مسجد نيويورك يدخل الحملة الانتخابية

تأييد أوباما صار مشكلة قبل انتخابات الكونغرس

TT

في تطور ينذر بمشكلات للرئيس باراك أوباما وللحزب الديمقراطي، قال أمس السيناتور جون كورنين (جمهوري من ولاية تكساس) إن مشروع مسجد نيويورك سيكون قضية رئيسية في انتخابات الكونغرس في نوفمبر (تشرين الثاني).

وقال كورنين، في مقابلة مع تلفزيون «فوكس»، وهو رئيس لجنة أعضاء الكونغرس من الحزب الجمهوري، إن تصريحات أوباما المؤيدة لبناء المسجد تبرهن على أنه غير ملتصق بالشعب الأميركي. وقال السيناتور: «سيصدر الأميركيون حكمهم» في هذا الموضوع. وأضاف أن مشروع المسجد «محلي»، ويجب أن تقرر فيه السلطات المحلية في نيويورك، حسب قوانينها. لكن أوباما، حسب قوله، «تدخل في الموضوع بصورة لا تليق ولا تفيد». وأول من أمس في حفل إفطار سنوي في البيت الأبيض، أيد أوباما بناء مسجد بالقرب من مكان مبنى التجارة العالمي الذي دمره هجوم 11 سبتمبر سنة2001. لكن، يوم السبت، خلال زيارته لسواحل الولايات الجنوبية ليشجع السياحة بعد إغلاق بئر النفط في خليج المكسيك، قال إنه لم يؤيد بناء المسجد، لكنه أيد حرية الأديان. وقال إن حرية الأديان «تسمح» ببناء المسجد، لكن لا يعني هذا «حكمة» بناء المسجد بالقرب من مكان مركز التجارة العالمي، الذي يسميه الأميركيون «غراوند زيرو» (تحت مكان مهم، مثل تحت مكان انفجار قنبلة نووية). وأمس، قال بيل بيرتون، متحدث باسم البيت الأبيض، إن تصحيح أوباما يوم السبت لا يعنى أنه غيّر رأيه الذي قاله يوم الجمعة. وقال بيرتون: «ليس من حق الرئيس أن يحكم على كل موضوع محلي. لكن، من حقه أن يدافع عن المبادئ الدستورية عن حرية الأديان، والمساواة بالنسبة إلى كل الأميركيين. قال إنه ما دام في الإمكان بناء كنيسة أو معبد يهودي أو معبد هندوسي، لا يمكن رفض طلب بناء مسجد». وفي مقابلة في تلفزيون «سي إن إن»، قال جيرولد نادلر (ديمقراطي من ولاية نيويورك): «بقدر ما أحترم أحاسيس الناس، يوجد هنا خطأ أساسي... مغالطة أن (القاعدة) هي التي هاجمتنا... وأن الإسلام لم يهاجمنا... لن نحترم أحاسيس الناس إذا قلنا إن الإسلام هو المذنب، ولكن ليس إذا قلنا إن (القاعدة) هي المذنب».

وأمس، قالت صحيفة «نيويورك بوست» إن أوباما «تراجع تراجعا محسوبا». وربطت ذلك بما سمته «انخفاض أكثر» في شعبية أوباما.

ونقلت تصريحات لمعارضين للمسجد، منهم بيل دويل، الذي قتل والده في هجوم 11 سبتمبر (أيلول)، الذي قال: «أعتقد أن أوباما لا يقدر على أن يفرق بين الشجرة والغابة. إذا بنوا مسجدا في ذلك المكان، لن نعرف ماذا سيحدث بعد ذلك».

وعلق آخر: «أساس مشكلة أوباما أنه أسود يكره البيض والمسيحيين. إنه ليبرالي من نوع خطير وعنصري». وقال ثالث: «لا يعيش أوباما في نيويورك. لماذا تحدث عن هذا الموضوع؟» وقالت امرأة: «أوباما مسلم خفي. لا يفكر مثلنا، وليس واحدا منا. انتظروا. ستملأ المساجد أميركا، وسيصير الأجانب غير القانونيين مواطنين أميركيين، وستكون اللغة الإسبانية هي اللغة الرسمية. نحن ندمر أنفسنا من الداخل. كنت أعتقد أن كارتر كان أسوأ رئيس في تاريخنا. لكن، فاز عليه أوباما».

وأول من أمس، أوضح استفتاء قام به مركز «غالوب»، أن شعبية أوباما انخفضت إلى 44 في المائة. وأوضح استفتاء قام به تلفزيون «سي إن إن» إن سبعين في المائة من الأميركيين يعارضون بناء المسجد في هذا الموقع القريب من مكان مركز التجارة العالمي وفي تعليقات مختصرة خلال زيارة عائلية إلى خليج المكسيك، قال أوباما إنه لم يقر هذا المشروع داخل نيويورك، لكنه يحاول ببساطة التأكيد على مبدأ أوسع وهو أنه يجب على الحكومة أن «تعامل الجميع بمساواة» بغض النظر عن الدين.

وقال أوباما «لم أكن أدلي بتعليق، ولن أدلي بتعليق، عن الحكمة من اتخاذ قرار ببناء مسجد هناك. ولكني، كنت أعلق تحديدا على أن حق للمواطنين يعود إلى فترة تأسيس دولتنا.. وهذه هي دولتنا».

