اعتبرت أن الدراما من أعظم ما يمس حياة الإنسان، كانت تروي القصص والروايات للعجائز في دار أهلها بجنوب السعودية، هكذا كان ولعها الأول بالحكاية والنص المسرحي.
توصلت في نظرياتها العلمية إلى أن الدراما في صورتها الأولى انطلقت من الجنوب الغربي للجزيرة العربية، خاضت غمار عالم المسرح في وقت كان المسرح السعودي فيه فنا ذكوريا نصا وأداء، رأت أن المسرح السعودي لا يزال مسرح هواة، واعتبرت أن المرأة السعودية حققت ذاتها وتغلبت على عدد من العقبات الاجتماعية والدينية.
تقدمت بكل مؤلفاتها بالمجان لوزير الثقافة والإعلام السعودي، ونالت الكثير من أوسمة التكريم في الكثير من المهرجانات والملتقيات الثقافية بمختلف الدول العربية، وكرمت مؤخرا في بلدها الأصلي، السعودية. مهاجرة وما زالت تعاني الغربة، التي ترى أنها انتهت بتكريمها في بلدها.. إنها عميدة المسرح السعودي الدكتورة ملحة عبد الله آل مزهر..
في القاهرة حيث مقر إقامتها الدائم حاورتها «الشرق الأوسط» حول عدد من القضايا المتصلة بالدراما والإبداع والمسرح السعودي، وشيء من ذكرياتها ومسيرتها العلمية والعملية، فكان هذا الحوار...
في البداية رغبت ملحة عبد الله في الحديث عن مشروعها، الحلم الذي بعث فيه ولي العهد الأمير سلطان بن عبد العزيز الحياة بعد مقابلته لها إبان رحلته العلاجية وتوقفه في مدينة القاهرة بجمهورية مصر العربية، حيث قالت ملحة: «تقدمت لسموه بدراسة ومشروع متكامل عن المسرح السعودي يحقق له وجود هيئة إدارية تنظم عمل المسرح المحلي»، واصفة المشروع بأنه حلمها الذي عملت عليه لعدة سنوات، وأجرت عليه الكثير من الإضافات والتعديلات، واستعانت بخبراء في مجال الهندسة وعلم الإدارة، معتبرة أن ذلك المشروع يحقق الأمان الوظيفي للفنان المسرحي السعودي، وينتقل به من مرحلة مسرح الهواة لمسرح المحترفين والمهنيين.
من جهة أخرى، أكدت ملحة أن المشروع جاهز في شكله النهائي، وأنها تنتظر الظروف المناسبة لتقديمه بين يدي ولي العهد السعودي.
وعن حياتها في السعودية تقول ملحة عبد الله: «ميولي للمسرح والدراما كانت منذ الصغر، فقد كنت مهتمة بقراءة القصص، كقصص الزير سالم أو سيف بن ذي يزن، وكنت وأنا طفلة أقوم بقراءة تلك القصص في جلسات نسائية وقت العصر، وكانت أمي تجمع النساء في بيتنا وأقوم أنا بقراءة مقاطع من تلك القصص عليهن، فكنت أمارس دور المرسل الذي يحكي القصص والروايات الشعبية منذ أن كان عندي عشر سنين.
وتضيف قائلة: «غادرت السعودية بعد المرحلة الثانوية، فكانت وجهتي القاهرة، حيث درست فيها المرحلة الجامعية بأكاديمية الفنون، وبعدها كانت وجهتي بريطانيا لمتابعة دراساتي العليا التي حصلت فيها من جامعة بروزيل كولدج على درجة الدكتوراه في النقد والدراما».
لملحة عبد الله ثلاثة من الأولاد وثلاث من البنات، وتقيم في القاهرة وترى أن بقاءها هناك «لم يكن للدراسة فقط، بل للبحث عن الانتشار من خلال ممارسة الفعل الثقافي من عروض مسرحية وملتقيات ثقافية ومقابلة النقاد والباحثين من مختلف أرجاء المعمورة»، بحسب وصفها.
