طالبان لـ «الشرق الأوسط»: جدع أنف «عائشة الأفغانية» شأن عائلي.. إلا أنه كان أسوأ دعاية ضدنا

الملا أحمدي: الخائفات من عودة طالبان إلى الحكم ربما «متفرنجات» يعشن في الخارج

الأفغانية عائشة في طريقها إلى الولايات المتحدة لإجراء عملية تجميل بعد أن جدع زوجها أنفها وأذنيها في صورة من أبشع صور الانتقام (نيويورك تايمز)
TT

االحديث مع الملا قاري يوسف أحمدي المتحدث الإعلامي باسم طالبان جاء مصحوبا برسالة اعتذار عبر البريد الإلكتروني بسبب التأخر في الرد على استفسارات «الشرق الأوسط ». وتحدث الملا أحمدي عما سماه الحرب النفسية التي تشن ضد مقاتلي الحركة في الإعلام الغربي، واعترف بأن قضاة الحركة هم الذين نفذوا حد الرجم في الزناة في مديرية أمام صاحب بشمال أفغانستان، وقال إن جدع أنف عائشة الأفغانية التي تصدرت صورتها مجلة «تايم» الأميركية والصحف العالمية، كان أسوأ دعاية ضد الحركة، رغم أن زوجها هو الذي نفذ تلك العملية وليس رجاله. وجاء الحوار مع «الشرق الأوسط» على النحو التالي:

* ما الحقيقة فيما تردد من رجم عناصر من حركة طالبان رجلا وامرأة حتى الموت في شمال أفغانستان، وحكم حركة طالبان على شابة أفغانية في الـ23 من العمر ورجل متزوج في الخامسة والأربعين بالرجم حتى الموت أمام العشرات من طالبان في ولاية قندوز؟

- نعم في مديرية أمام صاحب هربت إحدى السيدات المتزوجات من قبيلة تركمان مع رجل آخر من قبيلة من البشتون، وهو أيضا كان متزوجا وهذا الأمر كان يؤدي إلى نزاع داخلي بين القبيلتين المذكورتين فقام وجهاء القبيلتين بتقديم الشكوى إلى مسؤولي طالبان في المنطقة، ومسؤولو طالبان من جانبهم تولوا التحقيق ومباشرة القضية إلى جانب وجهاء وعلماء المنطقة، وقد تم القبض عليهما من قبل وجهاء المنطقة، واعترفا بارتكاب الفاحشة أمام اللجنة الشرعية، فلذلك أصدر العلماء حكم الرجم عليهما، وأيدت محكمة طالبان، نفس الحكم الصادر عليهما وبالفعل تم تنفيذ الرجم عليهما في سوق منطقة ملاقلي، وقد شارك في رجمهما حتى الموت حشد كبير من أهالي المنطقة.

*كيف تنظرون إلى تشويه أنف عائشة الأفغانية التي تصدر وجهها الصحف العالمية وباتت أسوأ دعاية ضدكم؟

- هذه الأمثلة هي نماذج من الحرب النفسية التي يشنها الاحتلال الأميركي على حركة المقاومة التي تقودها الإمارة الإسلامية بنجاح. وهي حرب بدأت منذ وصلت حركة طالبان إلى السلطة عام 1996 ويئست الولايات المتحدة من تحويلها إلى حركة تابعة لهم تحكم بغير ما أنزل الله وتمرر مشاريعهم في أفغانستان والمنطقة. وكلما تأكد فشل أميركا وحلفائها في العمل العسكري زاد تشديدهم على الحرب النفسية التي تعتمد على الإشاعات والوقيعة بين طوائف الشعب. واختلاق الأكاذيب جزء من تلك السياسة، وكذلك أسلوب الادعاء على طالبان بالقيام بأعمال لا صلة لهم بها مثل حادث «عائشة الأفغانية» التي تسأل عنه، وهي التي اعترفت بأن زوجها قام بجدع أنفها وأخوه كان يساعده في ذلك. وقد شرحنا في بيان خاص ملابسات ما حدث لها، وأنه شأن عائلي لا دخل للإمارة به، وقد استنكرناه في بيان خاص وقلنا إن الفاعل يستحق عقوبة مشددة على عمله الشنيع. أما تشنيع الصحافة العالمية علينا فهو ليس بالأمر الجديد ومستمر منذ ما قبل العدوان علينا واحتلال بلادنا، بل إنه كان جزءا ممهدا لذلك العدوان. ويمارس معظم الإعلام الغربي عدوانا دائما علينا بترويج الأكاذيب بهدف التغطية على حقيقة الجرائم التي ترتكبها جيوش بلادهم على أرضنا وضد شعبنا.

