صندوق النقد الدولي يتوقع ارتفاع إجمالي الناتج المحلي غير النفطي في السعودية إلى 4.25% في عام 2010

قال إن دفعة التنشيط المالي الكبيرة أدت إلى دعم النشاط الاقتصادي.. وتوقع أن يظل التضخم في حدود 5%

TT

أكد صندوق النقد الدولي أن آفاق الاقتصاد السعودي إيجابية بوجه عام، مشيرا إلى أن أبرز المخاطر تتمثل في حدوث انخفاض حاد في أسعار النفط، وإن كان ذلك بعيد الاحتمال، متوقعا في الوقت ذاته ارتفاع إجمالي الناتج المحلي غير النفطي في السعودية إلى 4.25 في المائة، في عام 2010، مع استمرار الدعم المستمد من موقف المالية العامة التوسعي وتحسن أوضاع الائتمان.

وقام المجلس التنفيذي لصندوق النقد الدولي، بعد أن اختتم مشاورات المادة الرابعة مع السعودية لعام 2010م، بمناقشة التقرير الذي أعده موظفو الصندوق عن المشاورات، والوضع السعودي قائلا: «إن السعودية كانت مهيأة تماما لمواجهة الأزمة العالمية، بفضل اعتماد أطر رقابية وتنظيمية سليمة، واتباع سياسات اقتصادية كلية ومالية رشيدة في السنوات السابقة».

وقد أصدر صندوق النقد الدولي ملخصا لمرئيات خبراء الصندوق عن الوضع الاقتصادي وسياسات الحكومة في هذا الشأن، إضافة إلى خلاصة لمناقشات مجلس إدارة الصندوق للتقرير.

وقال خبراء الصندوق في ملخصهم: «إن السعودية كانت مهيأة تماما لمواجهة الأزمة العالمية، بفضل الدروس المستفادة من التجربة التي خاضتها في منتصف ثمانينات القرن الماضي، عندما انهارت أسعار النفط، وتعرضت المملكة لأزمة مصرفية حادة. وأدى الحذر في سياسة المالية العامة إلى توفير الحيز المالي اللازم لاتخاذ إجراءات قوية في مواجهة الأزمة العالمية. وكان للأطر الرقابية والتنظيمية السليمة أكبر الأثر أيضا في تعزيز قدرة القطاع المالي على الصمود في مواجهة الأزمة.

وأصبحت السياسة الاحترازية الكلية المضادة للاتجاهات الدورية على وجه الخصوص من السمات المعتادة في منهج إدارة المخاطر، المعتمد لدى مؤسسة النقد العربي السعودي.

وأدت دفعة التنشيط المالي الكبيرة إلى دعم النشاط الاقتصادي، كما امتدت آثارها الإيجابية إلى الخارج، فارتفعت تحويلات العاملين بنحو 20 في المائة، لتصل إلى 25 مليار دولار، وأبدى النمو غير النفطي صمودا ملحوظا عند مستوى 3.8 في المائة في عام 2009، بانخفاض لم يتجاوز 0.5 نقطة مئوية عن المسجل في عام 2008، على الرغم من التأثيرات العالمية المعاكسة.

وتشير التوقعات، بحسب تقرير الصندوق، إلى حدوث تحسن في كل من حساب المالية العامة والحساب الخارجي، انعكاسا لتحسن الإيرادات النفطية، كما لفتت إلى أنه من المتوقع أن يظل التضخم في حدود 5 في المائة في عام 2010، متأثرا باستمرار تضخم أسعار الإيجارات والمواد الغذائية وموقف المالية العامة التوسعي والسياسة النقدية التيسيرية.

ويُنتظر أن يتراجع التضخم تدريجيا بعد عام 2010، تمشيا مع الارتفاع المتوقع في أسعار الفائدة العالمية، والخروج تدريجيا من مرحلة التنشيط المالي.

وأثنى المديرون التنفيذيون على الحكومة لمبادرتها في الوقت المناسب باتخاذ تدابير قوية على صعيد السياسات، لا سيما دفعة التنشيط المالي الكبيرة الموجهة بدقة، وما أبدته من مهارة في إدارة السياسة النقدية، بحيث استطاعت الحد من تأثير الأزمة، ودعم النمو القوي في القطاع غير النفطي، والمساهمة في تنشيط الطلب العالمي.

وتبدو آفاق الاقتصاد إيجابية على الرغم من وجود بعض المخاطر، لا سيما الناشئة عن تقلب أسعار النفط. وأيد المديرون خطط الحكومة لسحب إجراءات التنشيط المالي، وإعادة نمو الإنفاق إلى مستويات قابلة للاستمرار، متى أصبح النمو الاقتصادي قادرا على الاستمرار ذاتيا، كما رحب المديرون بالجهود المبذولة لتحديث إجراءات تحصيل الإيرادات، وأوصوا بمراجعة كفاءة الإنفاق بصفة دورية، وتنفيذ الإصلاحات الرامية إلى التخطيط للإنفاق ضمن إطار متوسط الأجل.