وعن أسباب تخصصها في الدراما والمسرح، ترى ملحة عبد الله أن «أعظم شيء يمس الإنسان هو الدراما، لأنها الإحساس وفن السيطرة عليه»، وتعتبر أن «الدراما ليست فقط الفرح والحزن، بل معناها أكبر من ذلك هو القصة والرواية والحبكة والصراع»، ملمحة إلى أن «الصراع موجود عند البشرية منذ القدم»، وذلك ما حاولت أن تتحدث عنه في موسوعتها النقدية (حكمة النقد)، حيث أثبتت فيها أن أول بداية للدراما كان في جنوب الجزيرة العربية، لأن الإنسان البدائي هناك كان أول من سجل بخطه الحضارة البشرية، وتشير إلى أن هذا مثبت كذلك لدى رالف دانتون وويل ديورانت، وكل المراجع والمصادر التي توثق لتاريخ الحضارة، وكلها مجمعة على أن أول نول أو محراث كان من هناك في الجنوب الغربي للجزيرة العربية. وتستنتج ملحة من ذلك «أن الإنسان الأول الموجود في هذه المنطقة كان يتكلم بلغة الإشارة التي تعتبر أداء.
وتضيف: «ومن المعلوم أن الدراما هي فن الأداء، وبالتالي فالإنسان كان يمثل للمجموعة التي يعيش معها كيف استطاع صيد الفريسة التي معه، ويرسم وقائع ذلك الصراع مع الفريسة على الصخور، وهذا في حد ذاته الدراما والمسرح في أبسط صوره».
أول ممارسة لملحة عبد الله في الكتابة الدرامية المسرحية كانت على يد معلمها الأول صلاح المغني، رحمه الله. تقول: «كان يحثني على الكتابة بشكل دائم، وكأنه كان يتوسم في القدرة والإبداع في ذلك المجال».
وتؤكد ملحة أن أول كتابة حقيقية وفق منهج الكتابة كانت بعد تخرجها في الدراسات العليا عام 1991، حيث كتبت نصين توأمين، الأول «أم الفأس»، والثاني «المسخ»، مؤكدة أنها كانت تكتب بشكل مزدوج، بحيث تكتب نصين في الوقت نفسه، وتستغرب من كون كل عمل من تلك الأعمال الكتابية تنتهج نهج مدرسة كتابية درامية مختلفة عن الآخر، وأشارت إلى أن تلك الطريقة أصبحت طريقتها في كتابة النصوص.
وتشير إلى أن مسرحية «أم الفأس» لعبة شعبية، وهي من مدرسة المسرح الشعبي الكلاسيكي، أما مسرحية «المسخ» فهي من المدرسة التعبيرية التجريبية، وقد فازت مسرحية «أم الفأس» بجائزة الأمير خالد الفيصل بمسرح المفتاحة ومسرحية «المسخ» مثلت مصر في مهرجان المسرح التجريبي الدولي ومهرجان المسرح العربي الأول بعد تحقيقها عددا من النجاحات في عروضها الأولى.
وعن طقوس ملحة خلال ممارستها الكتابة والتأليف، ترى سيدة المسرح السعودي، أن أصعب ما يواجهها هو عقد العزم على الكتابة، فهي تعتبر تلك العقبة الأولى، بينما تجد أن الجو المحيط بها أثناء ممارسة الكتابة يجب أن يكون ذا طابع رومانسي، فهي تفضل تدليل شخص ملحة قبل الشروع في الكتابة، ولا تخفي اعتمادها على جلسات من الاسترخاء والتأمل لاستدعاء الأفكار.
وعن شخوصها في أعمالها الدرامية، فتؤكد ملحة استقلال تلك الشخوص عن شخصيتها، فهي تعتقد أن شخصية الكاتب عندما تقتحم مجال شخوص النص تجعل من العمل مجرد سرد لسيرة ذاتية للكاتب، مؤكدة التزامها بالموضوعية، وعدم إدخال شخصيتها في شخوصها المسرحية، وتعتبر أن هذا الأسلوب يورث النص استمرارية وخلودا، ولا يفنى بفناء كاتبه.