*ما تعليقكم على ما يثار في الغرب من أنكم «دولة من القرن الـ15» أو من العصور الوسطى؟

- إنهم يريدون بذلك الطعن على الإسلام نفسه الذي يصفون شرائعه بنعوت لتنفير الناس منه، وصدهم عنه مدعين أن شرائعه هي تخلف وبدائية تتعارض مع حضارتهم ومع ما يدعون أنه حقوق الإنسان. وقد اكتشف معظم المسلمين كذب تلك الإدعاءات.

نحن حكمنا أفغانستان قبل حكومة كرزاي، ويعترف الأميركيون ومن على شاكلتهم بالأمن الأنسب الموجود فيها حيث لم يتعرض أحد فيها إلى التعذيب بواسطة الكلاب ولم تكن فيها السجون السرية، ولا مداهمات ليلية لبيوت الأبرياء ولا قصفهم وحرقهم بواسطة القنابل الفسفورية، ولا أدري ماذا يسمون حكومة الأميركيين مع هذه الأعمال الإجرامية في القرن الـ21. إن شعبنا يصر على تطبيق شرائع الإسلام في الحكم وفي كافة مناحي الحياة ولن تصدنا السموم التي يبثها إعلام الأكاذيب الذي يموله اليهود وأعداء الإسلام من دوائر الاستعمار.

* ما تعليقكم حول تقرير الأمم المتحدة حول مسؤولية عناصر الحركة في سقوط ثلاثة أرباع المدنيين في أفغانستان منذ مطلع السنة؟

- نحن نستغرب من أن منظمة الأمم المتحدة تجعل نفسها أداة وخادمة للمصالح الأميركية، وهل هي حقا تعتبر منظمة دولية بعد كل هذا الانحياز للجانب الأميركي؟ وبلغت بها الجرأة في الكذب إلى درجة ترويج مثل تلك الدعاية التي لا يتصورها أحد. لقد قتلت القوات الأميركية خلال الشهر الماضي أكثر من 100 شخص مدني وقد اعترفت بنفسها بقتل هؤلاء المدنيين ولكن الأمم المتحدة تحمل الإمارة مسؤولية قتل المدنيين في تقريرها.

إن شعوب العالم جميعا تعلم أن أميركا تفرض على شعبنا القبول ليس بنثر الزهور من الطائرات بل بقصف القنابل المحرمة دوليا، وبات مشهورا عدوانهم على شعبنا بشتى الوسائل بدءا من الكلاب المفترسة وصولا إلى أحدث الأسلحة وأشدها فتكا. ومنذ بداية عدوانهم وحتى الآن وحفلات الأعراس تشكل هدفا دائما لطائراتهم.

ويعالجون جرائمهم بالادعاء بأن طائراتهم تعرضت لنيران معادية أو أنها كانت تستهدف تجمعا طالبان. وإذا ضاقت عليهم سبل الكذب ادعوا بأن القصف ناتج عن معلومات استخبارية غير دقيقة. ونادرا ما تبرعوا بعدة دولارات لإسكات أهالي الضحايا. لكن منظمة الأمم المتحدة تغمض على كل هذه الأحداث المؤلمة.

إن شعبنا الذي يعيش تلك الأحداث يوميا يصر على طرد الاحتلال ومعاقبته على جرائمه لذا نرى تدفق الرجال والشباب من شتى الأعمار للانضمام إلى صفوف المجاهدين وتقديم شتى أنواع الدعم إليهم. وأمثال تلك الأكاذيب تؤدي إلى عكس ما يتمناه العدو ذلك أن وعي شعبنا كبير وعنده من الخبرة بأساليب المحتلين ما يكفل له اكتشاف الخدع والأكاذيب والرد عليها بالوسائل الجهادية المناسبة.

