مسلمو كندا.. ثقافات متعددة تجتمع على الموائد الرمضانية

يعتبرونه شهر التلاقي والتآخي وتبادل الزيارات العائلية

يستعد المسلمون في كندا كل عام لاستقبال شهر رمضان المبارك وأداء فريضة الصيام والتزود من خيراته وفضائله كما هي الحال في البلاد الإسلامية («الشرق الأوسط»)
TT

تعتبر الجالية الإسلامية في كندا من الأقليات البارزة فيها، التي تقدر بنحو 600 ألف مسلم، موزعين في كل المدن الكندية، وبالأخص المدن الكبرى، مثل تورونتو ومونتريال. وكغيرهم من المسلمين في كل أقطار العالم، استعد المسلمون في كندا لاستقبال شهر رمضان المبارك وأداء فريضة الصيام والتزود من خيراته وفضائله كما هي الحال في البلاد الإسلامية، وقد لا يشعر المسلمون باهتمام المجتمع المحلي بخصوصياتهم الدينية، إلا أن حرية الدين والتعبير والاحتفالات الخاصة بالدين الإسلامي غير مقيدة بأي شكل من الأشكال، فتجد الأقليات المسلمة نفسها في جو متسامح ومنفتح يطبقون فيه شعائرهم وفرائضهم الدينية دون أي مضايقات أو ضوابط معينة.

«الشرق الأوسط» حاورت أحمد بلال الشامي، مؤسس ومدير هيئة الهجرة للإعلام في كندا، الذي يقول إنه مع نمو الجالية الإسلامية في كندا واندماجها الإيجابي في المجتمع بكل جوانبه الاقتصادية والاجتماعية والتربوية والسياسية. لقد بدأنا نرى في العقد الأخير اعترافا ومعرفة أكبر بطقوسنا وعاداتنا لدى الكنديين، كما بدأنا نلمس اهتماما من الكنديين الأصليين بالتعرف أكثر على المسلمين، واحتراما وتفهما أكبر بخصوصيات هذا الدين، فالمجتمع الكندي مجتمع منفتح ومتعدد الثقافات، يجد فيه كل مواطن الحرية في التعبير والاعتقاد، دون أي مضايقات أو عصبيات، فعندما تذكر كلمة «رمضان» بات مفهوما معناها في المجتمع المحلي، وكذلك بدأت وسائل الإعلام تهتم بعرض تقارير صحافية وإعلامية مرئية في وسائلها، تتتبع فيها أخبار المسلمين الكنديين خلال رمضان، وتلقي الضوء على العادات والطقوس المتبعة من خلال لقاءات أو زيارات أو مشاركة في حفلات الإفطار الخاصة والعامة، ويهتم الكثير من السياسيين وأعضاء البرلمان الكندي بتوجيه برقيات التهنئة والمباركة إلى المسلمين بمناسبة حلول شهر رمضان.

أما عن مظاهر الشهر الكريم بين المسلمين، فيوضح أن المحال التجارية العربية والإسلامية تبدأ بالتحضير لقدوم رمضان المبارك بأسابيع عدة قبل دخول الشهر الفضيل، فتبدأ في طرح بضائع رمضانية مختلفة من المأكولات والتمور والمشروبات وغيرها، وتوزع إمساكيات رمضان بشكل واسع في كل المدن، كما تزداد الاتصالات بين العائلات وزيارة المساجد، خاصة في الأيام الأخيرة قبل دخول الشهر لاستطلاعه والتأكد من ثبوت رؤية الهلال، حيث تعم الفرحة بين أبناء الجالية عند سماعهم خبر ثبوته.