لكن عند محاولة أوباما توضيح تصريحاته، في أقل من 24 ساعة بعد تعليقاته خلال إفطار داخل البيت الأبيض، دخل الرئيس بدرجة أكبر إلى النقاش الشائك عن الإسلام والهوية الوطنية، وما يعني أن يكون المرء أميركيا - وهو أمر يطرح مخاطر أمامه تتجاوز المخاطر التي كان يواجهها أسلافه.

ومنذ اللحظة التي أدى فيها أوباما اليمين الدستورية باستخدام اسمه كاملا باراك حسين أوباما، وأقسم على حماية الدستور والدفاع عنه، جسد أوباما آمال الكثير من الأميركيين عن التسامح والاندماج. وقد كرس نفسه للتواصل مع العالم الإسلامي، وتعهد مثلما فعل من القاهرة خلال العام الماضي بـ«بداية جديدة».

وقد زادت حدة النقاش الدائر حول المركز الإسلامي المقترح إنشاؤه داخل مانهاتن يوم السبت، بعد زيادة الانتقادات على ساحة التدوين المحافظة التي وجهت إلى الرئيس أوباما، ودفع ذلك جمهوريين - من بينهم الرئيس السابق لمجلس النواب نويت غينغريتشو، وزعيم الأقلية في مجلس النواب جون بوهنر، والنائب بيتر كينغ من نيويورك – إلى الاعتراض بقوة على موقف الرئيس.

واتهم غينغريتشو الرئيس «باسترضاء الإسلام الراديكالي». وقال بوهنر إن قرار بناء مسجد بالقرب من موقع مركز التجارة العالمي «مقلق للغاية، مثله مثل قرار الرئيس بإقرار ذلك». وقال كينغ صراحة إن الرئيس «على خطأ».

وفي الواقع، لقد كانت الانتقادات حادة بالدرجة التي جعلت البيت الأبيض يصدر في النهاية تفصيلا عن توضيح الرئيس، ويؤكد على أن الرئيس «لا يتراجع بأي صورة» عن التعليقات التي أدلى بها مساء الجمعة.

وقال أوباما حينها «إنني كمواطن وكرئيس، أعتقد أن المسلمين لهم نفس الحقوق في ممارسة الدين مثل أي شخص آخر داخل هذه الدولة، ويتضمن ذلك الحق في بناء مكان للعبادة ومركز إسلامي على أرض خاصة في لوار مانهاتن بما يتماشى مع القوانين واللوائح المحلية».

وتُعد قضية المسجد والقضايا الأوسع المرتبطة بالإسلام والحرية الدينية جزءا من نقاش سياسي وثقافي يظهر بأشكال متعددة خلال موسم الانتخابات المستعر الحالي. وداخل الكونغرس، على سبيل المثال، يدعو بعض الجمهوريين إلى تعديل دستوري من أجل منع الأطفال الذين يولدون لمهاجرين غير شرعيين من الحصول على الجنسية الأميركية، وهي الخطوة التي يعارضها الرئيس أيضا.

وقال الرئيس يوم السبت «أعتقد أنه من المهم للغاية أن نبقى نركز على هويتنا كشعب وعلى قيمنا».

وكان سلف أوباما، جورج دبليو بوش، يعقد أيضا حفلات رمضانية، وكان يقوم كثيرا بالتمييز بين تنظيم القاعدة والإسلام، مثلما فعل أوباما ليلة الجمعة. لكن على عكس بوش، اتهم أوباما بأنه مسلم في السر (رغم أنه مسيحي)، ووجهت له اتهامات من جانب بالتساهل في التعامل مع الإرهابيين.

وقال جون فيهري، وهو مستشار جمهوري ظل لأعوام مساعدا بارزا في الحزب مختصا بشؤون الكونغرس «بالنسبة إلى شعب يخشى من أشياء ذات صلة بأوباما، يأتي هذا الأمر ليؤكد مخاوفهم. ولذا لا يعد ذلك القرار موحدا من جانبه، لكنه اختار فيه أحد الأطراف. وأفهم السبب الذي دفعه إلى القيام بذلك، لكن من الناحية السياسية أعتقد أن ذلك خطأ فادح».

ويقول مساعدون في البيت الأبيض إن الرئيس أوباما كان واعيا إلى المخاطر. وقال مستشاره البارز ديفيد أكسلرود «يفهم (أوباما) الجوانب السياسية المرتبطة بذلك».

وقد سارع قليل من الديمقراطيين إلى الدفاع عن أوباما، والتزمت قيادات الحزب، التي كانت تفضل أن يتحدث أوباما عن الوظائف، الصمت في الأغلب. ودعم اثنان من الحزب الديمقراطي داخل نيويورك - السيناتور كريستين غيليبراند والنائب جيرولد نادلر - أوباما في موقفه. ولكن نأت ألكس سينك، المرشحة الديمقراطية لمنصب الحاكم هنا، بنفسها عن الأمر، فيما دافع الحاكم تشارلي كريست، وهو جمهوري تحول إلى مستقل، عن الرئيس. وقال كريست للصحافيين خلال ظهوره مع الرئيس في محطة كوست غارد هنا «أعتقد أنه على صواب».

وقد بدأ النقاش حول المركز الإسلامي منذ أسابيع، وتجنب أوباما التطرق إليه عن قصد. لكن لم يترك حفل الإفطار الرمضاني خيارا أمام الرئيس. ويقول مساعدون إنه لم تكن هناك أسئلة عما سيقوله. ويقول أكسلرود «لقد شعر بأن عليه مسؤولية وعليه أن يتحدث في الأمر».

* أسهم في التقرير إدوارد ويات من واشنطن

* خدمة «نيويورك تايمز»