*لماذا تتخوف السيدات الأفغانيات من أنباء المصالحة مع طالبان أو عودتكم إلى الحكم أو بعبارة أخرى، التفاوض مع طالبان بات يعني تهديدا لحقوق الأفغانيات؟ وماذا ستفعلون بعشرات الآلاف من مدارس البنات التي أنشأتها حكومة كرزاي؟

- هذا أيضا جزء من إشاعات الحرب النفسية التي يروجها الاحتلال ووسائل إعلامه. فمن أين لهم معرفة آراء السيدات في أفغانستان؟ ومتى قاموا بسؤالهن جميعا؟.. إن السبب المباشر لقيام حركة طالبان بتأسيسها عام 1994 كان انعدام الأمن على طرقات أفغانستان وعلى الأخص ما تعرضت له العديد من السيدات من اختطاف واعتداء على يد المسلحين المنتشرين على طرق البلد مدعومين بزعماء مجاهدي كابل من رؤساء الأحزاب الذين تزعموا حروب المجاهدين الأهلية وعصابات زعزعة الأمن.

وسكان كابل ما زالوا يتذكرون كيف أن فتيات المدارس كن يتعرضن للخطف والاحتجاز لدى قادة المجموعات المسلحة ويتعرضن للاعتداء قبل أن يطلق سراحهن أو يقتلن بعد أيام ودون أن يجرؤ أحد على مجرد الاستفسار عنهن.

والآن ماذا يفعل المحتلون للحفاظ على حقوق النساء وكرامتهن؟؟.. أنتم كرجال أعلام بدلا من ترديد إشاعات الاحتلال عليكم بالذهاب إلى العاصمة والتحري عن أوضاع النساء هناك كما في باقي أنحاء أفغانستان.

إن المحتلين يبذلون غاية الجهد في نشر الفاحشة في البلاد وترويجها وتسهيلها بكافة الطرق.

كما أن الفقر الذي نشره المحتلون ونظام الحكم الفاسد الموالي لهم جعل المرأة أكبر ضحايا المجتمع، بعد أن فقدت المرأة العائل والمأوى وتعرضت لشتى ضغوط الغواية حتى إن المرأة الشريفة قد لا تجد حلا سوى بيع فلذات كبدها لشركات وعصابات دولية تزخر بها كابل. وأبدع الغربيون المحتلون عمليات الحمل بالأجرة لاستغلال الفقيرات. فأي كرامة بقيت للمرأة في ظل الاحتلال؟.

مثل تلك التصريحات الحاقدة على الشريعة الإسلامية والتي تتباكى على حقوق المرأة، وتدعي خوف النساء من عودة الحكم بالشريعة في الإمارة الإسلامية ربما كان مصدرها في أفضل الأحوال شهادات بعض أفغانيات يعشن منذ سنوات طويلة في دول الغرب أو أنهن ولدن هناك وصرن في الواقع غربيات يحملن أسماء أفغانية وحاليا يشاركن مع الأجانب في احتلال أفغانستان فهن لا يمثلن بحال المرأة الأفغانية الشريفة المجاهدة التي تقف صامدة تدفع زوجها وأبناءها إلى ميادين الجهاد دفاعا عن الدين والعرض والشرف الأفغاني. إن حرية المرأة وكرامتها لا يمكن حفظها خارج الشريعة الإسلامية. أما عن ماذا سنفعل بعشرات الآلاف من مدارس البنات، فإننا سوف نبني آلافا أخرى من مدارس البنات والأولاد، ويتحول التعليم كله إلى تعليم قائم على تعاليم الإسلام إلى جانب العلوم الحديثة التي تمكن شعبنا من بناء بلده دون الحاجة إلى خبرات خارجية.

