أصحاب الدخل المحدود يرتدون الماركات المشهورة.. مقلدة!

الظاهرة تؤرق بيوت الأزياء وتثير الكثير من الجدل بين رافض ومؤيد

امرأة تشتري حقيبة «غوتشي» من أحد الأسواق (رويترز)
TT

إذا سنحت لك الفرصة لزيارة مدينة اسطنبول في يوم من الأيام، فلا بد أنك لن تفوت على نفسك زيارة أسواقها الشعبية الشهيرة، من السوق المصرية للتوابل إلى أسواق النحاس والذهب والسجاد مرورا بسوق الجلود. لكن لا تتصور أنك، في هذا الأخير، ستقتني بضاعة تركية مائة في المائة، وستصاب بالدهشة لأن أغلبية البضاعة هنا مقلدة سواء تعلق الأمر بالجاكيتات والمعاطف المفصلة بأسلوب أرماني أو فندي وغيرهما، أو حقائب اليد، التي ستصيبك بالدهشة من وفرتها وجودتها وأسعارها. فهنا ستجد حقائب «كيلي» الشهيرة لـ«هيرميس» التي قد تطول لائحة انتظار الحصول عليها إلى عدة أشهر، إلى جانب حقائب «شانيل»، «لانفان»، «كلوي»، «غوتشي»، «لوي فيتون»، «بيربيري» وغيرهم، بأسعار زهيدة بالمقارنة مع الأصلية. مما يجعلها أكثر إغراء جودة تقليدها إلى حد أنه من الصعب التفريق بينها وبين الأصلية إلا إذا كانت لديك الخبرة الطويلة والعين الثاقبة.

تركيا ليست الوجهة الوحيدة التي تتفنن في تقليد المنتجات المترفة، وتغري بشرائها، فهناك أسواق دبي وإيران واليونان، من دون أن ننسى أسواق آسيا بل وحتى شوارع سويسرا فيما يتعلق بالساعات المقلدة. هذه الظاهرة التي تؤرق بيوت الأزياء والمجوهرات، تثير الكثير من الجدل بين رافض ومؤيد لها منذ زمن طويل. الرافضون يتمثلون في بيوت الأزياء التي تشن حملات ضدها بالقانون، موضحين أنها تكبدهم الكثير من الخسائر فضلا عن أنها تقتل الإبداع وتمول عالم الجريمة، والمؤيدون يردون بأن من حقهم الاختيار ويطالبون بممارسة قليل من الديمقراطية. وتجدر الإشارة إلى أن أغلب المؤيدين للظاهرة ينتمون إلى فئات من المجتمع ليست لها القدرة المالية لاقتناء المنتجات الأصلية، ويجدون في التقليد مفتاح دخولهم عالم الموضة والصراعات من أوسع الأبواب، فكلما نجحوا في شراء ساعة «كارتييه» أو نظارات «ديور» أو حقيبة «شانيل» أو «لوي فيتون» بسعر زهيد أو متوسط، شعروا بالزهو وكأنهم دخلوا نادي الأناقة المترفة وأصبحوا أعضاء فيها. هؤلاء المؤيدون وجدوا مؤخرا نصيرا لهم جاء على شكل تقرير موله الاتحاد الأوروبي جاء فيه أن شكاوي بيوت الأزياء والمصممين بأن التقليد يؤثر عليهم سلبا ويعرضهم لخسائر كثيرة، مبالغ فيها وليس لها أساس من الصحة، لأن أغلبية من يشترون هذه البضائع هم من الطبقات التي ليست لها إمكانات شراء الأصلي أساسا، ولا يمكن أن يكونوا من زبائنهم في يوم ما، وبالتالي فإن شراءهم المزيف لا يؤثر عليها لا من بعيد أو قريب. وذهب التقرير إلى أعد من ذلك بقوله إن العكس صحيح، فهي تروج لأسمائهم وتعرف بهم بطريقة غير مباشرة. ويضيف التقرير أن معاقبة المتجرين فيها هو مضيعة للوقت والجهد. البروفيسور، ديفيد وولز، المستشار في الشؤون الجنائية في الحكومة البريطانية وأحد المشاركين في كتابة التقرير، قال، حسبما نشرته جريدة «الدايلي تلغراف» البريطانية بأن الخسائر التي تتكبدها صناعة الموضة من التقليد هي خمس الرقم المعلن عنه دائما، أو «ربما أقل» مشيرا أن هناك دلائل بأن العكس صحيح، بمعنى أنها تفيد الماركات العالمية كونها تعرف بهم في أوساط لا يمكن أن تعرفهم لولا التقليد. وكتب أيضا: «علينا في المقابل أن نركز على تجارة الأدوية المزيفة وقطع الغيار المستعملة في صنع الطائرات وما شابهها من أمور تؤذي الناس وتؤثر على سلامتهم».

