فتح «سينما جنين» بعد 23 سنة من الإغلاق.. قصة نجاح فلسطينية

قصة أحمد إسماعيل الخطيب الإنسانية كانت وراء المشروع

دار «سينما جنين» («الشرق الأوسط»)
TT

اجتذب فيلم «اللمبي 8 جيجا» الجديد للفنان المصري محمد سعد، خلال الأسبوع الحالي، المئات من أهالي مدينة جنين الفلسطينية، شمال الضفة الغربية، الذين ذهبوا إلى دار «سينما جنين» لمشاهدته.

هذا مشهد غير مألوف إطلاقا في مدينة كانت لسنوات رمزا للمقاومة الفلسطينية السلمية والمسلحة، ومسرحا للعمليات العسكرية الإسرائيلية. وبعد إغلاق طال 23 سنة، فوجئ القائمون على «سينما جنين» بالمئات يتوافدون كل ليلة على الدار لمشاهدة عرض جديد. وقال طارق السويطي، المنسق الإعلامي للسينما، لـ«الشرق الأوسط»، معلقا «لم نكن نتوقع أبدا هذا المستوى من الإقبال. ففي كل ليلة يأتي ما بين 500 و700 مشاهد، وهذا تطور مفاجئ في مدينة صغيرة ومحافظة.. لا تتقبل أي جديد بسهولة». وأردف «كنا نتوقع أن يتعاملوا مع السينما كأحد الممنوعات.. لكن الناس أذهلونا حقا».

دار السينما، التي حظيت بدعم ألماني سخي، فتحت أبوابها بعرض قبل أسبوعين لفيلم «قلب جنين» للمخرج الألماني ماركوس فيتر، الذي يعتبر «الأب الروحي» لهذه السينما وصاحب فكرتها.

ويروي الفيلم حكاية الأب الفلسطيني إسماعيل الخطيب الذي قتل الجنود الإسرائيليون ابنه بالرصاص عام 2005 حين ادعوا أنهم ظنوا البندقية الدمية التي كانت بيده بندقية حقيقية، إلا أنه بدلا من أن يفكر في الانتقام تبرع بأعضاء ابنه لمرضى إسرائيليين، في خطوة اعتبرت لمسة إنسانية كبيرة. وهنا يقول فيتر «أعدنا فتح السينما بناء على رسالة إسماعيل.. هناك أمل». وخرجت الفكرة إلى النور بعدما أخرج فيتر الفيلم الذي حاز جوائز علمية، وجاء ليعرضه على إسماعيل وشعبه، لكنه لم يجد دارا للعرض. ومن هنا جاء بفكرة إعادة فتح الدار.. بتكلفة زادت على 400 ألف يورو.

إسماعيل الخطيب، من جهته، قال أمام دار السينما «اليوم أرى أحمد أمامي في مبنى السينما الذي جاء فيلم (قلب جنين) عنه. وها هو الآن يعود ليعلن للعالم ومن قلب جنين رسائل حب وسلام». وكانت ألمانيا قد قدمت مبلغ 324 ألف يورو كمساعدة مالية لتنفيذ مشروع إعادة إعمار السينما وترميمها في إطار مبادرة «فلسطين نحو المستقبل»، وهي مبادرة لدعم الشعب الفلسطيني عن طريق مشاريع محددة وسريعة التنفيذ، يمكن أن تسهم في تحسين الأوضاع الشبابية على نحو دائم.

وأوضح القنصل الألماني، غيتس غيتنبرغ، أن الحكومة الألمانية دعت إلى تنفيذ هذا المشروع الطموح، ورافقت خطوات تنفيذه أولا بأول بالشراكة مع «نادي سينما جنين». وأضاف غيتنبرغ أن «لهذه السينما مكانة خاصة تفوق مكانة السينما العادية، إنها مؤشر نحو السلام، وكان الدافع الرئيسي لإطلاق مشروع (سينما جنين) عمل إنساني محض تمثل في استعداد إسماعيل الخطيب للتبرع بأعضاء ابنه في خضم الانتفاضة الثانية». واعتبر القنصل الألماني أن دار السينما «تعبير عن المصالحة والانطلاق نحو السلام الذي أمكن تحقيقه في جنين».

أيضا، ساعدت الحكومة الألمانية في تدشين «المكتبة السينمائية»، التي جهزت بمساعدة المركز الثقافي الألماني، معهد «غوته»، ومنتدى الكومبيوتر للمشاريع الاجتماعية إلى جانب مدرسة لفن السينما واستوديو لترجمة الأفلام.

على صعيد آخر، قال هشام السويطي إن السينما «تعتبر جزءا من مركز ثقافي كبير من المفترض أن يضم شركات إعلان وإنتاج وترجمة.. وهذه مشاريع قيد التنفيذ الآن». وبسبب تنفيذ هذه المشاريع تحاول «سينما جنين» الاعتماد على دخلها الذاتي الآن، ولم يخف السويطي أن السينما تعاني من ضائقة مالية، موضحا «نعتمد على الحضور، ونطلب ثمنا رمزيا للتذكرة هو 10 شيكلات (2 يورو) للكبار و5 شيكلات (يورو واحد) للصغار».

على أي حال، خلال أسبوعين، تحولت دار السينما إلى متنفس للعائلات التي عانت طويلا جراء ممارسات الاحتلال الإسرائيلي، كما يقول السويطي. وللعلم، تعد جنين في طليعة المدن الفلسطينية التي خاضت مواجهات دامية مع الإسرائيليين وفقدت كثرة من أبنائها في الصراع المرير. غير أن دار السينما، في سبيل زيادة الدخل، ستقدم عروضا فنية على مسرحها الخارجي بجانب مسلسلات رمضانية، والأفلام التي تقدم في مسرحها الداخلي. ومن المفترض حسب برنامج السينما أن تشارك فرق فنية شهيرة، مثل «ولعت» العكاوية و«دار قنديل» من طولكرم، في عروض فنية بداية الشهر المقبل ضمن عدة عروض فنية مبرمجة.

السلطة الفلسطينية ترى في إعادة فتح السينما دليلا على استقرار الأمن وبداية النمو الاقتصادي في المدينة التي تعاني من أوضاع اقتصادية صعبة. وحرص رئيس الوزراء الفلسطيني سلام فياض، ومعه مسؤولون على حضور فيلم «قلب جنين» في الدار، وقال فياض «إن إعادة فتح السينما تعبر عن تناغم الأمل والإرادة في حكاية شعبنا الفلسطيني». واعتبر فياض أن مشروع السينما «يضع لبنة إضافية في المشروع الثقافي الفلسطيني، والنهوض بكامل مكوناته». وأضاف أن «حلم ياسر عرفات ورؤية محمود درويش، يتجسدان الآن في كل مشروع يضيف إلى شعبنا إمكانية البقاء والصمود، رغم كل ما يواجهنا من صعوبات.. إنهما (عرفات ودرويش) باتا يقتربان من الحقيقة التي لا بد منها، وهي ترسيخ الاستقلال الوطني على الأرض، وتجسيد حق شعبنا في الحياة الكريمة في دولة فلسطين المستقلة كاملة السيادة على حدود عام 1967، وعاصمتها القدس الشرقية».