*كيف ترون حل مشكلة زراعات المخدرات.. وهل حقا تستفيدون منها في المكوس أو ضرائب كما يردد الإعلام الغربي؟

- معلوم للعالم أجمع أننا أوقفنا زراعة الأفيون بقرار من الإمارة عام 2000 وكان ذلك هو السبب الأكبر الذي عجل بغزو بلادنا لأن الولايات المتحدة هي المستفيد الأول من زراعة الأفيون في أفغانستان وزراعة الكوكا في كولومبيا وباقي دول أميركا الجنوبية. وقد شهد تقرير الأمم المتحدة بأن إنتاج أفغانستان من الأفيون عام 2001 انخفض من نحو 3600 طن في السابق إلى 185 طنا فقط معظمها أنتجه تحالف الشمال الأفغاني المتحالف مع أميركا.

أما الآن والبلد رازح تحت الاحتلال، ولأميركا وحلفائها قوات مسلحة تصل إلى أكثر من 150 ألف جندي إلى جانب أكثر من 200 ألف مرتزق في الشركات الأمنية الأميركية مضافا إليهم عشرات الآلاف من الجيش المحلي العميل وأكثر منهم من الميليشيات والمرتزقة المحليين، نجد أن إنتاج الأفيون تصاعد إلى درجات غير مسبوقة وتخطى 9000 طن حسب بعض التقديرات.

إن القوات الأميركية تسخر معظم قواتها لحماية محصول الأفيون في هلمند التي حولوها إلى أكبر مزرعة للأفيون في العالم. ثم إنهم يقومون بتحضير الهيروين في قواعدهم الجوية وتقوم الطائرات الأميركية بنقله إلى شتى أرجاء المعمورة. وهم يطلبون من كرزاي المساعدة في تجميع الأفيون من المزارعين واستخدام القوات المسلحة المحلية مع الشرطة ودوائر الأمن الأخرى لمكافحة عمليات التصنيع والتهريب التي تقوم بها عصابات محلية من خارج نطاق الرسمي للاحتلال.

نحن نطالب بلجنة تحقيق دولية للتحري عن صحة تلك المعلومات وإعطاء تلك اللجنة صلاحيات التفتيش ودخول القواعد العسكرية وتفتيشها لضبط مصانع الهيروين؛ كي نخرج جميعا من خطر الهيروين الذي صار وباء يضرب العالم على يد أميركا التي هي معقل لأكبر مافيات المخدرات في العالم والتي يمتد نفوذها إلى كل المرافق وكبار مسؤولي الدولة الأميركية خاصة في الجيش والاستخبارات.

*كيف ترون تحقيق دعوة قيادة طالبان بالتعاون مع حلف شمال الأطلسي للتحقيق في مسألة قتل المدنيين بعد أيام على اتهام الأمم المتحدة الحركة بأنها مسؤولة عن الجزء الأكبر من الخسائر في الأرواح؟

- نحن على ثقة من أن الاحتلال الأميركي لن يسمح بأي تحقيق تقوم به أي هيئة أو لجنة مستقلة في أفغانستان حول أي جريمة يرتكبها سواء في مجال تصنيع وتهريب الهيروين أو إبادة المدنيين بالضربات الجوية أو انتهاك آدمية الأسرى إلى عمليات مداهمة بيوت السكان والعدوان عليهم وأسرهم من البيوت أو قتلهم أمام عائلاتهم وترك الكلاب المدربة تنهش أجسادهم، إلى غير ذلك من جرائم هي من سمات الاحتلال الهمجي للقوات الأميركية في أفغانستان. نحن من جانبنا أبدينا استعدادنا للكشف عن أي معلومات بحوزتنا حول تلك القضايا والتعاون مع أي لجنة دولية على أن يقوم الاحتلال بنفس العمل حتى تتكشف الحقائق كاملة. لكن الاحتلال لن يفعل ذلك لأنه يخشى من فضيحة عالمية لعدوانه الهمجي على شعبنا.

*إذا عدتم للحكم.. هل لديكم خطط اقتصادية واجتماعية وتنموية لرفع مستوى معيشة الأفغان.. وكيف ستتعايشون مع العالم الخارجي؟

- إن المتفحص لبيانات الإمارة الرسمية وأحاديث مسؤوليها يجد أن لدينا أربعة أهداف نسعى إلى تحقيقها بعد طرد الاحتلال وهي:

أولا: إيجاد حكومة شرعية مستقلة قادرة على إدارة البلد وممثلة لكافة أطياف الشعب الأفغاني المسلم.