وأيدوا الجهود التي تهدف إلى إبطاء نمو الاستهلاك المحلي للمنتجات النفطية، مشيرين إلى أن إجراء إصلاح شامل لنظام الدعم من شأنه أن يسهم في خفض التكاليف التي تتحملها المالية العامة.

ورأي المديرون أن السياسة النقدية ينبغي أن تظل حريصة على الموازنة بين دعم النشاط الاقتصادي والسيطرة على التضخم، وعلى الرغم من ملاءمة الموقف النقدي الراهن، فسوف يتعين امتصاص السيولة الزائدة إذا ما ظهرت ضغوط تضخمية.

وأيد المديرون قرار الحكومة بمواصلة ربط سعر الصرف بالدولار الأميركي، وهو نظام أتاح الاعتماد على ركيزة اسمية موثوقة ومستقرة، وأسهم في تحقيق الاستقرار الاقتصادي الكلي، مشيرين إلى تقييم الخبراء، الذي يفيد باتساق مستوى سعر الصرف مع أساسيات الاقتصاد بوجه عام، في حين أقروا بوجود عيوب منهجية في هذا التقييم في حالة البلدان المصدرة للنفط.

وركزت عمليات مؤسسة النقد العربي السعودي على تعزيز الثقة في الجهاز المصرفي وحفز النمو الائتماني. وقد أبدى الجهاز المصرفي صمودا مستمرا بتجاوزه الأزمة فظلت البنوك رابحة، على الرغم من تراجع الأرباح المحققة بنسبة 10 في المائة في عام 2009، بسبب زيادة مخصصات خسائر القروض، ولا تزال القروض المتعثرة منخفضة نسبيا على الرغم من ارتفاعها في عام 2009. وتتيح نسبة كفاية رأس المال البالغة 16.5 في المائة هامشا كبيرا للوقاية من الصدمات المعاكسة.

وقد مر الائتمان المصرفي المقدم للقطاع الخاص بمرحلة استقرار في عام 2009، على الرغم من وفرة السيولة، لكن هذا الاستقرار لم يشكل قيدا كبيرا على النمو، نظرا لتوافر مصادر تمويلية بديلة.

وتميز قطاع الشركات المسجلة في سوق الأوراق المالية بسلامة أوضاع ميزانياته العمومية في نهاية عام 2009. غير أن الربحية كانت أقل من مستوياتها في السنوات السابقة على الأزمة (فضلا عن قطاع الاستثمار المتعدد)، حيث انخفضت بنحو 30 في المائة في عام 2009 مقارنة بعام 2008.

وأعرب المديرون عن رأيهم في سلامة أساسيات الجهاز المصرفي، مشيرين إلى أن أبرز الدروس المستفادة من الأزمة أهمية الاستمرار في تحسين التقييمات الائتمانية التي تجريها البنوك، وفي زيادة الشفافية والإفصاح، لا سيما من جانب المؤسسات الكبرى. وعلى الرغم من الدور الأساسي الذي أسهمت به مؤسسات الإقراض المتخصصة الحكومية أثناء الأزمة، فإن الأنشطة التي تزاولها ينبغي أن تخضع للمراجعة في مرحلة ما بعد الأزمة. ورحب المديرون بتحسن آفاق الائتمان في الآونة الأخيرة التي تكتسب أهمية كبيرة في تحقيق النمو الاقتصادي مستقبلا. ورأوا أن تطوير سوق السندات المحلية عنصر مهم في تنويع مصادر تمويل الاقتصاد ودعم قدرته على الصمود في مواجهة الأزمات.

وأشاد المديرون بالحكومة السعودية لدورها القيادي في تحقيق استقرار أسواق النفط، واستمرارها في تنفيذ الخطط الموضوعة لتوسيع طاقتها الإنتاجية على الرغم من انخفاض أسعار النفط وتراجع إنتاجه إلى مستويات قياسية.

وأقر المديرون بأن التحدي الأكبر على المدى المتوسط هو إنشاء فرص العمل اللازمة لمواكبة النمو السكاني السريع، من خلال النمو المرتفع والقابل للاستمرار في القطاع غير النفطي. وسيتطلب إحراز هذا الهدف منهجا متعدد الأبعاد، تصاحبه إصلاحات هيكلية في مختلف قطاعات الاقتصاد، بما فيها سوق العمل ومواصلة التقدم في إصلاح نظام التعليم والتدريب وتحسين مناخ العمل.

ومن شأن معالجة الثغرات في الإطار المنظِّم لإجراءات الإعسار وحقوق الدائنين أن يسهم في تخفيف قيود التمويل على المنشآت الصغيرة والمتوسطة. ورحب المديرون بتصميم الحكومة السعودية على مواصلة تحسين جودة البيانات الإحصائية ونطاق تغطيتها، وأيدوا طلبها الحصول على المساعدة الفنية من صندوق النقد الدولي في هذا المجال. وأثنى المديرون على الجهود الكبيرة التي تبذلها الحكومة في مكافحة غسل الأموال وتمويل الإرهاب، وحثوها على مواصلة تلك الجهود وفق التقييم الأخير الذي أجرته «فرقة العمل للإجراءات المالية المعنية بمكافحة غسل الأموال».