إيفا جولي القاضية النرويجية - الفرنسية.. تستعد لمنافسة ساركوزي على الرئاسة

الرئيس الفرنسي عاد إلى باريس في أجواء رمادية بسبب المشكلات الاجتماعية والاقتصادية وتدهور شعبيته

إيفا جولي
TT

عاد الرئيس الفرنسي نيكولا ساركوزي إلى قصر الإليزيه بعد ثلاثة أسابيع من العطلة الصيفية ليجد في انتظاره كمّا كبيرا من المشكلات الاقتصادية والاجتماعية، فضلا عن ذيول فضائح الصيف، بينما شعبيته تستمر في التدهور رغم الضجة التي أثارها مع وزيري الداخلية والهجرة حول مسائل الأمن والهجرة غير المشروعة ونزع الجنسية.

وفي استطلاع للرأي نشرت أمس نتائجه صحيفة «ليبراسيون»، تبين أن شعبية ساركوزي متدنية للغاية، حيث إن فرنسيا واحدا من أصل ثلاثة يدعمون تناوله لمشكلات الفرنسيين. وبالمقابل فإن 58 في المائة منهم يميلون إلى تأييد مدير عام صندوق النقد الدولي الاشتراكي دومينيك شتروس خان. كذلك يبين الاستطلاع أن ساركوزي يمكن أن يخسر الانتخابات الرئاسية أمام شتروس خان، ولكن أيضا أمام سكرتيرة عام الحزب الاشتراكي مارتين أوبري. فضلا عن ذلك يتمنى 55 في المائة فوز اليسار مقابل 35 في المائة يتوقعون فوز اليمين ربع عام 2012.

غير أن جديد الاستطلاع هو بروز وجه جديد في المشهد السياسي الفرنسي هو إيفا جولي التي يمنحها الاستطلاع، كمرشحة للرئاسة، دعم 16 في المائة من الفرنسيين، علما بأنها المرة الأولى التي يرد اسمها في استطلاعات الرأي، وذلك بعد أن طرح تجمع أحزاب وتيارات الخضر والبيئويين في فرنسا اسمها يوم السبت الماضي كمرشحة رئاسية أمام ساركوزي، وإلى جانب مرشحي اليسار الاشتراكي والشيوعيين وغيرهم من المتنافسين، بعد أقل من عامين. وكما في عام 2007، سيجد ساركوزي على طريقه امرأة. المرة الماضية كان اسمها سيغولين رويال، المرشحة الاشتراكية. والمرة القادمة سيجد إيفا جولي وربما أيضا مارتين أوبري، سكرتيرة عام الحزب الاشتراكي في حال نجحت في فرض نفسها في المنافسة الحزبية الداخلية.

وباستثناء انتماء الاثنتين إلى «الجنس اللطيف»، لا شيء يجمع أوبري وجولي. الأولى ابنة جاك ديلور، رئيس المفوضية الأوروبية لدورتين ووزير الاقتصاد لسنوات طويلة أيام الرئيس الاشتراكي فرنسوا ميتران. أوبري نشأت في بيت سياسي، وكانت وزيرة العمل والشؤون الاجتماعية في حكومة ليونيل جوسبان، ما بين عام 1797 و2002. وهي إلى ذلك رئيسة بلدية مدينة ليل، شمال فرنسا ونائبة سابقة، وأمينة الحزب المعارض الأول في فرنسا، أي الحزب الاشتراكي.

وبالمقابل، مسار إيفا جولي مختلف تماما. فهذه المرأة الشقراء البالغة من العمر 66 عاما هي بالأساس نرويجية الجنسية. اسمها غرو إيفا فارست، ولدت في حي شعبي في مدينة أوسلو عام 1943، وجاءت إلى باريس طالبة، واعتمدت ككثير من الطالبات اللواتي لا يمتلكن الوسائل الكافية لمتابعة دراستهن، على الاعتناء بأطفال عائلة برجوازية في أحد أحياء باريس الراقية التي وصلت إليها في عام 1964. وشاء القدر أن تقع في غرام الابن الأكبر للعائلة باسكال جولي الذي تزوجته بعد عامين وأنجبت منه ولدين. وإذا كانت إيفا جولي قد تخلت عن اسم عائلتها الأول، فإنها احتفظت بجنسيتها النرويجية، وخصوصا بلكنتها التي لا تحاول إخفاءها، بل إنها اتخذت منها سلاحا سياسيا تشهره في وجه خصمها السياسي الرئيس ساركوزي.