ثانيا: تحقيق الوحدة الوطنية والسلام الاجتماعي بين فئات الشعب.

ثالثا: إعادة بناء أفغانستان جديدة قوية ومزدهرة.

رابعا: بناء نظام علاقات قائم على العدل والمساواة والتكافؤ مع جميع دول الجوار والإقليم والعالم وفي مقدمته العالم الإسلامي بالطبع في ضوء القرارات الشرعية.

وشعب أفغانستان شعب نشيط ومبدع وقادر على إعادة بناء بلاده. كما أن ثرواتنا الطبيعية تكفي لجعل شعبنا من أغنى شعوب الأرض إذا توقفت أميركا والآخرون عن التدخل في شؤوننا الداخلية.

*ما تقديركم لقول الجنرال بترايوس قائد القوات الأميركية في أفغانستان بأنهم مستعدون للتفاوض.. وأن هناك استراتيجية للمصالحة؟

- هذه خدعة أميركية جديدة لتغيير طبيعة الصراع بيننا وبينهم. نحن مطلبنا الأول والأخير هو طرد الاحتلال قبل بحث أي موضوع آخر. والتفاوض ليس هدفنا بل طرد المحتل هو الهدف.

وليس هناك مصالحة مع المحتل بل هناك الجهاد المسلح والمقاومة التي لا هوادة فيها حتى يسحب المحتل قواته من بلادنا. إن المفاوضات تحت ظل الاحتلال تؤدي إلى استمرار الاحتلال. إن الأميركيين وعند غزوهم لبلدنا لم يفاوضوا أحدا فلذلك لا ينبغي لهم أن يفاوضونا في حالة انسحابهم من أفغانستان. هم يريدون استسلامنا بحجة المفاوضات وهذا لا يمكن بتاتا.أما إذا كان قصدهم هو مصالحة بين الإمارة الإسلامية والنظام الحاكم في كابل، فإن ذلك مستحيل أيضا لأننا لا نحارب الاحتلال كي نتصالح مع عملائه.

وعلى هؤلاء إما التسليم إلى الإمارة فيفوزون بالعفو العام المعروض على من تعاونوا مع المحتل، أو الانسحاب مع أسيادهم المحتلين فوق نفس الدبابات التي أحضرتهم. وإلا فإن مصير الرئيس الشيوعي نجيب الله ما زال يضيء الذاكرة من فوق أعمدة الإنارة في كابل.

*ما تعليقكم على الفساد المستشري الذي ينخر في عظام البلاد وهؤلاء المفسدين الأفغان من رجال الأعمال وأصحاب النفوذ الذين نراهم في دبي ولندن؟

- إن الاحتلال لا يمكن له أن يستمر إلا في أجواء الفساد، فهو المصدر الأكبر لكل فساد وانحراف سياسي أو اجتماعي. ونلاحظ أن أي احتلال لا يستخدم سوى الفاسدين من أهل البلد المحتل. وكلما زاد فسادهم زاد من مكافأتهم، كما حدث في مؤتمر المانحين الذي عقد في كابل مؤخرا حين رفع نسبة عمولة الحكومة الفاسدة من 20% من إجمالي المعونات الدولية لتصل إلى 40%، والعجيب أن يوافق المؤتمرون على مكافأة الفاسدين في حكومة كابل وكأن ذلك أصبح قانونا دوليا مسلما به. ومن العجيب أن يوافق المانحون على التفريط في أموال شعوبهم بهذا الشكل المهين لسيادتهم وكرامتهم. وليس ذلك غريبا على الإدارة الأميركية التي كافأت كبار لصوص البنوك الذين تسببوا في أكبر أزمة مالية في أميركا والعالم فصرفت لهم 700 مليار دولار من أموال الشعب الأميركي الذي يعاني من البطالة وتدني مستويات المعيشة وإفلاس كبير للأعمال والبنوك المتوسطة والصغيرة.

