بوادر توتر جديد على الحدود مع مليلية بعد تقارير عن تعرض مغاربة لاعتداء جديد

دعوة إلى مظاهرات من الجانب الإسباني لتفادي ترك «الفراغ»

TT

خيم التوتر من جديد على الحدود بين المغرب ومدينة مليلية التي تحتلها إسبانيا في شمال البلاد؛ إذ عقب إعلان الجمعيات الأهلية المغربية وقف محاصرتها لمدينة مليلية الخميس الماضي، تعالت أصوات من داخل مليلية، آخرها نداء أصدرته نقابة الشرطة الإسبانية في المدينة، تدعو الإسبان فيه إلى الخروج بدورهم إلى المنطقة العازلة عند الحدود للاحتجاج على المغرب، والدفاع عن إسبانيا، وعدم ترك المجال فارغا في المنطقة العازلة على الحدود للمتظاهرين المغاربة.

كما عاد الاحتقان إلى مدينة الناظور المغربية المجاورة لمليلية مع تردد أخبار حول اعتداء جديد للأمن الإسباني على شابين مغربيين يوم السبت الماضي، على الرغم من تضارب الروايات بشأن هذا الحادث.

وفي وقت ينفي فيه الأمن الإسباني حدوث أي اعتداء، موضحا أن الشابين المغربيين تم إيقافهما في ميناء سبتة وهما يحاولان التسلل إلى إحدى البواخر الإسبانية بهدف الهجرة، فإن الشابين أحمد بوزردة (23 سنة) ومصطفى قوضاضي (29 سنة) زعما أنهما دخلا مليلية في إطار توديع أقارب لهما سافروا إلى أوروبا عبر ميناء المدينة. ويضيف الشابان أن دورية تابعة للشرطة الإسبانية أوقفتهما بعد منتصف الليل، وما إن عرف رجال الأمن الإسباني هويتهما حتى انهالوا عليهما ضربا وجردوهما من وثائق الهوية والنقود التي كانت معهما، بالإضافة إلى الأحذية التي كانوا ينتعلونها، قبل إلقائهما على الحدود حيث تسلمتهم الشرطة المغربية.

غير أن مصادر من داخل مليلية تقول إن الشابين اعتقلا خلال محاولة التسلل إلى باخرة إسبانية سباحة بغرض الهجرة السرية. وأشارت المصادر إلى أن ثياب الشابين كانت لا تزال مبللة عندما اقتادهما الأمن الإسباني عند الحدود. وأوضح المصدر أن الشابين لم يكونا يتوفران على أية وثائق إدارية خلال اعتقالهما من طرف الأمن الإسباني.

ولم يستبعد سعيد الشرامطي، رئيس «جمعية الريف الكبير لحقوق الإنسان» في تصريح لـ«الشرق الأوسط» أن تكون الرواية الإسبانية صحيحة. إلا أنه أضاف أنه حتى في حالة صحتها فهناك انتهاك وتعسف، لأن الدورية الإسبانية التي اعتقلت الشابين المغربيين لم تتبع الإجراءات القانونية العادية، ولم تسلمهم لمفوضية الشرطة الإسبانية، وإنما ألقت بالشابين على الحدود.

وكان حادث اعتداء على مهاجرين مغاربة مقيمين في بلجيكا دخلوا المغرب عبر بوابة مليلية الحدودية منتصف الشهر الحالي، من طرف أفراد من الشرطة الإسبانية في مليلية أثار موجة من الاحتجاجات الرسمية والشعبية في المغرب. وقامت جمعيات أهلية مغربية، خاصة من مدينة الناظور المجاورة بتنظيم احتجاجات في المنطقة الحدودية العازلة. وحاصرت الجمعيات المحتجة مدينة مليلية، ومنعت عنها دخول الخضراوات والفواكه والأسماك الطازجة ومواد البناء.

وقال حسن مريجي، أمين عام النقابة المتوسطية للنقل والمهن، التي شاركت في الحصار: «تعتمد مليلية كليا على المناطق المغربية المجاورة لتزويدها بالخضراوات والفواكه والأسماك. كما تدخل مليلية يوميا نحو 40 شاحنة من الحجم الكبير محملة بالرمال والحصى والطوب وغيرها من مواد البناء. لذلك كان للحصار أثر كبير على اقتصاد المدينة المحتلة. وأعتقد أنه لو استمر لأسبوع آخر كان سيؤدي إلى اختناقها».

وقال مريجي لـ«الشرق الأوسط» إن اعتداء الشرطة الإسبانية على مهاجرين مغاربة فقط لأنهم لوحوا بالعلم المغربي احتفاء بعودتهم لوطنهم أثر فيه كثيرا. وأضاف: «قبل أيام خرجنا في مدينة الناظور عن بكرة أبينا نحمل الأعلام الإسبانية لمشاركة الإسبان فرحتهم بالفوز بكأس العالم. مرت الأمور بشكل عادي، نحن جيران ويربطنا التاريخ والجغرافيا وأشياء كثيرة. لكن الطريقة التي تعاملت بها الشرطة الإسبانية مع مغاربة عائدين من المهجر إلى وطنهم لا لشيء إلا بسبب التلويح بأعلام مغربية صغيرة، كانت لها انعكاسات سيئة علينا».

