قاعات السينما أصحبت مجرد أطلال في المغرب

عددها في العاصمة تقلص إلى 72 بعدما كان 250 عام 1980

TT

في زمن مضى، كان هناك عدد قليل من دور السينما في سلا المجاورة للرباط، التي تعتبر امتدادا للعاصمة المغربية. وعلى الرغم من قلة دور العرض السينمائية، فإنها عرفت رواجا كبيرا، خاصة تلك التي كانت تعرض الأفلام الهندية وأفلام الكاراتيه، فإن الأمر اختلف كليا الآن. فقد أصبحت قاعات السينما من دون رواد، ومعظمها بات مهجورا، مما اضطر أصحابها لإغلاقها، وتحول بعضها إلى مجرد أطلال، بعدما كانت تشهد إقبالا غير منقطع النظير، بل ولم تسلم حتى بعض دور السينما الحديثة أيضا مثل التي توجد في مجمع «الداوليز» من لعنة الإفلاس.

وتفيد إحصاءات «المركز السينمائي المغربي» (هيئة حكومية مكلفة بدعم السينما) بتناقص مريع في عدد قاعات السينما، حيث تراجع عددها من 250 قاعة في عام 1980 في المدن المغربية، إلى 72 قاعة الآن، وهذا العدد مرشح للانخفاض باستمرار، لكن القاعات التي تضمن شروط فرجة سينمائية مريحة وممتعة لا تتجاوز 30 قاعة، كما تراجع عدد روادها. وتشير الإحصاءات نفسها إلى أن 13 مليون متفرج اقتنوا بطاقة سينما في عام 2000، في حين تراجع الرقم الآن إلى مليون ونصف المليون بطاقة فقط. لكن المفارقة، أنه مع تراجع عدد القاعات، فإن عدد الأفلام المغربية يتزايد، إذ وصلت إلى 14 فيلما طويلا، و50 فيلما قصيرا سنويا. ويخشى بعض السينمائيين من عدم العثور على قاعة سينمائية مستقبلا لعرض أفلامهم، وهذا ما حدث في المهرجان الدولي لفيلم المرأة في سلا، حيث لم يجد المشرفون على المهرجان قاعة سينمائية صالحة لاحتضان فعالياته، وحلت السنة الماضية بإنشاء مجمع سينمائي في حي «كريمة» الشعبي، وبمواصفات معقولة.

ويرجع رشيد العلوي، وهو شاب من سلا، أسباب إغلاق دور العرض إلى «كثرة القنوات الفضائية، خاصة القنوات المتخصصة في السينما، التي تعرض أحدث الأفلام السينمائية، وبناء عليه تتيح للمتفرج فرص اختيار واسعة، ثم هناك عامل قرصنة الأفلام، وبيعها في أقراص مدمجة في نفس وقت عرضها في السينما، وما له من تأثير كبير على الإقبال على قاعات السينما».

ويرى رشيد أن اقتناء فيلم بأقل من ثمن تذكرة السينما، ومشاهدة أكثر من فيلم خلال فترة وجيزة، أفضل من التنقل لقاعة سينمائية كلاسيكية، تتوفر على 800 مقعد، ولا تعرض إلا فيلما واحدا على مدى أسابيع». ويضيف «لا ننسى عاملا آخر لا يقل تأثيرا، وهو تغير نمط الحياة، حيث إن الشخص إذا أراد الذهاب إلى السينما، فإنه يحتاج لتحديد الوقت المناسب، وغالبا ما يكون في نهاية الأسبوع، كما يحتاج لوسيلة نقل، لذلك يفضل كثيرون اقتناء آخر الأفلام المقرصنة، ومشاهدتها في المنزل مع الأصدقاء وأفراد العائلة في أجواء مريحة، وبأقل الأثمان».

ويرى العلوي أن النفور من قاعات السينما المعتمة مرده إلى عدم انتشار الدعاية الكافية للمنتج السينمائي المغربي والأجنبي، سواء في الصحافة المكتوبة أو وسائل الإعلام المسموعة والمرئية، بحيث لا يوجد تعريف بالأفلام الرائجة في قاعات السينما المغربية، أو إجراء حوارات أو لقاءات مع المخرجين، لنشر الثقافة السينمائية لدى الشباب» ويمضي قائلا: «نحن نفرط في تربية الذوق الفني والجمالي لدى أطفالنا، بسبب عدم تنظيم زيارات للمتاحف والمعارض الفنية، لهذا نرى اليوم اندثارا عاما في أعداد عشاق السينما، من قبيل برمجة أفلام سينمائية مخصصة للأطفال في أيام العطلات».

من جهته، اعتبر محمد لحلو، وهو مقاول يعمل في مجال العقار، أن إغلاق دور السينما راجع لعدة عوامل، أهمها، في نظره، إضافة على الحالة المزرية للقاعات، انعدام الأمن في بعض دور السينما، خاصة في الليل. ويقف لحلو عند سبب آخر له تأثير كبير على تراجع عدد قاعات السينما، وهو الصعود الصاروخي لأسعار العقار، بحيث «يقتنص المضاربون العقاريون فرصة الضائقة المالية، التي يتكبدها القائمون على بعض دور السينما، مما يضطرهم للتخلص من خسائرها المادية ببيعها، خاصة أنها توجد في مواقع مهمة داخل المدن ذات الكثافة السكانية العالية، وهذا ما يرفع ثمنها في السوق العقارية، وتشيد في مكانها عمارات سكنية أو مكاتب، يكون مردودها المالي أكبر».

وربطت آراء أخرى هذا التراجع بالحالة المزرية للقاعات السينمائية، وتحويلها إلى ما يشبه «الأوكار» للمنحرفين، وأعزوا نفور جمهور القاعات، لعدة أسباب، من بينها عدم انسجام الأفلام المنتجة أو المستوردة مع التحولات التي يعرفها المجتمع المغربي، واستمرار التعامل مع ظاهرة القرصنة بشيء من التساهل، مع عدم تطبيق القانون في حالات انتهاك حقوق الملكية الفكرية للأعمال السينمائية بشكل مستمر، فضلا عما سماه البعض بغياب «استراتيجية جدية للنهوض بالسينما المغربية»، ولا سيما ما يتعلق بالجانب النوعي للإنتاج السينمائي، وعدم العناية بالقاعات السينمائية.

وفي السنوات الأخيرة حدث نوع من المصالحة مع دور السينما، حيث انتعشت المجمعات السينمائية مثل «الداوليز» في سلا، و«ميغاراما» في الدار البيضاء، وأصبحت هي البديل لدور العرض الكلاسيكية ذات القاعة الوحيدة، والفيلم الواحد، لأن المركب السينمائي يعرض في قاعات صغيرة أفلاما متنوعة، تستجيب لجميع الأذواق الفنية، بالإضافة إلى أنها تتوفر على مرافق لتقديم خدمات الأكل والترفيه والترويح عن النفس، ويصبح الذهاب إلى السينما ممتعا، وتندرج فيها أبعاد الاستمتاع بالفرجة الجميلة.