كاتب متميز في خدمة هتلر

مسرحية «شلاكيتر» للكاتب الألماني هانس جوست في طبعة جديدة

هانس جوست
TT

«حين أسمع ثقافة أزيل أمان مسدسي» هذه الجملة المستلة من مسرحية (ألبرت ليو شلاكيتر) للكاتب النازي هانس جوست مثال صارخ على بربرية الفكر النازي، ومواقف وعقلية الحكومة النازية وقاعدتها الأساسية للتعامل مع الثقافة المعارضة للفكر القومي الاشتراكي، التي اعتنقها غورنغ وغوبلز قادة الفكر النازي، وأصبحت ملازمة لأغلب خطبهم. من هذه المسرحية خرجت الجملة أعلاه في فصلها الأول، المشهد الأول، على لسان البروفسور فريدريش تيمان.

اعتبرت هذه المسرحية في تلك الفترة من أشهر المسرحيات للشاعر والكاتب المسرحي هانس جوست، التي أسس فيها لما يعرف لاحقا بالثقافة النازية، المؤسسة على المنطلقات الفكرية للحزب الاشتراكي القومي، التي افتقرت إلى شخصية مثل شخصية جوست الأدبية، فهو شاعر وكاتب مسرحي، وكاتب مقال، ومنظر ثقافي، إضافة إلى انتمائه إلى المدرسة التعبيرية. وكان محرضا أيضا عبر بلاغة خطابه وقوة إقناعه وتنوع أساليبه الدعائية، يتحرك ويعمل على صعيد الأنشطة الثقافية للدفاع عن أهداف عالمه العقائدي النازي، وليس على حساب هبوط خطابه الشعري والنثري، مثل الحكومة النازية كمندوب لثقافتها له مطلق الحريات والصلاحيات.كان يمثل جسد الأدب الألماني الذي أسس له الفكر النازي، وأصبح رمزا وعنوانا ودالة يستدل بها على مسارات الثقافة في تلك الفترة التي أكدها غوبلز في خطبته النارية لتحرض الطلاب في عام 1933 على حرق كل الكتب والأعمال الفنية والموسيقية للفنانين الذين يعادون النازية، الذين قال عنهم إنهم «يمثلون عصر الانحطاط، وإنهم خونة سياسيون، وصحافيون معادون للقومية يسيئون ويخربون اللغة الألمانية، وإنهم ذوو أخلاق ساقطة». وقبل أن ينتمي جوست إلى الحزب النازي، تقلد مناصب رفيعة في المشهد الثقافي والأدبي الألماني، فأصبح رئيس قسم الفنون الشعرية في أكاديمية الفنون في عام 1933، ورئيس الاتحاد الوطني للكتاب الألمان بعد حل اتحاد الكتاب، وترأس الكثير من منظمات الصداقة بين الشعوب في ألمانيا في عام 1935، ثم أصبح عضوا في منظمة «إس إس» النازية، وحصل على جائزة الفن للحزب النازي عام 1940، ونال جائزة غوته، جائزة لايبزغ للشعر عام 1941

ولد جوست عام 1890. درس بعد حصوله على البكالوريا الفلسفة واللغة الألمانية وتاريخ الفن في جامعات لايبزغ وميونيخ وفيينا عام 1915. فصل من الجيش لأسباب غير معروفة. منذ ذلك الوقت بدأ يعمل ككاتب حر متفرغ، وعمل مساعد مخرج وناقدا لغاية عام 1918. نشر أكثر من 30 مقالا نقديا إضافة إلى الكثير من المقالات الأدبية. في بدايات حياته الإبداعية نشر جوست أعماله في صحيفة العمل اليسارية الأدبية والسياسية الداعمة للمذهب التعبيري، التي عبرت عن آراء مجاميع اليسار التي تدعو للسلام (أصدرها فرانس فيمفرست ناشر وناقد أدبي ومصور فوتوغرافي من عام 1911 إلى 1932). في 1914 نشر أول مسرحية تعبيرية من فصل واحد لم يوفق فيها، لكنه حقق نجاحه الكبير في 1917 حين نشر مسرحيته «الوحيد» حول الكاتب المسرحي، كرستيان ديترش غرابه. وتحول إلى كاتب مسرحي تعبيري شعبي معاد للسامية، مما حمل برتولد برشت على كتابة نص مسرحيته الأولى «بعل 1918» عن وقائع تحولات شاعر متميز، ولكنه مهمل سمج، هارب من أفعاله ومحتقر لكل ما هو إنساني، وهو القاتل المطرود والمطارد من شناعة أفعاله يموت وحيدا في كوخ منعزل. تنتهي المسرحية بكلمات «بعل» وهو يحتضر: «إني ما زلت أصغي إلى المطر». وكان نصا مضادا لما كتبه جوست. أحبطت ثورة نوفمبر (تشرين الثاني) آمال جوست، وسرعت في عملية تحوله إلى الاتجاهات القومية المتعصبة، وحسمت انتماءه إلى مسارات اليمين الألماني والاشتراكية القومية، فبدأ يؤيد أفكار الرايخ الثالث القادم عبر العمل على تأسيس المسرح القومي، (مسرح الأمة الألمانية). حال تسلم هتلر بدأت مرحلة صعوده الترتيبي في مجالات الثقافة، فقام بإغلاق قسم الفنون الشعرية في الأكاديمية البروسية، وحل اتحاد الشعراء والروائيين والصحافيين الألمان، وشكل الاتحاد الوطني للكتاب. وفي هذه الفترة، توطدت صداقته بهاينرش هملر، وزير الداخلية الألمانية. استغل هذه الصداقة فعرض عام 1933 على هملر اعتقال الكاتب الألماني الشهير توماس مان، وزجه في معسكر الاعتقال «داخاو» لينتقم لنفسه من ابن الكاتب كلاس مان الذي كان يصدر صحيفة المهاجرين في أمستردام. في عام 1935 منحه هملر رتبة جنرال وأطلق عليه «عراب إس إس» (قوات الأمن السري).

