واشنطن تتأرجح بين تحقيق وعد أوباما بالانسحاب «المسؤول».. وأوضاع العراق «المقلقة»

محللون يرون أن الحرب التي بدأت بـ«الصدمة والرعب» انتهت بمجرد «همسة»

TT

ساد جو من الحذر في واشنطن خلال الأيام الماضية في الحديث عن انتهاء العمليات القتالية الأميركية في العراق، فبينما تريد إدارة الرئيس الأميركي باراك أوباما أن تظهر الرئيس على أنه نجح في تحقيق وعده بـ«إنهاء الحرب بمسؤولية» تدرك في الوقت نفسه أن الأوضاع في العراق ما زالت تدعو إلى القلق جراء الوضع الأمني المتأزم وعدم تشكيل الحكومة العراقية حتى الآن.

ومع انتهاء العمليات القتالية الأميركية في العراق، تنطوي صفحة مهمة من الوجود الأميركي في العراق بعد حرب عام 2003. وهذا ما تحدث عنه الرئيس الأميركي باراك أوباما في خطاب للشعب الأميركي مساء أمس. وكانت كافة تصريحات المسؤولين الأميركيين خلال الأيام الماضية موجهة للإشادة بدور الجيش الأميركي بينما يحاول أوباما أن يظهر كقائد عام للقوات المسلحة نجح في إنهاء إحدى الحربين، في العراق وأفغانستان.

ومع انتهاء عملية «حرية العراق» وبدء عملية «الفجر الجديد»، تقوم القوات الأميركية اليوم بدور إشارة ومساعدة بالإضافة إلى مكافحة الإرهاب، من دون خوض أي عمليات قتالية داخل العراق.

وبينما حرص أوباما والناطق باسمه روبرت غيبس على عدم استخدام كلمة «النصر» في الإشارة إلى انتهاء العمليات القتالية في العراق، صرح وزير الدفاع الأميركي روبرت غيتس بأنه «في نصر مهم ضد الإرهاب الدولي، القاعدة في العراق انقطعت عن قادتها في الخارج». وفي خطاب أمام عدد من الجنود الأميركيين في ميلواكي أمس، قال غيتس إن العراق الآن لديه فرصة لتذوق الحرية بسبب جهود القوات الأميركية. وأضاف أنه ما زال هناك الكثير الذي يجب أن يتحقق في العراق ولكن الآن الفرصة ممكنة أمام الشعب العراقي، موضحا: «لا أقول بان كل شيء على ما يرام في العراق، الانتخابات الأخيرة لم تنتج حكومة ائتلافية بعد والتوترات الطائفية ما زالت حقيقة والقاعدة في العراق هزمت ولكنها لم تختف». ولكن كان تركيزه على هزم الإرهاب، إذ تبلور الإدارة الأميركية صورة بأنها حققت إنجازا ضد «القاعدة» في العراق بينما تواجه تمردا متصاعدا في أفغانستان. وبينما قال غيتس إنه «ما زال هناك عمل علينا القيام به» في العراق، أكد أنه لا يرى إمكانية لإعادة القوات القتالية إلى العراق.

وكان هناك مساران للتعامل الإعلامي مع انتهاء العمليات الأميركية القتالية في العراق، مسار داخلي قاده أوباما من خلال لقاءاته مع الجنود الأميركيين وخطابه الموجه للشعب الأميركي، ومسار خارجي للتعامل مع العراق وقاده نائب الرئيس الأميركي جو بايدن الذي قضى اليومين الماضيين في بغداد. فيحرص أوباما على كسب شعبية وتأييدا من الشعب الأميركي من خلال حديثه عن الالتزام بوعده بسحب القوات الأميركية من العراق - وبسحب 100 ألف جندي منذ توليه الرئاسة والعمل على سحب الـ50 ألف جندي المتبقي في العراق بنهاية عام 2011. وزار أوباما أول من أمس الجنود الجرحى في المركز الطبي العسكري «والتر ريد» قرب واشنطن بينما توجه إلى تكساس والتقى بجنود عائدين من العراق أمس قبل توجيه خطاب للشعب الأميركي من المكتب البيضاوي في البيت الأبيض. واعتبر المحلل في «مركز التقدم الأميركي» برايان كاتوليس أنه بينما الحرب في العراق بدأت بسياسة «الصدمة والرعب» التي روج لها وزير الدفاع السابق دونالد رامسفيلد، تنتهي اليوم بـ«مجرد همسة».

وكتب المحلل بيتر بيرغمان من «مؤسسة أميركا الجديدة» أن الإجابة عن «كيف ستنتهي الأوضاع في العراق» غير معلومة حتى الآن ولكن الإدارة الأميركية تعمل على إنهاء مهامها هناك. وتعتبر الإدارة الأميركية أن انطلاق عملية «الفجر الجديد» لا يحتاج إلى احتفاليات كبيرة أو إعلان للنصر. وأقر وكيل مستشار الأمن القومي الأميركي بين رودز بأن انتهاء العمليات القتالية ليس «تغييرا دراميا» في واقع العراق، إذ غن العراقيين تولوا مسؤولية أمن المدن منذ عام، مما يعني أن انتهاء العمليات القتالية حدث يمر بهدوء نسبي.

وبينما تحاول الإدارة الأميركية أن تتحدث عن نجاح استراتيجية أوباما في العراق والتزامه بوعده بسحب القوات الأميركية من العراق، تتغاضى في الوقت نفسه عن الإجابة عن موقف أوباما من زيادة القوات الأميركية في العراق عام 2007 واستراتيجية سلفه جورج بوش الابن التي ساعدت في خفض حدة العنف في البلاد. ووجهت أسئلة عدة للناطق باسم البيت الأبيض غيبس حول ما إذا كان أوباما سيعترف بأن زيادة عدد القوات الأميركية عام 2007، الأمر الذي عارضه أوباما في مجلس الشيوخ، كان صائبا. ورفض غيبس الإجابة عن الأسئلة، مكتفيا بالقول: «الرئيس دائما آمن بأنك ستغير الوضع الأمني من خلال زيادة كبيرة للقوات ولكن من المهم القول بأننا لم نكن سنحقق كل ما يجب عمله في العراق بمجرد (خطوات) عسكرية، كان يجب أن يكون هناك تسوية سياسية».

وقد اتصل أوباما ببوش أمس ولكن لم يتم الكشف عن تفاصيل تلك المكالمة، التي أجراها وهو على متن الطائرة الرئاسية متوجها إلى تكساس.

وعند إلقائه خطابه عن العراق من المكتب البيضاوي أمس يكون أوباما يتحدث للمرة الأولى من ذلك المكتب بعد تزيينه مجددا ليناسب ذوق أوباما ويتخلص من ديكور الرئيس السابق بوش. والتغييرات في ديكور المكتب البيضاوي والكشف عنها للمرة الأولى قبل خطاب أوباما حول العراق فيها دلالات رمزية على التغيير الكبير في البيت الأبيض وانتهاء المرحلة السابقة. وفي وسط المكتب توجد سجادة جديدة تحمل شعار الرئاسة الأميركية وعليها مقولة من الرئيس الأميركي السابق فرانكلن روزفلت تقول: «الأمر الوحيد الذي علينا أن نخافه هو الخوف نفسه».