رمضان غزة يشهد إقبالا على العمل كـ«مسحراتية»

هربا من البطالة بعد تسريح عدد كبير من العمال

المسحراتي في غزة.. مهنة لمواجهة البطالة («الشرق الأوسط»)
TT

«اصح يا نايم.. وحد الدايم، رمضان كريم، اصح يا نايم وحد الدايم.. للحصار مزيل»..

بهذه الكلمات المنمقة وصوت الطبلة يهتف المسحراتي في رمضان بغزة، موقظا الأهالي لتناول وجبة السحور، التي تعتبر الوجبة الأولى في حياة الصائم، تاليا بصوته الأهازيج الرمضانية، التي خلط أغلبها بالدعاء بفك الحصار.

قبل ساعة أو ساعتين من أذان الفجر يخرج عمار الحرتاني (25 سنة) من حي الشيخ رضوان، في شمال مدينة غزة، مناديا على أهالي الحي المكلف بإيقاظه في رمضان، وفق تقسيم وزارة الداخلية لعمل المسحرين، أو «المسحراتية»، في قطاع غزة.

عمار متزوج، وأب لأربعة أولاد، ويعمل في النهار سائق أجرة في شوارع المدينة، ويعيش من هذه المهنة. غير أن الأوضاع المادية المتردية دفعته ليعمل في الليل «مسحراتيا» لكسب الرزق خلال شهر رمضان، في ظل انعدام أي فرص أخرى لتحسين وضعه المادي.

ومع أن عمل «المسحراتي» مزعج لدى بعض الناس، فإن عمار مستمتع به لدرجة كبيرة، خاصة أنه يعمل على تنبيه الناس لأجر عظيم يتمثل في الصيام. وهو في لقاء مع «الشرق الأوسط»، قال «عمل المسحراتي له أثر كبير وله صدى عند الأهالي، خاصة أنه يتولى إيقاظهم لتناول السحور. وفي حين ينزعج بعض الناس من صوت الطبلة.. فالبعض الآخر يعبر عن رضاه عما نقوم به، وبالأخص، لا سيما الأهازيج التي نطلقها عن رمضان لإيقاظ الناس».

وأضاف «الحياة في غزة صعبة بسبب الحصار، الذي أفقدني مهنتي الأساسية سابقا، إذ كنت أعمل في أحد المصانع التي سرحت نسبة عالية من العاملين فيها، بسبب الخسائر الكبيرة التي لحقت به نتيجة إغلاق المعابر. وبالتالي اضطررت للعمل سائقا على سيارة أجرة.. والعمل مؤقتا كمسحراتي في رمضان».

من جهة ثانية، قال المسحراتي أحمد أبو عجوة، الذي يقطن في حي الشجاعية بغزة «لا أغادر المنطقة حتى أبصر أنوار المنازل، فأطمئن إلى أن الناس استيقظوا لتناول طعام السحور». وأردف «توفر لي مهنة المسحراتي دخلا جيدا، غير أنه يظل دخلا موسميا في شهر رمضان فقط.. وأستطيع من خلاله تلبية بعض احتياجاتي الملحة، ولا سيما، مساعدة أسرتي الفقيرة». ولفت أحمد إلى أن تزايد معدلات البطالة وانعدام فرص العمل كانا من الأسباب الأساسية وراء امتهانه هذه المهنة.

وفي قطاع غزة يتخذ الكثير من الشباب مهنة المسحراتي، في الواقع، هربا من شبح البطالة التي تسبب بها الحصار. فقد كان أحمد أبو عجوة يعمل في قطاع البناء، الذي توقف منذ فرض الحصار، ولكن، كما قال، «ما إن هل شهر رمضان حتى قمت مع اثنين من شبان الحارة، ولأول مرة في حياتي، بمهمة المسحراتي التي تدر علينا دخلا جيدا لمدة شهر واحد من أشهر السنة.. بعدما تقدمنا بطلب لوزارة الداخلية (في الحكومة المقالة) وحصلنا على الموافقة».

ياسر حسونة (26 سنة)، أيضا يعمل في مهنة المسحراتي، لكن في منطقة مجاورة، وقال لنا «أنا كنت أعمل في أحد مصانع الخياطة، إلا أن المصنع منذ فترة لا يعمل إلا نادرا، كما هي حال غالبية مصانع غزة المحلية، وعند الثانية بعد منتصف الليل أقوم أنا و(صديقي) محمد بالعمل في مخيم الشاطئ.. كما هو محدد لنا في تصريح وزارة الداخلية». وحول طبيعة العمل والمناداة في ظل الليل، أما محمد فقال «أحيانا نعمد لمناداة بعض الناس بأسمائهم كنوع من المديح، أملا في الحصول لاحقا على نقود تمكننا من مساعدة أسرنا في رمضان وأيام العيد، وأحيانا يعطينا الناس نقودا من فئة العشرين أو الخمسين شيقلا تمثل لنا مورد رزق جيدا».

وتتعدد الأهداف التي يسعى من ورائها الشبان لامتهان مهنة المسحراتي، لكن أغلبها تلتقي في كسب الرزق والتغلب على أوضاع الحياة الصعبة، فحتى يوسف بركات، الطالب الجامعي، حصل على ترخيص من وزارة الداخلية في قطاع غزة لمزاولة هذه المهنة، كي يستطيع سداد الرسوم الجامعية للفصل الدراسي المقبل.

وأشار بركات، الذي يدرس اللغة العربية في الجامعة الإسلامية، قائلا «لم أكن يوما مسحراتيا، ولم يمتهن هذه المهنة أحد من أسرتي، لكنها كانت بمثابة طوق النجاة لي هذا العام لأتمكن من استكمال مصاريفي الجامعية ودفع الرسوم المطلوبة، بالإضافة إلى الكتب والمراجع التي أحتاجها».

وأضاف «أخرج في ساعة مبكرة قبل الفجر أوقظ الناس ليتناولوا طعام السحور. وأنادي عليهم بأسمائهم، وأتجول بين أزقة بيوتهم بطبلتي الصغيرة.. بعضهم يطل علي من شرفة منزله وقد غلبه النعاس يبادرني بالتحية». وتابع أن أحدا من المسحراتيين لا يستطيع المناداة والتجول بين أزقة البيوت الفقيرة في غزة، إلا وقد امتلك تصريحا من وزارة الداخلية حتى يؤهله ذلك للتجول في منطقة معينة، خاصة في ظل تدهور الأوضاع الأمنية في الشارع الفلسطيني.

والملاحظ أن مهنة المسحراتي اتخذت في قطاع غزة، على الأقل، شكلا آخر في رمضان، مع ارتفاع حجم البطالة كنتيجة من نتائج الحصار المطبق، وقد حدثت في رمضان الأخير زيادة في عدد المسحراتية في القطاع، حيث يعمل خمسون «مسحراتيا» في مدينة غزة وحدها، حسب مصدر في وزارة الداخلية.