جامع عمرو بن العاص.. منتدى المصريين لأداء تراويح رمضان

رابع مسجد بني في الإسلام ويلقب بـ«تاج الجوامع»

مسجد عمرو بن العاص طراز معماري فريد ومنتدى صلاة التراويح في شهر رمضان (تصوير: عبد الله السويسي)
TT

يعد جامع عمرو بن العاص في حي مصر القديمة معلما من معالم الحضارة الإسلامية، فعلى عكس سائر المساجد في القاهرة، يقصد جامع عمرو آلاف المصلين لأداء صلاة التراويح، خاصة في ليلة السابع والعشرين من رمضان، حيث يتوافدون من أحياء القاهرة وسائر محافظات مصر ليستمعوا إلى دعاء ختم القرآن بصوت القارئ الشيخ محمد جبريل في هذه الليلة من كل عام.

وخلال السنوات القليلة الماضية حظي مسجد عمرو بن العاص باهتمام وزارة الأوقاف المصرية، فقامت الوزارة بعدة إصلاحات وتوسعات فيه استغرقت أكثر من ثلاث سنوات، جعلته يظهر هذا العام في أبهى حلله، مما زاد الإقبال عليه، حتى إن البعض يأتي إلى المسجد منذ الصباح ليضمن له مكانا وسط زحام المصلين.

ولبناء هذا المسجد قصة، فبعد أن فتح القائد عمرو بن العاص مصر سنة 20 هجرية/ 641 ميلادية، أسس حاضرة جديدة لتكون عاصمة لمصر تقع إلى الشمال من حصن بابليون سماها الفسطاط، وشيد في وسط الفسطاط جامعه المعروف باسم جامع عمرو بن العاص. وذلك في سنة 21 هجرية/ 642 ميلادية تماشيا مع السياسة العامة التي نهجها العرب في تأسيس المسجد الجامع في كل مدينة جديدة يعم فيها الإسلام. ويعد مسجد عمرو بن العاص أول مسجد بني في مصر وأفريقيا، ورابع مسجد بني في الإسلام. وكانت مساحة المسجد وقت إنشائه 38.90 متر في 17.34 متر، أي نحو 675 مترا مربعا، وله ستة أبواب، بابان تجاه دار عمرو بن العاص من الجهة الشرقية، وبابان من الشمال، وبابان من الغرب.. وكان سقفه منخفضا ومصنوعا من الجريد والطين ومحمولا على أعمدة من جذوع النخيل، وكانت حوائطه من الطين اللبن وغير مطلية وليس له صحن وأرضه مفروشة بالقش وبه بئر تعرف بالبستان للوضوء، ولم تكن به مآذن، وكان محراب الصلاة مسطحا ومرسوما على الحائط، بشكل مجوف، ثم زيدت مساحة الجامع بعد ذلك على مر العصور، وقد حدث بهذا الجامع الكثير من التجديدات والترميمات والإضافات خلال العصور الإسلامية المختلفة، من أهمها ما حدث في عهد الأمير مسلمة بن مخلد الأنصاري عندما قام بإعادة بنائه سنة 53 هجرية وإنشاء مظلة في اتجاه القبلة، وصار به صحن مكشوف وفرشه بالحصير، وبنى أربع مآذن في أركانه الأربعة، وأضاف للجامع رحبة من الناحية الشمالية، كما جدد الجامع الأمير عبد العزيز بن مروان والي مصر في عهد الخليفة عبد الملك بن مروان بعد هدمه سنة 79 هجرية.

وفي عام 92 هجرية قام الوالي قرة بن شريك بهدم الجامع وإعادة بنائه، وأدخل دار عمرو بن العاص في مساحة المسجد وأضاف إليه منبرا سنة 94 هجرية، كما أمر بعمل المحراب المجوف في سمت المحراب القديم وزاد عدد أبوابه. كذلك أجرى عبد الملك بن طاهر في عهد الخليفة المأمون العباسي عمارة كبيرة رسمت مساحة هذا الجامع حتى يومنا هذا، ذلك أنه أمر بزيادة مساحة الجامع، بحيث أصبحت 120 مترا طولا، و100 متر عرضا، وأصبحت الدور المجاورة داخلة في مساحة المسجد، كما جدد سقف الجامع.. وعلى ذلك أصبح تخطيط الجامع عبارة عن صحن كبير تحيط به أربعة أروقة ويشتمل على 13 بابا، ثلاثة في الحائط الشمالي الغربي، وأربعة في الحائط الغربي، وخمسة أبواب في الحائط الشمالي الشرقي، وباب واحد في حائط القبلة.

كما جدد الجامع صلاح الدين الأيوبي سنة 568 هجرية، واستمر الاهتمام بالجامع خلال العصر المملوكي حينما قام السلطان بيبرس سنة 666 هجرية بترميمه، كما اهتم بالجامع أيضا السلطان الناصر محمد بن قلاون بعد تأثره بالزلزال الذي حدث سنة 702 هجرية. وقام الأمير مراد محمد بك سنة 1212 هجرية بهدم الجامع وتحمل تكاليف بنائه. وتبلغ مساحة الجامع الحالية 120 مترا في 110 أمتار، أي 13200 متر، ويحيطها سور ضخم بارتفاع تسعة أمتار، وعدد أبوابه الآن عشرة أبواب. وتعلو الجامع مئذنتان متشابهتان قصيرتان ترجعان لعصر «مراد بك»، وفى الداخل يوجد صحن فسيح مكشوفة أرضيته، ومبلطة بالبلاط الأبيض الموزايكو، وتتوسط الصحن قبة هواء فوق ثمانية أعمدة خرسانية مفتوحة من كل الجهات وكانت تسمى «فوارة»، وقد كانت تستخدم للوضوء قبل الترميم لوجود بئر تحتها تم ردمها.

وطوال تاريخه أدى جامع عمرو الكثير من الوظائف، منها إقامة الشعائر الدينية، وإقامة حلقات التدريس في أروقته، حيث كانت تدرس العلوم المختلفة، وكذلك كان يحتوي على بيت مال المسلمين، ويشهد إجراء فض المنازعات به، وغيرها من الأمور، وقد أطلق على هذا الجامع الكثير من الأسماء، منها جامع عمرو بن العاص، والجامع العتيق، وجامع مصر، ومسجد أهل الراية، ومسجد الفتح، وتاج الجوامع، ومطلع الأنوار اللوامع.