إن الفساد ظاهرة ملازمة للاحتلال ولا تنفك عنه أبدا.

*إذا عدتم للحكم هل ستعودون إلى استضافة «القاعدة» وبن لادن أم ستطردونهم بعد أن تعلمتم الدرس الذي كلفكم الحكم؟

- أعتقد أن هذا السؤال سابق لأوانه أنا أوضحت لكم أن المبادئ الأربعة التي ذكرتها مسبقا وهي:

أ: إيجاد حكومة شرعية مستقلة قادرة على إدارة البلد وممثلة لكافة أطياف الشعب الأفغاني المسلم.

ب: تحقيق الوحدة الوطنية والسلام الاجتماعي بين فئات الشعب.

ج: إعادة بناء أفغانستان جديدة قوية ومزدهرة، و بناء نظام علاقات قائم على العدل والمساواة والتكافؤ مع جميع دول الجوار والإقليم والعالم في ضوء القرارات الشرعية.

هذه المبادئ من أولويات حكومتنا في المستقبل ولا يمكن أن تحيد عنها الإمارة الإسلامية ولن تسمح لأي فرد أو جهة أن تمس بها.

أما سبب الحرب الأميركية علينا فلم يكن سوى إصرارنا على تطبيق شرائع الإسلام واتباع سياسة مستقلة لا تأخذ أوامرها من واشنطن أو أحد من أعوانها في المنطقة.

وما سوى ذلك كان ذريعة يمكن للعدو أن يجد عشرات غيرها عندما يصر على ارتكاب جريمة العدوان علينا أو على غيرنا.

*ما الجديد على الأرض في حرب أميركا في قندهار معقل طالبان في جنوب أفغانستان؟

- لم تحقق أميركا أي تقدم عسكري على أرض أفغانستان حتى على مستوى قرية صغيرة مثل مارجه التي أقاموا الدنيا وأقعدوها في بداية العام في محاولة للإيهام بوجود تقدم ما. فما بالك بقندهار التي هي مضرب الأمثال في البطولة والتي كسرت السوفيات الذين لم ينعموا فيها بالراحة أو الأمن ولو لساعة واحدة طول عقد من الزمان، بل انتزعها المجاهدون كاملة من بين أيديهم عدة مرات ولم يتركوها كاملة لهم ولو لدقيقة واحدة. والآن المجاهدون في قندهار أكثر قوة وتنظيما ومهارة بمراحل كثيرة، وتكتيكاتهم في القتال لا تتيح للعدو أي فرصة للنيل منهم أو تحقيق أي نصر على الأرض بل إن كل خطوة للعدو ترتد عليه بخسائر فادحة في الأرواح والمعدات.

هم بدأوا عملياتهم أكثر من مرة في قندهار لكنهم واجهوا مقاومة شرسة من قبل المجاهدين وبعدما تيقنوا من فشلهم فيها أعلنوا تأجيلها إلى وقت آخر، ولكن لا يمكنهم إحراز النصر في أي وقت آخر بإذن الله.

وللعلم فإن قندهار ليست هي فقط معقل طالبان، بل أفغانستان كلها هي معقلهم وكل الشعب هو أعضاء طالبان. وليس هذا كلامنا فقط بل إن العدو الذي كلما رتب حملة عسكرية على أي موضع في البلد أطلق عليه نفس الوصف أي (معقل حركة طالبان) وذلك يصور مدى نجاح الحركة ومتانة نظام الإمارة الذي يقود الجهاد المسلح والمقاومة الشعبية في بلدنا المسلم الصامد.

*على ضوء ارتفاع تكلفة فاتورة الدم والدمار والخراب هل حان الوقت الآن لتحقيق السلام وعودة الاستقرار؟

- لأجل الإسلام تهون كل تضحية بالنفس والمال، ولأجل الوطن وحريته وعزة الأفغان تسهل التضحية. فالحرية لا يمكن نيلها دون ثمن باهظ وتكلفة عالية. ذلك لأن الذل والهوان والاستسلام وإن بدا حلا سهلا لبعض ذوي الأنفس إلا أنه أفدح ثمنا على المدى الطويل حتى ولو تم ترويجه تحت مسمى مخادع هو السلام.

