معرض في غرناطة عن الموسيقار الإسباني مانويل دي فايا

يعكس صورة مهمة عن شخصية دمرتها الحرب الأهلية

TT

لعل من بين أكثر المتضررين من المثقفين في الحرب الأهلية الإسبانية (1936 - 1939) هو الموسيقار مانويل دي فايا الذي اضطر إلى ترك إسبانيا وهو في أوج عطائه الفني، للإقامة في الأرجنتين، وليعيش حياة مليئة بالألم والحزن والفاقة والحرمان، ولم يستطع إكمال مشاريعه الفنية المهمة، وقضى بقية حياته في بلدة ألتا غراثيا، حتى وفاته عام 1946.

وقد افتتح مؤخرا في مدينة غرناطة، جنوب إسبانيا، معرض عن مانويل دي فايا في الأرجنتين، والمعرض وإن كان مخصصا للموسيقار الشهير، لكنه يعكس صورة مهمة عن شخصية دمرتها الحرب وعلاقاته مع شخصيات كثيرة أخرى. وقد جمع المعرض كل ما يتعلق بالفنان الإسباني من أدواته الموسيقية والأقلام التي استعملها ونظاراته وأوراقه وحاجات شخصية أخرى، كما وفر المعرض فيلما وثائقيا حول أبرز نشاطاته، وفيه يظهر مقطع قصير لمانويل دي فايا وهو يقود إحدى الفرق الموسيقية في العشرينات في غرناطة، كما جمع صورا له ولشخصيات مهمة آنذاك من أمثال الشاعر رافائيل ألبرتي الذي زاره في منزله في ألتا غراثيا بصحبة شخصيات أخرى.

ولد مانويل دي فايا في مدينة قادس، عام 1876، وأكمل دراسته هناك ثم انتقل عام 1896 إلى مدريد ثم إلى باريس عام 1907، وإلى سويسرا وإيطاليا عام 1912، ثم إلى مدريد مرة أخرى عام 1919، وبعدها استقر في مدينة غرناطة عام 1920. وكان يظن أنه سيقضي حياته فيها للارتياح الكبير الذي شعر به في هذه المدينة، وكان معجبا جدا بالآثار العربية فيها خاصة قصر الحمراء، وتعمقت علاقته مع الشاعر فدريكو غارثيا لوركا، على الرغم من صغر عمر لوركا آنذاك.

تقول إيزابيل غارثيا لوركا، أخت لوركا، أن أخيها كان مسرورا عندما عرف بقدوم مانويل دي فايا للإقامة في غرناطة، واستعد للتعرف عليه، وكان آنذاك مهتما بالموسيقى، فذهب إلى منزل الموسيقار فايا، وقدم نفسه، واخبره بأنه مهتم جدا بدراسة الموسيقى ويتشرف بمعرفته، فأعجب مانويل دي فايا بالشاب لوركا أيما إعجاب، وتلمس فيه العبقرية منذ ذلك الوقت، وتعمقت العلاقة بين عائلتيهما، حتى إذا ما قبض على لوركا عام 1936، واقتيد إلى السجن، أسرعت أم لوركا بالاتصال بالموسيقار لتخبره بالأمر، فأسرع هو الآخر وتدخل لدى الحكومة المحلية في غرناطة، وعلى الرغم من كل الجهود التي بذلها فقد صدر القرار بإعدام تلميذه لوركا، فكانت صدمة كبيرة جدا للموسيقار، وقرر أن لا يفتح موضوع لوركا أمام أحد إلى الأبد، للوقع الكبير الذي أحدثه إعدام لوركا عليه، لكونه صديقا وتلميذا وشاعرا كبيرا، ثم قرر ترك إسبانيا والذهاب إلى الأرجنتين، وهناك لم يتحدث مع أي شخص حول لوركا، حتى إن الشاعر رافائيل ألبرتي وهو صديق حميم للوركا، عندما زار الموسيقار مانويل دي فايا في منزله في الأرجنتين، حاول أن يفتح موضوع لوكا وإعدامه، عدة مرات، لكن الموسيقار قابل ألبرتي بالصمت، وعند انتهاء الزيارة أخذه جانبا وقال له: «يا صديقي ألبرتي، أنا أعرف أشياء مرعبة عن إعدام لوركا، لكن قناعتي تمنعني عن الكلام حول هذا الموضوع».

وكانت حكومة الجنرال فرانكو قد سعت إلى أن يعود مانويل دي فايا إلى إسبانيا لكنه كان يرفض باستمرار، مفضلا حياة منعزلة بسيطة في الأرجنتين على العودة إلى بلده.