توني بلير يصبح هدفا مفتوحا أمام خصومه السياسيين بعد تبرعه بمداخيل مذكراته

المؤسسة الخيرية تشكره على سخائه.. والمعادون للحرب يصفون كرمه بـ«الدية»

بلير يمتلك مع عائلته 7 منازل تقدر قيمتها في السوق بأكثر من 14 مليون جنيه إسترليني (21 مليون دولار) (أ.ف.ب)
TT

ليس غريبا أن تتصدر أخبار رئيس الوزراء البريطاني الأسبق توني بلير العناوين الرئيسية ونشرات الأخبار في الصحافة البريطانية والعالمية. لكن منذ أن استقال من منصبه كرئيس وزراء وكزعيم لحزب العمال وأصبح ممثلا شرق أوسطيا للرباعية، أصبح من النادر أن ترى صوره على الصفحات الأولى للجرائد، إلا في بعض المناسبات مثل الإدلاء بشهادته أمام لجنة شيلكوت التي شكلت حول الحرب العراقية.

لكن تبرعه «السخي» بعائدات مذكراته لصالح الجنود البريطانيين، جرحى الحرب العراقية، الذي أفصح عنه هذا الأسبوع فتح باب الانتقادات على مصراعيه ووضعه مرة ثانية في مرمى منتقديه من المعاديين للحرب والمغامرة التي زجت بريطانيا نفسها بها إلى جانب الولايات المتحدة، ونال على أثرها لقب «كلب بوش الوفي»، بسبب قراره المطيع للذهاب إلى الحرب «التي وصفت بأنها غير شرعية من بعض خبراء القانون الدولي».

وبينما رحبت الرابطة الملكية للمحاربين القدماء التي تعنى بجرحى الحرب بـ«التبرع الكريم للغاية»، اتهمت جماعات مناهضة للحرب الزعيم الأسبق بمحاولة «شراء البراءة والسماح».

الانتقادات لم تكن محصورة في أعداء بلير السياسيين، بل لقد انهالت عليه من كل حدب وصوب. والد أحد الجنود الذين قتلوا في الحرب وصف التبرع بـ«الدية». وقال بيتر بيرلي، الذي قتل نجله في العراق عام 2003، لهيئة الإذاعة البريطانية (بي بي سي) إن «هذه الهدية أو التبرع شيء جميل»، ولكنه لن يثنيه عن عزمه يوما ما أن «نرى بلير في المحكمة لمحاكمته عن الجرائم التي ارتكبها».

أما بعض الصحف البريطانية فقد قالت إن ما قام به هو مجرد محاولة لتحسين صورته أمام عامة الناس بعد أن وصف عدة مرات بأنه «مجرم حرب». كما أثارت صحف أخرى قضية أن عمله الخيري هذا أنه قد لا يدر الكثير على المؤسسة الخيرية بسبب النظام الضريبي مما يعني أنها لن تنال الكثير من الأموال بعد دفع الضرائب.

وجمع بلير مبالغ مالية ضخمة منذ أن ترك منصبه من إلقاء الخطب والمحاضرات ومن أعمال استشارية.

وقالت صحيفة «ديلي تلغراف» أمس إنها وضعت عدة أسئلة لمكتب بلير حول ماهية وطبيعة المنحة التي دخلت ضمن مفهوم «الهدية» في النظام الضريبي البريطاني. وقالت الصحيفة إن المكتب لم يجب عن الكثير من الأسئلة وعن قيمة الهدية بعد خصم الضرائب.

وكان رئيس الوزراء البريطاني قد صرح بأنه سيتبرع بكل عائدات بيع مذكراته التي ستنشر تحت عنوان «رحلة» من أجل إعادة تأهيل الجنود المصابين في الحرب. وقال بيان، نشر على الموقع الخاص ببلير، إنه سوف يتبرع بالدفعة المقدمة التي حصل عليها وهي 4.6 مليون جنيه إسترليني (7.1 مليون دولار) وأيضا الامتيازات كافة من بيع مذكراته المقرر نشرها الشهر المقبل. لكن رفضت المؤسسة الخيرية الإجابة هي الأخرى عن الأمور التفصيلية بخصوص ما قد تحصل عليه بعد خصم الضرائب. وطلبت من لجنة أمنائها عدم الإفصاح عن أي معلومات بخصوص «الهدية» المقدمة من بلير.

وسوف تحول الأموال إلى إنشاء مركز «باتل باك تشالينج»، وهو مركز رياضي جديد مخصص للمصابين في الجيش، ومقرر أن تفتتحه الرابطة الملكية البريطانية للمحاربين القدماء في عام 2012.

