أندورا.. الملاذ الضريبي الصغير الذي أصبح يواجه تحديات كبيرة

تتعرض لضغوط بشأن التهرب الضريبي وتباطؤ اقتصادي

تجذب أندورا السياح كما تجذب المتهربين من الضرائب («نيويورك تايمز»)
TT

اعتمدت أندورا، وهي من أصغر الدول داخل القارة الأوروبية، على نظام مصرفي سري وإعفاءات ضريبية على التجارة والسياحة لتتحول إلى أحد أكثر قصص النجاح الاقتصادي إثارة للإعجاب في أوروبا بعد الحرب. وتقع دولة أندورا بين فرنسا وإسبانيا، ويبلغ عدد سكانها 84.000 نسمة، وقد استفادت الدولة من وضعيتها الهجين كإمارة يترأسها نواب من جارتيها كي تقوم بجذب رجال الأعمال والسياح. كما تشتهر الدولة بعدم استعدادها للكشف عن المعلومات التي لديها، ولا سيما البيانات المالية.

ويفخر شعب أندورا بأنهم حولوا مجتمعهم الجبلي المعتمد على الزراعة إلى مركز تجاري ومالي جذب مهاجرين من فرنسا وإسبانيا والبرتغال، على ضوء نمو اقتصادي نسبته من رقمين على مدار عدة أعوام. ولكن بدأت محركات النمو الثلاثة تؤتي نتائج عكسية في الفترة الأخيرة، مما أجبر تلك الدولة الحبيسة على البحث عن موارد جديدة للعوائد. ويقول مارك بانتيبر، رئيس الغرفة التجارية داخل أندورا: «لقد ظهر على محركات اقتصادنا الثلاثة – التجارة والسياحة والتمويل – بعض الإجهاد».

ويتراجع الناتج المحلي الإجمالي بالنسبة إلى الفرد منذ 2006، وقد انعكس هذا التراجع داخل كل قطاع تقريبا. وتراجعت السياحة بصورة مطردة خلال تلك الفترة، ووصل عدد الزائرين إلى 9 ملايين فرد سنويا في مقابل 10 ملايين زائر سنويا كانوا يأتون في الأغلب لممارسة التزلج خلال فصل الشتاء في جبال البرانس، بالإضافة إلى القيام بالتسوق مع التمتع بالإعفاء الضريبي والتنزه مشيا على القدمين في فصل الصيف. وبسبب هذا التباطؤ، سيكون على كل شركة أندورية خلال العام الحالي، للمرة الأولى، الكشف عن أرصدتها، وبهذه الطريقة يمكن للحكومة تحديد حجم الاقتصاد داخل أندورا (حيث لا يمكن حتى الآن تحديد أرقام محددة عن الناتج المحلي الإجمالي). وتقترح الدولة أيضا جمع ضرائب مباشرة للمرة الأولى في تاريخها، وستكون في شكل ضرائب على المؤسسات مع تقديم نظام جديد من ضرائب القيمة المضافة – وجميع هذه المقترحات تنتظر موافقة المشرعين.

وفي هذه الأثناء، اضطر القطاع المصرفي داخل أندورا إلى إعادة ترتيب أوضاعه ليكون مركزا ماليا شفافا وبه مناخ تنافسي بمقدار أكبر. وخلال الأزمة المالية العالمية، وضع الرئيس الفرنسي نيكولا ساركوزي، الذي يحمل أيضا لقب الأمير المشارك لأندورا، نفسه في مقدمة حملة دولية من أجل محاربة التهرب الضريبي. وطلب ساركوزي من أندورا أن تمضي في الركب نفسه إذا كانت لا تريد أن تكون منبوذة، وهدد في مطلع 2009 بأن يسقط لقبه كأمير مشارك. وأصبحت إسبانيا، التي تعاني من أجل خفض العجز الكبير في ميزانيتها، ترغب أيضا بدرجة أكبر في استعادة الأموال المخبئة في أرصدة خارجية. والتزمت أندورا بذلك، ووقعت اتفاقات مع الكثير من الدول للتعاون في ما يتعلق بتحقيقات احتيال عبر الحدود.

ونتيجة لذلك، رفعت منظمة التعاون الاقتصادي والتنمية أندورا العام الماضي من قائمة «ملاذات الضرائب غير المتعاونة». وأثنى ساركوزي على ذلك. وقال أمام حشد من الناس تجمعوا خلال زيارته أندورا الشهر الماضي: «لا تتعارض الشفافية مع هوية أندورا». وقد كان هذا الثناء الأخير مصدر راحة لشعب أندورا بدرجة كبيرة. وربما يكون التحول المستمر داخل أندورا بمثابة تجربة تطرح أمام دول أصغر أخرى وملاذات ضرائب أخرى تعرضت لضغوط كي تنضم إلى الاتجاه الدولي.