وقبل أن تضع إيفا جولي قدميها في ركب السياسة، ذاعت شهرتها يوم كانت قاضية تحقيق صعبة المراس في كل ما يتناول الفساد والرشوة. ففي التسعينات تعرفت فرنسا على وجه هذه المرأة التي وصلت إلى مهنة القضاء في الأربعين من عمرها عندما عهد إليها التحقيق في تسعينات القرن الماضي في ملف فساد طال شركة «ألف» الفرنسية النفطية التي اندمجت لاحقا مع شركة «توتال»، وعلاقة الشركة بوزير الخارجية الاشتراكي الأسبق رولان دوما. ورغم الضغوط لم يلِن عزم إيفا جوالي التي وصفت بـ«المرأة الفولاذية» ودفعت بالوزير إلى المثول أمام المحكمة. ثم غابت بعد ذلك عن السمع فعادت إلى أوسلو، حيث أصبحت مستشارة للحكومة، إلى أن جاء زمن الانتخابات الأوروبية صيف عام 2009 فذهب إليها رئيس تيار الخضر وتجمع «أوروبا - البيئة» دانيال كوهين بنديت، وطلب منها الترشح على اللائحة التي يشكلها. فقبلت العرض وحازت اللائحة على نسبة موازية من الأصوات التي حصل عليها الحزب الاشتراكي، ما يعني تجذر الخضر في البيئة الفرنسية وتحولهم إلى قوة سياسية حقيقية يحسب حسابها، وهو ما يعكسه إطلاق إيفا جولي مرشحة رئاسية قبل أقل من عامين على الاستحقاق الرئاسي.

وبما أن جولي لا تنتمي إلى «السرايا السياسية» التقليدية فإن لغتها مختلفة عن لغة السياسيين، إذ إنها لا تتردد في استخدام العبارات المباشرة، وهي من أشد منتقدي سياسة الرئيس ساركوزي الأمنية إزاء الأجانب والغجر... وكانت جولي أول من طالب باستقالة وزير العمل الحالي والمالية السابق أريك فيرت بسبب الفضائح المرتبطة باسمه وعلاقته مع زوجته بثرية فرنسا الأولى ليليان بتنكور وما يقال عن تبرعها بمبالغ طائلة لحملة ساركوزي الانتخابية الأخيرة. واتهمت جولي الرئيس الفرنسي بممارسة سياسة «تمييز عنصري» بحق الغجر وبسبب ما تعتبره الربط بين الإجرام والوافدين إلى فرنسا. ويتوقع أن تبقى إيفا جولي على هذا الخط السياسي المدافع عن «الأخلاق والمناقبية» في السياسة، والمندد بكل أشكال الفساد والداعي إلى قيام دولة قانون لا غبار عليها، وكلها مبادئ يمكن أن تجذب جانبا من الناخبين الفرنسيين الذين يرون أن ممارسات اليمين واليسار متشابهة وأنهم يريدون «دما جديدا» على المسرح السياسي.

لكن هل هذه الخصال ستكون كافية لإيفا جولي لفرض نفسها؟ من المبكر الإجابة على هذا السؤال. فحتى الأسبوع الماضي لم يكن اسمها مطروحا كمرشحة رئاسية، ولذا يتعين انتظار بعض الوقت لمعرفة رد فعل الفرنسيين إزاء هذا الوجه الجديد. ومن جانب آخر لا يمكن عزل ترشيح جولي عما سيحصل داخل الحزب الاشتراكي، إذ إن الخضر الذين سيوحدون قريبا كل أحزابهم وأجنحتهم في حزب واحد سيسعون مع الاشتراكيين إلى إبرام «برنامج حكم» للمستقبل وعين كل طرف على ما سيصدر عن صندوق الانتخابات عشية الدورة الرئاسية الأولى. والمفاجأة الكبرى ستحل في ما إذا نجحت جولي في التفوق على المرشح (أو المرشحة) الاشتراكي (أو الاشتراكية). وللتذكير فإن مرشح اليمين المتطرف جان ماري لوبن نجح في عام 2002 في الحلول في المرتبة الثانية في الدورة الانتخابية الأولى سابقا في ذلك المرشح الاشتراكي ليونيل جوسبان الذي خرج من المنافسة.