وترى ملحة أن نص مسرحية «حانة الربيع» الأقرب لها، بسبب كون النص يحوي شخصيتين من العجائز، وهي، بحسب وصفها، محبة لكبار السن بطبعها، والنص يحكي قصة عجوزين تجمعهما قصة حب لبعضهما، لدرجة أن يضحي أحدهما بحياته في سبيل الآخر.
ولا تخفي ملحة تفاعلها الداخلي مع بعض شخوصها الدرامية كما هي الحال مع بطل نصها المسرحي «السيد تاج» من مسرحية «مواطن رغم أنفه»، فهي تذرف دموعها في كل مرة تتعامل فيها مع النص، الذي كان يحكي قصة «السيد تاج» الذي كان يرفض بيع القلعة في بلدته، بعد أن وافق جميع الأهالي على بيعها، ولكن المرض الذي ألم به ومداواة ابنته ورعايتها له جعلت ملحة تحزن وتتفاعل مع ذلك الموقف الإنساني.
وعن مدى تأييدها لفكرة النهاية المفتوحة التي يعمد بعض الكتاب لتكون نهايات في نصوصهم الدرامية، تؤكد ملحة أنها تؤيد وتنتهج ذلك الطراز من الكتابة.
واعتبرت أن النهايات المفتوحة في الأعمال المسرحية على وجه الخصوص تترك للمتلقي حرية اتخاذ القرار تجاه القضية المطروحة أمامه وتجعله جزءا من الحدث.
وتم مؤخرا تكريم ملحة عبد الله في بلدها الأصلي السعودية. وعما إذا كانت ترى أن تكريمها قد تأخر، تقول إن تأخر تكريمها لم يكن بسبب غياب الفعل المسرحي عن الساحة الثقافية السعودية، وتشير لكونها كرمت سابقا في أثنينية عبد المقصود خوجة بجدة، وبحضور عدد من الوزراء والمثقفين والإعلاميين، إلا أن تكريمها الأخير في ملتقى النص المسرحي السعودي الذي عقد مطلع يوليو (تموز) الماضي، كان كعودة الروح المغتربة لملحة عبد الله لكونه التكريم الرسمي الأول لها في بلدها الأصلي السعودية، بينما تعتقد أن التكريم لم يكن متأخرا، لإيمانها بأن التكريم حينما يأتي للمبدع بعد أن يكون أكثر نضوجا أفضل من أن يناله في بداية مسيرته الإبداعية، فتكريمها - بحسب وصفها - جاء بعد تقديمها أكثر من 52 نصا مسرحيا وتأليفها أكثر من 30 كتابا ونيلها عددا من الدروع التكريمية والشهادات التقديرية في محافل ثقافية وفنية في مختلف أنحاء الوطن العربي.
ولم تر ملحة في ذلك التكريم ما يولد الحسد ضدها، فهي ترى أن المسرحيين السعوديين هم من قدموا ملحة لجمهور المسرح السعودي، وهم من أطلقوا عليها لقب «عميدة المسرح السعودي»، وتشير لرفضها فكرة كون التكريم يقع تحت السلطة الذكورية، فهي تؤمن بأن التكريم حق يناله المبدع، دون النظر إلى جنسه، امرأة كان أم رجلا.
وفي سياق تقييمها لوضع المرأة في السعودية ثقافيا، تقول ملحة إن وضع المرأة في السعودية يشهد حراكا جادا وإن الكثير من النساء في السعودية قد حققت إنجازات في مجالات مختلفة من مناحي الحياة العلمية والعملية، وترجع السبب في ذلك للحب المتبادل بين المرأة والعمل، الذي تقدم عليه ولرغبتها في تحقيق ذاتها، وتؤكد أن المرأة السعودية اقتحمت أصعب المجالات وهو - من وجهة نظرها - الكتابة الدرامية والمسرح، وتشير لوجود عدد من الرسائل العلمية في الدراسات العليا، قدمت من طالبات سعوديات، في نصوصها وكتابتها الدرامية.
