كوشنير: أوروبا يجب أن تكون حاضرة في المفاوضات المباشرة

منتقدا تجاهل الولايات المتحدة لأكبر ممول للسلطة الفلسطينية

TT

اغتنم وزير الخارجية الفرنسي برنار كوشنير مناسبة اختتام أعمال مؤتمر سفراء فرنسا الثامن عشر عبر العالم ليوجه انتقادات ضمنية للولايات المتحدة لاستبعادها الاتحاد الأوروبي من المفاوضات المباشرة بين الفلسطينيين والإسرائيليين التي ستطلق في واشنطن في 2 سبتمبر (أيلول) المقبل.

وخرج الوزير الفرنسي عن النص المكتوب ليقول إنه كان يتعين على ممثلة السياسة الخارجية الأوروبية كاثرين آشتون أن تكون حاضرة لدى معاودة المفاوضات المباشرة؛ إذ «سيكون غياب التمثيل الأوروبي مؤسفا». وفسر كوشنير موقفه بأن الاتحاد الأوروبي لا يستطيع أن يعبر عن الرغبة في لعب دور سياسي، ويرفض اختصار دوره في تقديم الدعم المالي للفلسطينيين وأن يغيب، في الوقت عينه، عن هذا الاستحقاق الرئيسي.

وعلى الرغم من الدعم الذي تقدمه باريس رسميا وعلنا لمساعي السلام الأميركية، فإن مصادر فرنسية واسعة الإطلاع كشفت لـ«الشرق الأوسط» عن بعض الجوانب المستورة في الموقف الفرنسي من سلوك الإدارة الأميركية وتعاطيها مع ملف الصراع الفلسطيني - الإسرائيلي. وبحسب هذه المصادر، فإن باريس تأخذ على واشنطن تهميشها لدور اللجنة الرباعية الدولية وتحفظها لجهة رغبة الاتحاد الأوروبي في أن يلعب دورا سياسيا، ليس مكان الدور الأميركي، بل إلى جانبه.

وكانت باريس وعلى أعلى المستويات، سخرت دبلوماسيتها للدفع في اتجاه معاودة المفاوضات المباشرة ورفد الجهود الأميركية. واتصل الرئيس نيكولا ساركوزي أكثر من مرة بالرئيس الفلسطيني محمود عباس (أبو مازن) ورئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو لحثهما على مساعدة الولايات المتحدة في جهودها السلمية. وسعت باريس، منذ إعلان وزيرة الخارجية الأميركية هيلاري كلينتون، معاودة المفاوضات المباشرة إلى الدخول على الخط من خلال الإعراب عن رغبتها في الدعوة إلى مؤتمر «باريس2» للدول والهيئات المانحة للفلسطينيين. وقالت المصادر الفرنسية لـ«الشرق الأوسط» إن الغرض ليس توفير الأموال لمساعدة الاقتصاد الفلسطيني وتمويل وتشييد بنى الدولة الفلسطينية فحسب؛ بل أيضا مواكبة الجهود الأميركية وتوفير دعم سياسي واسع وعلى أعلى المستويات. وذكرت المصادر الفرنسية بالعرض الأوروبي بإرسال قوات مراقبة وتوفير ضمانات أمنية لأي اتفاق سلام قادم.

ولا ينحصر التحفظ الأميركي، في الدور الأوروبي، بل برز أيضا في تهميش واشنطن للعرض الفرنسي باستضافة قمة سلام في باريس أو تنظيمها في أي عاصمة أخرى للخروج من الطريق المسدود الذي آلت إليه العملية السلمية. غير أن المصادر الفرنسية تلوم أيضا غياب الإرادة السياسية الأوروبية الموحدة للعب دور قوي في الشرق الأوسط فضلا عن أن توفير إجماع سياسي بين الدول الـ27 ليس أمرا سهلا بين دول مؤيدة تقليديا لإسرائيل مثل ألمانيا وهولندا ودول وسط وشرق أوروبا وأخرى لا تريد إزعاج واشنطن مثل بريطانيا وإيطاليا.

وستكون هذه المواضيع على رأس الملفات التي سيبحثها الرئيس ساركوزي مع الرئيس المصري حسني مبارك غدا في باريس. وعلمت «الشرق الأوسط» أن الزيارة التي كان من المفترض أن يقوم بها الوزير كوشنير مع نظيريه الإسباني والإيطالي إلى المنطقة في جولة كانت ستشمل غزة ورام لله والقدس والقاهرة وربما عمان، تأجلت إلى وقت لاحق بسبب المفاوضات المباشرة.

غير أن التحفظ الأميركي ليس شاملا. فقد شجعت واشنطن فرنسا على لعب دور بخصوص الملف السوري – الإسرائيلي، مما حفز الرئيس ساركوزي على تكليف السفير جان كلود كوسران مهمة البحث في إمكانية استئناف المفاوضات غير المباشرة بين دمشق وتل أبيب على أن تضطلع فرنسا، هذه المرة، بدور الوسيط بسبب التوتر الذي يشوب العلاقات التركية - الإسرائيلية. وتعتبر باريس أن في جعبتها أكثر من ورقة تلعبها؛ منها علاقاتها الجيدة مع الطرفين، وترؤسها لـ«الاتحاد من أجل المتوسط» الذي من المفترض تلتئم قمته في نوفمبر (تشرين الثاني) القادم، فضلا عن معرفتها العميقة بهذا الملف. وحتى الآن، ما زال الدور الفرنسي الجديد في مراحله التمهيدية في انتظار أن يقوم كوسران بجولته الأولى على الطرفين وربما على أطراف أخرى في المنطقة لاستكشاف الفرص المتوافرة.

وعلى أية حال، ترى المصادر الفرنسية أن ثمة نافذة دبلوماسية تمتد من الآن وحتى الانتخابات النصفية الأميركية في نوفمبر، يتعين اقتناصها لتحقيق «اختراق ما» في ملف الشرق الأوسط قبل حدوث تغير محتمل في ميزان القوى السياسي في الكونغرس بمجلسيه، مما سيعقد مهمة الرئيس أوباما.

ولم يخف الوزير كوشنير أول من أمس بعض «المرارة» إزاء بطء الجهود الأميركية في تحقيقها أولى النتائج الأولية المتمثلة في عودة الفلسطينيين إلى طاولة المفاوضات المباشرة. غير أن أكثر من جهة سياسية فرنسية تعبر عن تشاؤمها إزاء ما يمكن أن يصدر عن المحادثات القادمة، وهي تدرس، من الآن، البدائل الممكنة.