وقتل زهاء 179 جنديا بريطانيا في العراق، كما لاقى 331 جنديا حتفهم في أفغانستان التي أرسل بلير إليها قوات أيضا. وأصيب كثيرون آخرون بجروح.

وقال ائتلاف «أوقفوا الحرب» إن «الحرب في العراق وأفغانستان أسفرت عن مقتل المئات من الجنود البريطانيين والمئات والآلاف من المدنيين الأبرياء. ولن يغسل أي قدر من المال الدم الملطخة به يد بلير».

ويشغل بلير حاليا منصب مبعوث اللجنة الرباعية الدولية المعنية بعملية السلام في الشرق الأوسط، وكان أطول من تولى رئاسة حكومة لحزب العمال زمنا في بريطانيا، حيث فاز في ثلاثة انتخابات متعاقبة قبل أن يتنحى عام 2007.

ويعتزم ناشطون مناهضون للحرب تنظيم احتجاجات أمام المكان الذي سيصدر منه الكتاب.

وقال متحدث باسم بلير إن التبرع جاء تقديرا لشجاعة وتضحيات القوات المسلحة البريطانية.

وسادت لهجة عدائية تغطية الصحف لأخبار بلير الأسبوع الماضي في أعقاب نشر قائمة شروط صارمة لحضور حفل توقيع رئيس الوزراء السابق على نسخ من كتابه في سبتمبر (أيلول) شملت منع التصوير وأقوال عن أن بلير لن يكتب أي إهداء شخصي عند التوقيع على نسخ كتابه.

وحسب قوانين الضريبة البريطانية أن أي منحة تقدم إلى أي مؤسسة خيرية فإن قيمتها تحسب مقابل ما يترتب على المانح من ضرائب، مما قد يعني أن توني بلير قد يسترد الأموال التي تبرع بها من خلال تقليل ما يطالب به من ضرائب.

وقال مايك ووربيرتون من مؤسسة «غرانت ثورنتون» إن بلير «سيقلل من الضرائب المفروضة عليه». مضيفا أن القوانين المعمول بها بخصوص «الهدية» تعني أن المؤسسة الخيرية ستطالب دافعي الضرائب بمبالغ إضافية تفوق 1.5 مليون جنيه إسترليني مقابل المبلغ الذي صرح به بلير وهو 4.6 مليون جنيه إسترليني.

والسبب وراء قيام بعض الصحف البريطانية برفع علامات الاستفهام حول المنافع الضريبية لرئيس الوزراء الأسبق هو بسبب الملايين التي يتقاضاها من خلال الأعمال الاستشارية المناطة من قبل الكثير من الحكومات وكذلك المحاضرات التي يلقيها والتي يتقاضى عنها مئات الآلاف من الدولارات سنويا.

وقالت بعض الصحف إنه تقاضى أكثر من 20 مليون جنيه إسترليني على أعمال استشارية ومحاضرات منذ أن استقالته من وظيفته كرئيس للوزراء عام 2007.

ومع أن القانون البريطاني يفرض على رئيس الوزراء نشر ما يتقاضاه من دخل بعد تركه الوظيفة الرسمية، فإن توني بلير قاوم الضغوط لنشر ما تقاضاها من «يو اي» لأبحاث الطاقة الكورية الجنوبية، وقال إن وظيفته في غاية الحساسية من الناحية التجارية، وإن شروط الاتفاق مع الشركة يتطلب السرية الكاملة.

وقال مايك ووربيرتون من مؤسسة «غرانت ثورنتون» إنه شبه مستحيل معرفة ما يتقاضاه بلير بسبب سلسلة الشركات التي أسسها والتي تدير مصالحه الكثيرة ومحاضراته. وكمثال على ما يتقاضاه عن إلقاء المحاضرات فقد حصل على 200 ألف جنيه إسترليني (300 ألف دولار) عن محاضرة ألقاها في الصين مؤخرا. وأضاف ووربيرتون: «إنها عملية مبهمة تماما، لا نعرف من أين تأتي الأموال وأين تذهب».

لكن هناك بعض المؤشرات حول مداخيله من خلال سلسلة الاستثمارات العقارية. إذ يمتلك مع عائلته سبعة بيوت تقدر قيمتها في السوق بأكثر من 14 مليون جنيه إسترليني (21 مليون دولار). ويتقاضى راتبا تقاعديا بقيمة 63 ألف جنيه، بالإضافة إلى 84 ألف مقابل إدارة مكتبه الخاص، وهذه كلها من خزينة الدولة. وتقدم الدولة له حماية تكلفها أكثر من 6 ملايين جنيه إسترليني سنويا كرواتب لرجال الأمن المرافقين له خلال وجوده في بريطانيا وفي تجواله حول العالم.