وأكدت في الوقت ذاته أن خوض المرأة السعودية غمار العمل ونجاحها فيه يأتي من منطلق تحقيق معادلة تحويل العمل لعملية من المتعة والاستمتاع، بالإضافة لتغلب المرأة السعودية على عدد من العقبات الاجتماعية، والعادات والتقاليد من خلال زيادة مساحة التواصل بينها وبين العالم من حولها، فأصبحت المرأة السعودية - بحسب وصفها - أكثر وعيا ونضجا في التعاطي مع القضايا التي تمسها بشكل أكبر من ذي قبل.
وتشير ملحة لما انطوى عليه كتابها «حكمة النقد» من إشارة لنظرية الاغتراب والغربة في التلقي والثقافة، مما يوجد نوعا من عدم المتعة في العمل، وأشارت إلى ما ورد في دراسة فريدمان حول العالم المتكتل، معتبرا أن العالم العربي ليس من ضمن تلك المنظومة، مشيرة إلى أن تلك الدراسة دفعتها للبحث عن الأسباب التي أدت لحالة التأخر والتخلف لتجد من خلال دراستها المتعمقة أن الإنسان العربي يعيش حالة من الغربة والاغتراب على المستوى الفردي، وتضيف «فلا يجد متعة أثناء عمله أو خلال تلقيه للإبداع».
وأمام ذلك تقول ملحة «تلك الحالة سميتها (ثقافة الانسحاب) نتيجة لتلك الهوة بين المثقفين والمتلقين العاديين».
وأضافت أن «المتلقي العادي منسحب من أمام ما يصدره المثقف من إبداع لكون ذلك الإبداع لا يجد فيه المتلقي العادي أي متعة في تلقيه، فهو لا يتماس مع همومه اليومية وتطلعاته».
وتعود ملحة عبد الله للحديث عن واقع المرأة السعودية وتشير إلى استمرار ظاهرة وجود عدد من النساء السعوديات لا يزلن مكتفيات بحصولهن على الشهادة الدراسية دون تحقيق لذاتهن من خلال السعي للتواصل مع البيئة والمجتمع من حولهن، معتبرة أن الرجل في السعودية أكثر تواصلا من المرأة في مجال الاحتكاك بثقافات أخرى، مرجعة السبب في ذلك لمساحة الحرية الممنوحة للرجل، فهو قادر على السفر والتنقل بحرية أكثر.
وتصف ملحة مشاركة المرأة السعودية في المحافل الثقافية السعودية بأنها نوع من التظاهرة الثقافية - بحسب وصفها - ولا ترى فيها أي ضرورة حتمية لواقع المرأة الثقافي. وتستدرك ملحة بقولها: «أنا هنا لا أطالب بخروج المرأة من بيتها أو أن تلقي بحجابها، بالقدر الذي أطالب فيه المرأة في السعودية بتحقيق ذاتها من خلال تمسكها بعاداتها وتقاليدها، التي تشكل هويتها المميزة لها عن غيرها».
وتؤكد ملحة مسألة الهوية من خلال إشارتها لما تنص عليه الكثير من النظريات العلمية الحديثة، من كون الهوية لا تكون إلا بالاختلاف، فترى من وجهة نظرها أن «تميز السعوديين والسعوديات بأيقونات خاصة يعكس سلطة العادة التي نفتخر بها - بحسب وصفها - في كل مكان نكون فيه»، مؤكدة حرصها على أن تظهر بعباءتها وحجابها الكامل، أينما وجدت لقناعتها بأنه يشكل هويتها التي تفتخر بها.
واعتبرت في الوقت ذاته أن الكثير من النظريات الحديثة كالتفكيكية والبنيوية والحداثة وما بعد الحداثة تدعو لأن ينصهر الأفراد في بوتقة واحدة وعالم واحد، وهو من وجهة نظرها منتهى الغربة والاغتراب، وإن كان يحقق منافع على المستوى الاقتصادي أو الصناعي فإنه في الوقت نفسه لا يخدم الذات الفردية لدى الإنسان، فتصبح الذات لديه متشظية.