ليس غريبا أن يثير التقرير حفيظة بيوت الأزياء، وعلى رأسها «لوي فيتون» المتضرر الأكبر من الظاهرة، التي جاء ردها قويا على لسان متحدث رسمي قال: «بيع البضائع المقلدة جريمة خطيرة لأن أرباحها تمول مجرمين». بدورها ردت دار «بيربيري» بأن الظاهرة خطيرة وأنها ستتولى متابعة كل من ستسول له نفسه بتقليدها وطرح منتجات مزيفة تحمل ماركتها المسجلة بالقانون. رد فعل دار «بيربيري» له ما يبرره، فقد عانت كثيرا من الظاهرة وأدت ثمنا كبيرا لها في فترة من الفترات، كاد أن يؤدي بها إلى الإفلاس. فقد فقدت صورتها المتألقة وأصبحت نقوشاتها المربعة في كل مكان وبحوزة كل من هب ودب، إلى درجة أن الطبقات الراقية باتت تتخوف منها ومن إيحاءاتها السلبية، ولم تسترجع بريقها إلا في العقد الأخير باتباعها عدة استراتيجيات محسوبة. «لوي فيتون» أيضا تشن حربا على التقليد منذ سنوات، وبالفعل حصلت على مساندة القانون الأميركي والفرنسي لها، بمعاقبة كل من يقبض عليه وبحوزته قطعة مقلدة، وتحذر كل السياح والمسافرين بعدم حمل حقائب مقلدة في المطارات.

في فرنسا، مثلا، تقدر الغرامة التي يدفعها كل من يقبض عليه متلبسا بشراء أو حمل بضاعة مزيفة من أي ماركة نحو 300.000 يورو، أو بثلاث سنوات سجنا. في إيطاليا، وفي بداية هذا الصيف، أدت سائحة غرامة تقدر بألف يورو لشرائها حقيبة مزيفة بنقوشات «لوي فيتون» بـ7 يوروات. وحتى في حال سلمت الجرة خلال الإجازة، فإنها قد لا تسلم عند الوصول إلى المطار. أما في بريطانيا، فأشار التقرير المذكور أعلاه إلى أن ثلاثة ملايين بريطاني يشترون بضائع مقلدة كل سنة، علما بأنهم لا يحتاجون للسفر ليقعوا تحت سحرها، فثلثهم يشترونها من مواقع الإنترنت، ولا يرون في الأمر عيبا، لا سيما أنه يصعب التفريق بينها وبين الأصلي نظرا لإتقانها. وهذا الإتقان والجودة هو ما حاول التقرير التركيز عليهما، وتسليط أنظار بيوت الأزياء والمصممين عليه لمواجهته عوض تحويل الأمر إلى الشرطة أو القانون. العنصر الآخر المهم الذي يؤدي إلى انتعاش الظاهرة أن أسعار البضائع وصلت إلى الجنون في الآونة الأخيرة، مما يجعلها مبررة في نظر بعض الصغار أو محدودي الدخل من الذين يريدون دخول نادي الأناقة ويحبون الموضة لكنها تجافيهم ولا تبادلهم الحب، وفي كل موسم تتجاوزهم محلقة نحو نخبوية يحلمون بها ويريدون الحصول عليها، لكن بأسعار مقدور عليها.