انقطاع الكهرباء والصيف الحارق يحولان حياة أهالي غزة لجحيم في رمضان

غزي لـ «الشرق الأوسط»: إننا لا نجد الماء البارد وقت الإفطار.. ألا تكفي حرارة الصيف!

TT

انفرجت أسارير رحاب، 41 عاما، وهي تلمس كيس اللحم الذي كان في زاوية المجمد (الفريزر)، تعبيرا عن سعادتها بعد أن تأكدت من أن اللحم لا يزال يحتفظ بقسط من البرودة رغم مرور 12 ساعة على انقطاع التيار الكهربائي في المنطقة، مما يمكنها من استخدام هذا اللحم في إعداد الإفطار في يوم آخر من أيام رمضان.

لكن سناء جارة رحاب التي تقطن على بعد عدة أمتار من منزلها في منطقة بركة الوز غرب مخيم المغازي للاجئين، وسط قطاع غزة، كانت أقل حظا إذ اكتشفت أن كميات اللحم والسمك في مجمدها فسدت، فما كان منها إلا أن ألقت بها في سلة المهملات، وطلبت من زوجها الإسراع في التوجه لأقرب محل لبيع اللحوم المجمدة وشراء بعض اللحم لإعداد الإفطار الذي لم يبق على موعده سوى ساعتين ونصف الساعة.

بيد أن المفاجأة كانت عندما وجد علي أبواب محل اللحوم المجمدة مغلقة لانقطاع التيار الكهربائي وعدم تمكن المولد الكهربائي الذي كان يعتمد عليه هذا المحل في توفير الكهرباء اللازمة لتشغيل المجمدات في هذا المحل.

وقال علي لـ«الشرق الأوسط»: «لقد بلغت الخمسين من العمر، لكن لم أذكر أن مر علينا شهر رمضان بظروف بهذه القسوة.. كل الأمور تبدو مستحيلة تماما، ألا تكفي حرارة الصيف الحارقة، إننا لا نجد الماء البارد وقت حلول موعد الإفطار». وأضاف «إنني أشعر بكثير من الإكبار لولدي أنور، 8 أعوام، الذي يتحمل هذه الظروف القاسية ويصر على مواصلة الصيام رغم جهودي لإقناعه بالإفطار، على اعتبار أنه ليس مضطرا للصيام لصغر سنه».

أزمة انقطاع التيار الكهربائي لساعات طويلة باتت الشغل الشاغل لجميع أهالي غزة، وتقض مضاجعهم في ظل الارتفاع غير المسبوق لدرجات الحرارة وفي ظل عدم وجود مؤشرات على حل الأزمة.

اللافت للنظر أن مظاهر أزمة الكهرباء انعكست على كل مناحي الحياة هنا في غزة، فشركة توزيع الكهرباء وسلطة الطاقة، أعدتا جدولا لمواعيد انقطاع الكهرباء على المناطق المختلفة في غزة. لكن فترات انقطاع التيار الكهربائي ليست منتظمة الأمر الذي جعل من الصعوبة بمكان على الأهالي، إعداد مخططات للتعايش والتكيف مع الواقع المأساوي الآخذ بالتفاقم دون أن يكون هناك بصيص أمل على قرب انتهائه.

منذ بدء فصل الصيف ظهر استياء لدى الغزيين جراء الوضع العام للكهرباء التي تنقطع بمعدل 13 ساعة في اليوم، وفي أحيان كثيرة تتجاوز هذه المدة. انقطاع التيار الكهربائي أثر بشكل واضح على المزاج العام للناس هنا.

ويقول محمد جمال، 33 عاما، لـ«الشرق الأوسط»: «أصبحنا لا نستطيع أن نعيش دون أزمات وآخر هذه الأزمات الكهرباء، أصبحنا في غزة لا نسمع سوى صوت المولدات ولا نشم سوى عوادمها السامة». ويتساءل: «هل قدرنا في غزة أن نعيش هكذا، وكأن الكهرباء ومشكلاتها باتت قدرا علينا لا مفر من تحمله.. الحكومتان في غزة ورام الله لا تشعران بنا ولا تشعران بارتفاع درجة الحرارة.. هل من المطلوب منا أن نحل هذه المشكلة بأنفسنا. ماذا.. ماذا ينتظر..؟».

رغم الاستعداد النفسي لذلك، إلا أن واقع الحياة يجعل الفلسطينيين في غزة غير قادرين على العودة لمظاهر الحياة البدائية في كل ما يتعلق بالكهرباء، فلا يوجد بدائل أخرى بإمكانها أن تحل محل الكهرباء، لا سيما في حفظ الأطعمة، بحيث يتم ضمان تناول الطعام بشكل صحي. لكن مشكلة الكهرباء غير مرتبطة بشهر رمضان ولا تقتصر تداعياتها السلبية على المأكل والمشرب، بل بشكل أكبر على الأوضاع الصحية للناس هنا. فقد باتت المستشفيات في قطاع غزة تعاني من أزمة الكهرباء بشكل كبير، خاصة أن هذه المشكلة تؤثر بشكل كبير على حياة المرضى لاعتماد كل الأجهزة الطبية على الكهرباء.

ويقول الدكتور معاوية حسنين مدير الإسعاف والطوارئ في وزارة الصحة: «أزمة الكهرباء تطال جميع المستشفيات، لكن أكثر الأقسام الصحية تضررا من انقطاع التيار الكهرباء هي الأقسام التي تعنى بالأطفال وبرعاية الأطفال بالإضافة للمرضى الذين يعانون من علل مزمنة. فللأسف نتوقع هنا حدوث كوارث كبيرة».

وحذر حسنين في تصريح صحافي من أن توقف أي من هذه المولدات عن العمل ولو لمدة خمس دقائق قد يؤدي إلى عشرات الوفيات من الأطفال والمرضى المزمنين في غرف العمليات. وأوضح أن مستشفيات القطاع بدأت تستقبل عشرات المرضى الذين يعيشون على الأكسجين والأجهزة الطبية، وذلك بسبب توقف هذه الأجهزة في منازلهم إثر الانقطاع المستمر للتيار الكهربائي.