أعجب جوست بقصة المطوع المقاتل، ألبرت ليو شلاكيتر، الذي طالما بجلته القوى القومية الألمانية المحافظة، واعتبرته بطلها القومي بعد قيامه بعدة أعمال قتالية ضد الجيش الفرنسي، وتخريب السكك الحديدية التي تنقل الفحم من منطقة الرور المسيطر عليها الجيش الفرنسي وفق معاهدة فرساي بعد الحرب العالمية الأولى. بعد عدة أعمال تخريبية قبض عليه من قبل الجيش الفرنسي ونفذ فيه حكم الإعدام من قبل الحكمة العسكرية الفرنسية عام 1923. استثمر جوست هذا الحدث ليكتب مسرحية عنوانها يحمل اسم المحارب المتطوع ألبرت ليو شلاكيتر. في أربعة فصول، بنى جوست مسرحيته عبر فترة زمنية محددة شملت الأحداث التي مرت على شلاكيتر قبل وبعد احتلال القوات الفرنسية لمنطقة الرور حتى يوم إعدامه. في الفصل الأول رفض شلاكيتر الطالب المجتهد موقف ونشاطات رفيقه في الحرب فردريش تيمان ضد السياسة الداخلية. في الفصل الثاني يظهر ممثل الحكومة يتحدث مع نفسه بشكل كاريكاتوري. أما في الفصل الثالث فيسرد أحداث التهيئة والتحضير من قبل المطوع شلاكيتر، وبعض مساعديه، لأعمال التفجيرات ضد القوات الفرنسية وسكك الحديد، يتخللها تصفيق لبعض الإهانات الموجهة إلى فرنسا. الفصل الرابع يستعرض اعتقال شلاكيتر وبعض مساعديه، إضافة إلى اعتقال ابن ممثل الحكومة، الذي اقتنع بأفكار شلاكيتر. المشهد الأخير، الذي يساق فيه شلاكيتر إلى الإعدام، يضج بالتحريض العاطفي وتأجيج المشاعر القومية بالأناشيد النازية. يقف شلاكيتر مربوطا بحبل خشن على عمود خشبي وسط المسرح، وظهره إلى الجمهور، وتسلط عليه أضواء من شاحنتين عسكرية من اليسار واليمين، تحيط به فرقة الإعدام على بعد أمتار منه على شكل نصف قوس، وبنادقها موجه إلى شلاكيتر الذي يدير ظهره للجمهور، يبدأ أطلاق الرصاص عليه من قبل الجنود، يصاب في ركبته فيركع على أرض المسرح، تتركز الإضاءة بشكل مكثف عليه من الشاحنتين مع إضاءة متحركة على وجوه الجمهور موحيا بأن فرقة الإعدام الفرنسية تطلق النار وتنفذ حكم الإعدام بالجمهور الألماني. ترتفع بعد ذلك الأناشيد النازية مختلطة بالنشيد الألماني. عندما يطلق الرصاص على شلاكيتر من قبل فرقة إعدام مكونة من عشرين جنديا، فإنهم يطلقون الرصاص على الجمهور من كل ألمانيا، وهذا الرمز الذي يود الوصول إليه الكاتب، فعلى مدى أكثر من 15 عاما كان هو الرمز السائد للثقافة الألمانية في الكثير من الأعمال الأدبية والفنية والمسرح والسينما التي كانت تنفذ أوامر الحكومة النازية لتعبئة الرأي العام بالفكر لقومي النازي.

لقد حاول جوست كما فعل هتلر استغلال حادثة إعدام «الشهيد ألبرت ليو شلاكيتر»، وأظهره بشخصية شهيد قومي يوحد الأمة، وأضفى على هذه الشخصية مسحة ملامح القداسة الدينية، إذ لا يمكن إصلاح الأمة إلا باستذكار وبعث تراث شهيدها، مما يساعد على تطوير الحركة النازية، ويضعها على رأس الثورة القومية. واعتبر جوست هذه المسرحية مفخرة أعماله المسرحية وأعيد عرضها في 1000 مدينة، وأخرجت أكثر من 115 مرة، وطبعت أكثر من 80 ألف نسخة.