الشيخ محمد الطبلاوي.. نجم ساطع في سماء التلاوة القرآنية في مصر والعالم العربي

أحيا ليالي رمضان في 80 دولة عربية وأجنبية

الشيخ محمد محمود الطبلاوي قارئ القرآن الكريم في الجامع الأزهر («الشرق الأوسط»)
TT

بعذوبة وخشوع يتسلل صوته إلى قلوب مستمعيه، يتدفق كنهر يفيض بالجمال والإيمان.. على عاتقه حمل أمانة القرآن، تفقه في علومه، وزينه بصوته للناس، فطاف العالم من شرقه إلى غربه لإيصال هذه الأمانة حتى عرفه الملايين.. هذا هو الشيخ محمد محمود الطبلاوي، قارئ القرآن الكريم في الجامع الأزهر، أحد النجوم الساطعة في سماء التلاوة القرآنية في مصر والعالم العربي، برع في تصوير معاني القرآن الكريم بين الترغيب والترهيب فاستحق أن يطلق عليه صاحب «النغمة المستحيلة».

ذاع صيت الطبلاوي في بداية الأمر بمسقط رأسه بمنطقة «ميت عقبة» الشعبية بمحافظة الجيزة، التي ولد فيها عام 1934، ليصل منها صوته إلى العالم كله حاملا كلمات القرآن، حيث عهد به والده وهو في سن الرابعة من عمره إلى كتّاب القرية ليكون من حفظة كتاب الله، وقد أتم حفظه وتجويده في العاشرة من عمره، وعندما بلغ الثانية عشرة دخل عالم المقرئين متسلحا بحنجرة قوية وصوت عذب. وقال الشيخ الطبلاوي: «بدأت حياتي قارئا صغيرا غير معروف في بعض المناسبات وذلك قبل بلوغي سن الخامسة عشرة، وبعدها بدأ يذيع صيتي في محافظات مصر كلها ودعيت لإحياء ليالي شهر رمضان والمناسبات التي كان يقيمها كبار الموظفين في الدولة والشخصيات البارزة والعائلات المعروفة، وذلك بجوار مشاهير القراء الإذاعيين، وقد ساعدني على ذلك حرصي الشديد على صوتي وصحتي مع المواظبة على مجالسة مشاهير القراء والاستماع إليهم مباشرة وعن طريق الإذاعة المصرية، أمثال الشيخ محمد رفعت والشيخ علي محمود والشيخ مصطفى إسماعيل وغيرهم من الرعيل الأول في الإذاعة المصرية».

بعد محاولات كثيرة وإصرار تم اعتماد الشيخ الطبلاوي قارئا بالإذاعة المصرية لينطلق فيها صوته وموهبته في عالم المقرئين ويحصل على الشهرة التي عمت أرجاء مصر والأمة العربية والإسلامية. ويستعيد الشيخ ذكرياته مع الإذاعة فيقول عنها إنها صاحبة الفضل الأول عليه، حيث إنه «لم يكن يدخل الإذاعة في ذلك الوقت إلا من كان صاحب مدرسة؛ بمعنى أنه لا يقلد أحدا، لأنه إذا عرف القارئ بالتقليد يرفض لأن الأصل موجود، فلكل قارئ مدرسة. فبمجرد أن يتهيأ القارئ لقراءة القرآن ويبدأ بالبسملة يعرف من هو، وبالتالي كان لا بد أن يكون القارئ مميزا في أسلوبه».

وأوضح الشيخ الطبلاوي أنه «أطلق علي الموسيقار الراحل محمد عبد الوهاب لقب (صاحب النغمة المستحيلة)، وهو اللقب الذي أعتز به لأن الموسيقار عبد الوهاب نشأ نشأة دينية في بيت قارئ للقرآن فأخوه الشيخ حسن كان قارئا للقرآن وكان محبا لسماع القرآن، والقراءة ليس معناها علو الصوت مثل ما يحدث الآن من بعض القراء، وأتذكر أن عبد الوهاب قال لي يوما: يا شيخ طبلاوي وشوشني وأنعشني. يعنى اقرأ بصوت خافت بطبقة قوية حتى يمكن الاستمتاع بها، لذا لا بد للقارئ أن يصور الآية التي يقرأها بمعنى معرفة مواطن الترغيب والترهيب حتى يدخل قلوب الناس». فتحت الموهبة التي يتمتع بها الشيخ الطبلاوي أمامه أبواب العالم كله حتى أنه قرأ القرآن الكريم في أكثر من ثمانين دولة عربية وإسلامية وأوروبية خلال شهر رمضان، فضلا عن الولايات المتحدة الأميركية، حيث سافر إليها بدعوات خاصة تارة ومبعوثا من قبل وزارة الأوقاف والأزهر تارة أخرى، كما مثل مصر في كثير من المؤتمرات، وحكّم في كثير من المسابقات الدولية التي تقام بين حفظة القرآن من كل دول العالم. وكانت أولى رحلاته عام 1973 إلى الأردن بدعوة من وزارة الأوقاف الأردنية، وكرمه خلالها الملك حسين. ومن الدعوات التي يعتز بها الدعوة التي تلقاها من مستر جون لاتسيس في اليونان ليتلو القرآن أمام جموع المسلمين لأول مرة في تاريخ اليونان، وكذلك الدعوة التي وجهت إليه من قبل المسؤولين في إيطاليا عن طريق السفارة المصرية لتلاوة القرآن الكريم بالعاصمة روما لأول مرة أمام جموع غفيرة من أبناء الجاليات العربية والإسلامية هناك، فضلا عن كثير من الأسفار التي جاب خلالها الشيخ الطبلاوي معظم دول العالم لتلاوة كتاب الله عز وجل.

يتذكر الشيخ الطبلاوي كثيرا من هذه الرحلات بنفس صافية وراضية، مؤكدا أنه «ليس أروع من أن تصدح بالقرآن الكريم وسط جمع من الناس، وتحس بأن نور القرآن وقدسيته يشعان في أرواحهم وأبدانهم، وحينما يطالبونك بالمزيد من إعادة التلاوة، تشعر أنك تحلق في جو روحاني يفوق طاقة الخيال والحواس.. هذه عظمة القرآن لا يضاهيه فيها شيء آخر».