وقال عبد المنعم شوقي، رئيس تنسيقية فعاليات المجتمع المدني في شمال المغرب، التي قادت الاحتجاجات، لـ«الشرق الأوسط» إن عدد الاعتداءات والانتهاكات على حدود مليلية في تصاعد منذ مدة، وأضاف: «الإسبان أصبحت لديهم فوبيا من كل ما هو مغربي. فمند بداية العام الحالي مزق حرس الحدود الإسباني مئات من جوازات السفر المغربية، واعتدوا بالضرب على عشرات المواطنين. وهذا الواقع يجب أن لا يستمر. ونحن مستعدون للدفاع عن كرامة المغاربة حتى النهاية. وسننقل المعركة مستقبلا، معركتنا إلى داخل مليلية».

يشار إلى أن مدينتي سبتة ومليلية منحتا الحكم الذاتي في منتصف عقد التسعينات من القرن الماضي. وفي عام 1998 بدأت إسبانيا إنشاء السياج الأمني المزدوج والمجهز بأحدث وسائل المراقبة حول المدينة بذريعة مكافحة موجات الهجرة السرية للأفارقة القادمين من جنوب الصحراء. وتم بناء السياج الذي يبلغ طوله 6.5 متر بتمويل من الاتحاد الأوروبي، الذي أصبح يعتبر مليلية أرضا أوروبية، الشيء الذي أوقع الاتحاد الأوروبي في تناقض كبير في سياسته مع المغرب؛ إذ تتذرع سلطات الاتحاد الأوروبي في رفضها طلب انضمام المغرب إلى الاتحاد بكون المغرب يقع في القارة الأفريقية، وأن عضوية الاتحاد الأوروبي محصورة على البلدان التي تقع جغرافيا داخل القارة الأوروبية.

ومع الانتهاء من بناء السياج الأمني عام 2003 تقلصت أبواب مليلية إلى خمس بوابات هي، باب بني نصار، الذي يعتبر بوابة العبور الرئيسية بين مليلية والناظور، وباب باريتشينو، وباب فرخانة، اللذان يعتبران بابين ثانويين مع صلاحية عبور السيارات بالنسبة لباب فرخانة. أما باب سيدي ورياش فخصص لعبور المغاربة المقيمين في مليلية إلى المقبرة المجاورة بهدف الدفن. في حين قررت السلطات المغربية إغلاق باب ماري واري، وهو الباب الخامس، من طرف واحد لاعتبارات أمنية.

وفي حين يعتبر المغرب سكان مليلية مغاربة يتمتعون بكامل حقوق المواطنة، وحق الدخول والخروج بحرية عبر الحدود، فإن ولوج المغاربة المقيمين في منطقة الناظور والمناطق المجاورة يخضع لقانون أصدره الاتحاد الأوروبي عام 2003، ينص على أنه بإمكان هؤلاء دخول المدينة المحتلة عبر جواز السفر المغربي عند الحدود، بدل بطاقة الهوية كما كان في السابق. غير أن القانون لا يسمح لهؤلاء بالمبيت في مليلية، أي إن عليهم الدخول والخروج في اليوم نفسه.

ويدخل مليلية يوميا ما بين 20 إلى 30 ألف مغربي مقيم في المناطق المجاورة، إما بغرض العمل داخل المدينة المحتلة أو التجارة. تجدر الإشارة إلى أن عدد الذين يدخلون المدينة المحتلة كان أكبر بكثير في الماضي. غير أنه تراجع بنحو 50 في المائة خلال السنوات الخمس الأخيرة نتيجة تراجع الدور التجاري لمليلية مع احتدام المنافسة بين السلع القادمة من داخل المغرب والسلع التي تجلب من مليلية.

ويقول محمد ميمون، سائق سيارة أجرة في الناظور: «من قبل كانت الناظور مركزا تجاريا جذابا تشد إليه الرحال من مختلف مدن المغرب من أجل التبضع وشراء السلع التي تلج من مليلية بسبب أسعارها الرخيصة. أما اليوم فأصبحت السلع التي تأتي من الدار البيضاء أو التي تصنع محليا تنافس السلع القادمة من مليلية بالإضافة إلى توفرها على ضمانات مقارنة مع السلع التي تدخل من مليلية». وأضاف أن السلع التي تأتي من مليلية أصبحت تقتصر على الملابس المستعملة والخردوات، وقال: «ما نراه اليوم هو العكس تماما؛ إذ أصبحت السلع تدخل إلى مليلية من الناظور وليس العكس».