وفي هذا الصدد تدعو ملحة عبد الله لترجمة الأعمال الثقافية العربية للغات الأجنبية من أجل أن يطلع الآخر على ثقافتنا ويتعرف على هويتنا التي تميزنا عن غيرنا، من خلال خصائص الهوية ومميزاتها، معتبرة ذلك الأمر يؤدي إلى التئام ذات الإنسان العربي مع هويته، فيذوب الكيان المتشظي لديه.
وفي السياق ذاته تؤكد ملحة عبد الله عدم الذوبان في ثقافة الآخر، بل يجب أن يكون التعاطي مع تلك الثقافة بالتواصل، لا الذوبان فيها، قائلة: «أنا أتفق مع التواصل مع الآخر والتعاطي معه لا الذوبان في الآخر وثقافته».
وعن رؤيتها لمستقبل المسرح السعودي في ظل وجود جمعية للمسرحيين السعوديين، تقول ملحة عبد الله: «وجود الجمعية خطوة مبشرة وتدعو للتفاؤل»، ولكنها تعتقد أنه «كان يجب أن تظهر تلك الجمعية في وقت مبكر»، إلا أنها تستدرك «والجمعية وجودها ضروري لإبراز الفعل المسرحي المحلي وحماية الفنان المسرحي، كما تعد واجهة للمسرح السعودي خارجيا»، معتبرة الجمعية تمثل نقابة مهنية للمسرحيين، وتلمح للدور الذي لعبته من قبل الجمعية العربية السعودية للثقافة والفنون، إلا أنها تعتبر دور تلك الجمعية كان ضعيفا، ودون المستوى، ولا يرتقي لطموح المسرحيين.
وتشير ملحة عبد الله إلى أن المسرح في بلادها السعودية موجود وغير موجود في الوقت نفسه، وتحمل السبب في ذلك لعدم توفر هيئة إدارية مستقلة تنظم العملية المسرحية محليا، معتبرة في الوقت ذاته أن المسرح السعودي لن ينهض دون وجود موظفين حكوميين مفرغين لذلك العمل، فتقول ملحة: «إن وجود هيئة حكومية ذات طابع وظيفي لإدارة العمل المسرحي في السعودية يحقق للمسرح المحلي نضوجا واستمرارا لتقديم الإبداع».
وتشير لكون أكثر المسرحيين السعوديين يمارسون العمل المسرحي من باب الهواية وليس الاحتراف لانشغالهم بأعمالهم الوظيفية اليومية، لذا لا يستطيعون بذل المزيد من الجهد للمسرح المحلي.
بينما تعتبر ملحة أن ضعف الإمكانيات المادية المتوفرة لجمعية المسرحيين السعوديين يحد من قيامها بمهامها في الوقت الذي ترى فيه أن الجمعية عمل تطوعي في المقام الأول ولا يحق إلقاء اللوم على العاملين بها في حال عدم تمكنهم من القيام بمهامهم، وتشير ملحة إلى أن المسرح السعودي أكبر من الجمعية، فالمسرح بحاجة لتفرغ وتمويل ويحتاج لرقابة وتقرير واتخاذ قرار - بحسب وصفها -. وتضيف: «بل هو في حاجة لوجود مسؤول يكون مسؤولا أمام السلطة وأمام المجتمع وكذلك أمام الفنانين المسرحيين».
ولدى ملحة عبد الله تحفظات وانتقادات على المسرح الترفيهي، وترى أن المسرح يعاني في البدء من مشكلة عدم اعتراف المجتمع به، وتحمل مسؤولية وجود مثل تلك العروض المسرحية الضارة - بحسب وصفها - لانعدام الجهة المسؤولة عن المسرح السعودي، بالإضافة لعدم قيام النقاد المسرحيين بدورهم في التصدي لمثل تلك العروض الهزيلة، وتشير ملحة عبد الله إلى ظاهرة تفشت في المسرح السعودي، بسبب غياب الجهة الحكومية المسؤولة عن المسرح السعودي بشكل مستقل، وهي استيراد عروض مسرحية من دول عربية كمصر أو الخليج لا تحمل أي مضامين أو قيم سليمة، بل هي - بحسب وصفها - مجرد عروض للضحك، ويحمل البعض منها مضامين تحاكي وتدغدغ الغرائز.