أما خلال أيام الشهر المبارك، وعلى المستوى الاجتماعي فيحتفل المسلمون بشهر رمضان على طريقتهم، وبشكل عام ينشط المسلمون بالتلاقي والتآخي، حيث يتزاورون بشكل دائم ويتبادل الكثير من العائلات الدعوات على موائد الإفطار، ولكل عاداته في تبادل الزيارات والدعوات الرمضانية، كما تقام موائد الإفطار الجماعية في معظم المساجد والقاعات بشكل يومي طيلة أيام الشهر المبارك، حيث يجتمع فيها أبناء الجاليات الإسلامية من جنسيات مختلفة على مائدة واحدة لتناول طعام الإفطار سويا. وتتميز الجالية الإسلامية في كندا بأنها متعددة الثقافات، بحسب جنسيات أبنائها الأصلية والبلاد القادمين منها، فالمسلمون العرب قادمون إما من بلاد المغرب أو المشرق العربي أو العراق وبلاد الخليج العربي، وهناك مسلمون من باكستان والهند، وهم موجودون بشكل واسع، خاصة في مدينة تورونتو، ومعهم أيضا الأتراك والإيرانيون والبوسنيون والأفارقة وغيرهم، وعلى الرغم من تعدد الخلفيات الثقافية والإثنية لكل هؤلاء، وما يتبعه من تنوع في الملبس والمأكل والمشرب ومن ناحية العادات الاجتماعية التي يحملونها من أصولهم وما تربوا عليه فإنهم يحرصون على الحفاظ على هذه الموائد بما يشكل تمسكا بتقاليد الإسلام دون أي عصبيات.

ويضيف بلال: بخلاف ذلك، ونظرا لاختلاف الظروف والأحوال فلا يعرف المسلمون في كندا الأجواء العامة المعتادة لشهر رمضان في البلدان الإسلامية، مثل ما يسمى بالخيمة الرمضانية أو الحفلات الليلية، لأنها لا تتماشى مع عقلية المهاجر المسلم والتزامه، فغالبية المسلمين يحرصون على أداء صلاة العشاء والتراويح في المساجد، ومن ثم يعودون لمنازلهم في وقت متأخر للاستعداد للعمل في اليوم التالي، أما عن تزيين المنازل والاهتمام بنصب الديكورات الرمضانية كما هي الحال في الأقطار الإسلامية، فهي ظاهرة غير موجودة، ولا حتى في المحال التجارية أو المساجد، وذلك بخلاف عادات الكنديين من تزيينهم منازلهم واهتمامهم بنصب الأشجار والأضواء خلال أعيادهم ومناسباتهم، لكن يكون هناك اهتمام من جانب أصحاب المطاعم «الحلال» باستقبال زبائنها من المسلمين وقت الإفطار وتأمين الموائد الرمضانية بكل أشكالها، خاصة في قلب المدن، حيث يزداد وجود طلاب الجامعات والمعاهد.

وعن واقع المساجد في كندا يقول: المساجد في ازدياد في كل المدن الكندية، وفي مدينة مونتريال ما يزيد على 60 مسجدا ومصلى، أشهرها مسجد «السنة النبوية»، حيث تمتلئ هذه المساجد بالمصلين، خاصة عند صلاة الجمعة في الأيام العادية، أما في شهر رمضان، فتكتظ بالمصلين وقت صلاة العشاء لتأدية صلاة التراويح والاستماع للدروس والخطب الدينية، وكذلك تفتح المساجد أبوابها طيلة ليالي الشهر للمعتكفين، خاصة في ليالي العشر الأواخر، حيث تتوافد أعداد كبيرة من الصائمين لمزاولة الاعتكاف وتلاوة القرآن وقيام الليل.

وتستضيف غالبية المساجد عددا من الدعاة والمقرئين والمنشدين في كل عام، وهم إما ضيوف مدعوون أو مبعوثون من بعض السفارات الإسلامية، حيث يقومون بالوعظ والخطب الدينية، ويتلون القرآن الكريم بأصواتهم العذبة، مما يزيد من الأجواء الإيمانية التي يتعطش إليها المهاجر المسلم في غربته، ويلبي الضيوف دعوات عامة، خاصة للحديث أو الإجابة عن بعض التساؤلات الفقهية، وتناول طعام الإفطار وغيرها من الأنشطة الدعوية.

كذلك يشهد شهر رمضان نشاطا كبيرا من جانب المؤسسات الدينية التي تتميز بالتعدد على مستوى الأنشطة، فمنها من يعمل في الحقل السياسي أو الإعلامي أو الاجتماعي أو التربوي، التي تقدم جهودها لكل أبناء الجالية، حسب تنوعهم النوعي والعمري، خاصة عمر الشباب، الذين يمثلون الجيل الثاني والثالث من أبناء مولودين في كندا لآباء مهاجرين، بما يعمل على اندماجهم الإيجابي في المجتمع الكندي من ناحية، والحفاظ على دينهم والتزامهم من ناحية أخرى.