فليس هناك استقرار في ظل محتل، بل إن ذلك هو الموت الحقيقي والخسران المبين في الدنيا والآخرة. واحتكامنا هنا هو للإسلام وليس لدعاوى زائفة يروجها المحتل من أجل دفعنا إلى الاستسلام له مقابل رشى حقيرة لا يقبل بها إلا ذوو الأنفس المنحطة الذين تخلوا عن الدين وعن نخوة الرجولة، إن الأفغان مشهورون بالعزة وعشق الحرية على مر التاريخ، حتى اشتهرت بلادهم بأنها مقبرة الغزاة. وعزمنا هو الاستمرار في الجهاد في سبيل الله حتى يتحقق لنا نصر الله بالفتح أو أن نلاقيه شهداء. ونحن الرابحون في الحالتين بإذن الله.

*في المناطق التي تسيطرون عليها هل هناك قضاة تابعون للحركة يشرفون على تنفيذ الحدود؟

- نعم.. لأن تطبيق الحدود هو وسيلة استقرار الأمن وإصلاح المجتمع من المفاسد وفي معظم الأراضي المحررة هناك قضاة تابعون للإمارة يحكمون في المنازعات بين الناس. ولذلك تفاصيل تنفيذ الحدود يعرفها القضاة الشرعيون وتحددها الإمارة في لوائحها التي تصدر من وقت إلى آخر من أجل تنظيم الإدارة والقضاء والعمل القتالي حسب تطور الأوضاع في كل منطقة على حده.

* لماذا يلجأ بعض الأفغان إلى محاكم طالبان لتسوية نزاعاتهم الداخلية؟

- لأن قضاة الإمارة يعملون لحل مشكلات الأفغان بغير اخذ الرشوة وفي المناطق التي توجد بها إدارة حكومية يفضل الناس الذهاب إلى حيث توجد محاكم للإمارة لأنها توفر لهم الحكم العادل، بعيدا عن فساد قضاة الحكومة وجهاز الشرطة. والهدف من إيجاد هذه المحاكم الشرعية هو إقامة العدل بين الناس وحل منازعاتهم الحقوقية بطرق شرعية.

*هل انتم راضون عن دعوة 350 عالما أفغانيا إلى تطبيق الشريعة الإسلامية.. وهل تعتبرونها خطوة للتصالح مع المجتمع الأفغاني؟

- تطبيق الشريعة لا يمكن أن يتم في ظل قوات الاحتلال. فالشريعة مهمتها الأساسية هي الحفاظ على سلامة المجتمع الإسلامي ضمن دولة إسلامية.أما إذا كان النظام الحاكم غير إسلامي فيصبح الكلام عن تطبيق قوانين الشريعة مجرد خداع. وإذا كانت جيوش المحتل تسيطر على البلد فإن الكلام عن تطبيق الشريعة يصبح مجرد استهزاء بالشريعة والدين.

فالمحتل المأزوم سوف يرحب بتلك الدعوة التي لن تكون سوى شكل من أشكال تثبيت أركان وجوده باستغفال الناس وتخدير أعصاب الشعب وشق صفوف المجاهدين وتلميع حكم العملاء الذين جلبهم الاحتلال وثبت حكمهم بعشرات الألوف من جنوده. ونحن نشك في صدور تلك الدعوة عن علماء محترمين بل إنهم مجرد أشخاص ينتحلون صفة العلماء كما كانت تلك الشخصيات التي حشروها في مؤتمر جرغا السلام الذي عقد في كابل هذا الصيف، والذين لم يكونوا سوى موظفين حكوميين لا يمثلون القبائل.

إن تلك الدعوة هي جزء من الحرب النفسية التي تشمل إطلاق الشائعات. وهذه إشاعة تستخدم الشريعة استخداما يسيء إلى الدين وهو ما لا يقبل به الشعب وسوف يدفعنا ذلك إلى المزيد من المقاومة إلى أن يتحقق طرد المحتل الذي هو أصل البلاء.