيث إن الاحتلال هو صاحب الحق في الحكم على أن هذه البضاعة مزدوجة أو غير مزدوجة. ونوه الخضري إلى أن إسرائيل لا تسمح حتى الآن إلا بإدخال سوى من 100 إلى 130 شاحنة يوميا، الأمر الذي لا يكفي لسد حاجة السوق بشكل طبيعي، منوها إلى أنه قبل فرض الحصار كانت إسرائيل تسمح بدخول أكثر من 600 شاحنة. وتأثر قطاع الصيد كثيرا بالحصار والإجراءات العسكرية الإسرائيلية التي تحد من هامش الحرية المتاح للمئات من الصيادين. فبعد أن كان 20 شخصا يعملون لدى جمال بصلة، فإنه لم يعد لديه سوى خمسة، وبعد أن كان عمله يدر دخلا يصل إلى خمسة آلاف دولار في الشهر، فإنه لم يعد قادرا على توفير الرسوم الجامعية لنجله، وأصبح يعيش على المساعدات التي تقدمها الهيئات والجمعيات الخيرية.

من ناحيته اعتبر حامد جاد، الخبير الاقتصادي الفلسطيني، أن السياسة الإسرائيلية الجديدة تعمل بشكل خاص على تكريس ارتباط الاقتصاد الفلسطيني بالاقتصاد الإسرائيلي، لأنها تشمل فقط السماح بدخول المواد ذات الطابع الاستهلاكي، وليس المواد ذات الطابع الاستراتيجي التي يمكن أن تؤدي إلى إدارة عجلة الاقتصاد الفلسطيني بشكل يقلص من معدلات الفقر والبطالة. وفي تصريحات لـ«الشرق الأوسط» قال جاد إن الإسرائيليين لم يسمحوا بإدخال مواد البناء والمواد الخام التي تستخدم في الصناعات، فضلا عن الماكينات، ومستلزمات الصناعة والزراعة، وهذا يعني أنه لن يتم استئناف عملية التنمية.

وقد أدى تدني الأنشطة في المرافق الاقتصادية إلى ارتفاع معدلات البطالة التي تصل حاليا إلى نحو40 في المائة، مقارنة مع 30 في المائة عام 2007، حسب بيانات البنك الدولي. وتقول وكالة غوث وتشغيل اللاجئين الفلسطينيين (أونروا) التابعة للأمم المتحدة: إن 80 في المائة من السكان يعتمدون حاليا على المساعدات الغذائية. وتأثرت الأوضاع الصحية للفلسطينيين بالأوضاع الاقتصادية. حيث دللت نتائج دراسة علمية على أن 52 في المائة من الأطفال في قطاع غزة مصابون بفقر الدم والأنيميا، بالإضافة إلى وجود نقص حاد لديهم في الكثير من العناصر المهمة. وأشارت الدراسة التي أعدتها جمعية الإغاثة الطبية الفلسطينية إلى أن أطفال غزة يعانون من نقص في عناصر الفسفور، والكالسيوم، والزنك، إضافة إلى انتشار أمراض الالتهاب التنفسي. وأشارت الدراسة إلى أن تدهور الأوضاع الاقتصادية بشكل غير مسبوق في أوساط أولياء الأمور أدى إلى انتشار العمالة بين الأطفال، فيما تدهورت أوضاعهم الصحية والنفسية.

ويرى الخبير الاقتصادي الفلسطيني عمر شعبان أن غزة تحتاج لـ«خطة مارشال»، في إشارة لخطة المعونة الأميركية التي ساعدت الاقتصاد الأوروبي على أن يبدأ من جديد بعد الحرب العالمية الثانية.