ولكن من غير الواضح ما إذا كانت السمعة الأفضل كمركز مصرفي أكثر شفافية يعني تحول أندورا إلى دولة أقوى. وتقول روزا فيرير، عمدة العاصمة أندورا لا فيلا: «كان يجب أن نقوم بهذه التعديلات في وقت سابق». ومما يبعث القلق لدى فيرير وآخرين هو أن حملة أندورا الإصلاحية ربما تتحول قريبا إلى فوضى سياسية، فحكومة اليسار الوسط التي كانت بمثابة رأس الحربة في عملية الإصلاح تكابد حاليا من أجل دفع المشرعين إلى الموافقة على ميزانيتها. وبسبب عدم حصوله على أغلبية برلمانية مطلقة، يحتاج الحزب الحاكم إلى مشرعين من حزب آخر يوافقون على مقترحاته بشأن الميزانية. وبغير ذلك، من المحتمل أن يضطر إلى الدعوة إلى عقد انتخابات مبكرة، على الرغم من أن هذا الحزب قد وصل إلى سدة الحكم العام الماضي فقط.

وفي خطوات مهمة من أجل الانضمام إلى الاتجاه السائد دوليا، كانت آخر أولوية لدى أندورا هي الوصول إلى اتفاق شراكة مع الاتحاد الأوروبي، علاوة على إنهاء نظام ضرائب مزدوجة تفرضه فرنسا وإسبانيا منع شركات أندورا بدرجة كبيرة من التوسع خارج البلاد.

وفي هذه الأثناء، تأتي المقترحات كافة بمثابة اختبار لاستعداد المواطنين للتغيير. وقال القس جوردي ميكويل، داخل مدينة لا ماسانا: «يتساءل الناس هنا كثيرا عن التغيير، ولكن لدينا خصوصياتنا، ولن يكون فقدان هويتنا بالشيء الجيد. وسيجعل التماثل هذا العالم أفقر، ولا تزال هناك الكثير من الأشياء التي سنتعلمها من اختلافنا».

ومن مباعث القلق تراجع جاذبية أندورا كجنة تسوق تتمتع بإعفاءات ضريبية، وتُعرض فيها سلع مثل الأدوات الكهربية والكحوليات بأسعار أقل كثيرا من الأسعار داخل إسبانيا أو فرنسا. ولكن منذ بدء التحول إلى اليورو في 2002، تراجع الفارق في الأسعار. ولم تعد المحلات داخل أندورا تتمتع بميزة في التعامل من الموردين، حسب ما يقوله باتيبر، لأن العلامات التجارية الأكبر تستخدم حاليا هياكل توزيع إقليمية لا تحظى فيها الأسواق الصغيرة مثل أندورا بمكانة كبيرة.

ولكن، ستبقى ضرائب القيمة المضافة المخطط لها داخل أندورا، بنسبة 4.5 في المائة، أقل كثيرا من نظيراتها في معظم الدول الغربية الأخرى، وهذا ما يشير إليه سياسيون محليون. وإذا ظلت سياحة التسوق في تراجع، فإن ذلك قد يؤثر بدرجة كبيرة على أندورا.

ويمكن القول إن أكبر مجهول هو مستقبل المصارف الخمسة داخل أندورا: «بنك سابادل» و«بنك إنترنكونال د أندورا بنك مورا»، و«أندبنك»، و«نبكا بريفادا دو أندورا»، و«كريديت أندورا». ويقول باسكال سينت أمانز، رئيس أمانة منظمة التعاون الاقتصادي والتنمية التي تدير التعاون الضريبي الدولي من باريس، إن الاضطرار إلى خفض سقف قواعد السرية كان بمثابة «صدمة حقيقية لأندورا».

كما لدى المصارف في أندورا منتجات أقل من تلك التي تعرضها مؤسسات في مراكز أخرى لها الحجم نفسه مثل موناكو وجيرسي، بحسب ما يقوله سينت أمانز. ويضيف: «تعد أندورا أقل تنوعا وأكثر اعتمادا على السرية». وتراجع إجمالي أصول المصارف داخل أندورا بنسبة 15.6 في المائة خلال 2009، بحسب ما أفاد به تقرير عن جمعية البنوك.

ومع ذلك، بقيت هذه المصارف تدر أرباحا، وحافظت على نسبة العجز عند 2.2 في المائة، مستفيدة من اتجاه حذر للإقراض. ويقول سياسيون ومسؤولون تنفيذيون إن هذه الإدارة المحافظة يفترض أن تساعد على معادلة خسارة ضمانات السرية الكاملة. ويقول جوان غبرائيل إنستاني، رئيس حزب الأحرار المعارض: «لا يمكن لمصارفنا توفير الأمن وتحقيق عائد جيد. ما السر وراء جاذبية سويسرا؟ لا يكمن في السرية المصرفية، ولكن في الاستقرار الذي تقدمه».

* خدمة «نيويورك تايمز»