وتؤكد من جهتها أن المجتمع السعودي في حاجة لمسرح كلاسيكي ذي طابع تعليمي أخلاقي، كما كان الوضع عليه في مسرح أوروبا في عصر نهضتها، لتشابه الأوضاع الاجتماعية والسياسية والأخلاقية والأعراف والتقاليد، مؤكدة أن المسرح التجريبي لا يتواءم مع الوقت الراهن، بل إنه - أي المسرح التجريبي - في مذاهبه ومدارسه التي يستقي منها منهجه لا يتفق مع بعض ثوابت الدين الإسلامي، وتلمح ملحة إلى أن المسرح الأخلاقي التعليمي هو ما تحتاجه السعودية الآن لمناقشة الكثير من القضايا التي في حاجة لهذا النوع من المسرح، كقضايا البطالة والعنوسة والفقر وغيرها. وتضيف ملحة: «المسرح يستطيع أن يستفز الوجدان الجمعي للمجتمع ويعمل ما يسمى بالانزلاق الوجداني داخل الإنسان من خلال التواصل بين المرسل (المسرح) والمتلقي (الجمهور) فيجعله يتخذ قرار التغيير، فتستطيع تغيير المجتمع بالمسرح الحقيقي والموجه».
وتؤكد ملحة على كون المسرح يعمل كعمل الكيمياء، فيغير البشر ويغير طريقة تفكيرهم «ويمكن الاستفادة من المسرح بالتأكيد على القيم والعادات والتقاليد وقيم الولاء للوطن»، معتبرة أن تكرار الأعمال المسرحية واستمرارية العروض تؤدي لتغيير الفرد المتلقي للأفضل. بينما تعتبر ملحة عبد الله أن عدم توفر جهة حكومية مسؤولة عن المسرح في السعودية أدى لظهور الشللية في المسرح المحلي، فاستفادت تلك الشللية من ذلك بجعل ما تقدمه من أعمال لا ترتقي لمستوى الإبداع والقيم المسرحية الحقيقية لتكون هي واجهة المسرح السعودي في المهرجانات الخارجية.
وبالعودة لسؤالها عن متى تنتهي غربة ملحة وابتعادها عن وطنها السعودية تقول: «أعتقد أنني لا أعاني من الاغتراب، ولكنني أعاني من الغربة»، وتشير إلى انتهاء غربتها بتكريمها في السعودية، مؤخرا، مشيرة إلى أنها كانت تشعر قبل ذلك التكريم بالغربة في السعودية، إلا أن المسرحيين السعوديين هم من عرفوها للمتلقي في وطنها الأم السعودية، بعد أن كانت غير معروفة لدى جمهور المسرح السعودي في وقت مضى، وتضيف ملحة: «أتمنى أن أعيش في السعودية وأكمل بقية حياتي فيها»، وتستدرك بالقول «ولكن لا يوجد لدي أرضية لأنطلق منها، فلا وظيفة لدي هناك تسهم في تحقيق ذاتي واستمراري في الكتابة».
وتختتم ملحة حديثها بدعوتها لوزير الثقافة والإعلام السعودي بأن يتبنى إعادة طباعة أعمالها المسرحية التي تبلغ 52 عملا مسرحيا وثلاثين كتابا، والتي ترى في الاستجابة لتلك الدعوة تحقيقا لحلم ملحة عبد الله في ملء فراغ المكتبة السعودية من الكتب المتخصصة في الدراما والمسرح السعودي، وفي الوقت نفسه تؤكد ملحة تنازلها الكامل عن حقوقها المادية مقابل أن يستفيد أبناء بلدها من منجزها الثقافي.