مباشرة أعمال الصيانة في قلعة أربيل.. وتفاؤل بالعثور على معبد عشتار

على طريق دخول «قائمة اليونسكو للتراث العالمي»

جانب من قلعة أربيل («الشرق الاوسط»)
TT

أدرجت قلعة أربيل، في إقليم كردستان العراق، أخيرا ضمن «قائمة اليونسكو للتراث العالمي»، بعدما اعتبرتها المنظمة الدولية التابعة للأمم المتحدة معلما أثريا عالميا، تكاد توازي في أهميتها أهرام مصر وغيرها من المواقع الأثرية والتراثية في العالم. وبذا دخلت هذه القلعة دائرة الاهتمام الدولي عبر المنظمة التي تعمل حاليا على مشروع ضخم لإعادة تجديدها وصيانتها.

قلعة أربيل تعتبر من إحدى أهم المدن المحصنة التاريخية التي ما زالت مسكونة عبر أكثر من سبعة آلاف سنة، وبعدما تعاقبت عليها مختلف الحضارات القديمة. وكان محافظ أربيل ومدير آثار كردستان قد وقعا عام 2007 عقدا مع «اليونسكو» (منظمة الأمم المتحدة للتربية والعلوم والثقافة) لإدراج القلعة ضمن قائمة المعالم الأثرية العالمية. وتشكلت إثر ذلك هيئة خاصة تابعة لرئاسة مجلس الوزراء للإشراف على مشروع للترميم والصيانة، غير أن الإجراءات الروتينية وبطء عمل الهيئة حال دون مباشرة ذلك المشروع الحيوي. ولكن لاحقا نجح المحافظ نوزاد هادي في إعادة ربط هذه الهيئة بديوان المحافظة وتحت إشرافه المباشر، ليشرع بعده في تنفيذ مشروع التجديد والصيانة الذي بدأ أعماله منذ أسابيع، وهو سينطلق أولا من خلال ترميم السياج الخارجي للقلعة التاريخية، يليها العمل في مشاريع سياحية وخدمية داخل بدن القلعة. وسيترافق هذا العمل مع جهود التنقيب الأثري تحت القلعة بهدف الوصول إلى اكتشافات أثرية مهمة يعتقد أنها مطمورة تحت ترابها.

أبناء أربيل يذكرون، في سنوات الصبا في المدينة، كيف كان آباؤهم وأجدادهم يتحدثون عن وجود «كنوز هائلة» تحت القلعة دفنها في ترابها ملوكها وحكامها. إلا أن المحافظ لا يطمع في الحصول على هذه الكنوز، بقدر ما يجتهد للكشف عن المعبد الآشوري الذي يعتقد أن التنقيبات تقترب منه بعد إجراء فحوص بجهاز السونار. ويؤكد المحافظ لـ«الشرق الأوسط» أن الجزء الأهم من عملية الترميم والتجديد «هو التنقيبات الأثرية التي سنبدأ بها بالتزامن مع عمليات التجديد والصيانة. فلدينا الكثير من الوثائق التاريخية التي تثبت وجود آثار مطمورة داخل القلعة، والفحوص التي أجريت بجهاز السونار على عمق 13 مترا، أثبتت وجود معبد عشتار التاريخي الذي تحدثت عنه المصادر التاريخية. والمعروف أن هذه المصادر تتحدث عن هذا المعبد، ونحن نطمح إلى العثور عليه، وفي حال نجحنا في ذلك فإن هذا سيعتبر مكسبا تاريخيا كبيرا لكردستان والعراق، ولا سيما، لجهة تعزيز مكانة القلعة بين المعالم الأثرية العالمية».

ويرى المحافظ نوزاد هادي «أن تعاقب الحضارات التاريخية القديمة على القلعة، باعتبارها مركزا للحكم ومدينة مأهولة بالسكان، منها الحضارات السومرية والأكدية والفارسية والآشورية، يؤكد وجود آثار أخرى مطمورة بالداخل، ولذلك فنحن متفائلون بالكشف عن الكثير من آثارهم التي ستكون لها قيمة تاريخية كبيرة».

ويشير المحافظ إلى «أن المحافظة وقعت عقدين مع منظمة اليونسكو في العاصمة الأردنية عمّان بميزانية تقدّر بـ13 مليون دولار تتحملها المحافظة. العقد الأول ينص على مشروع إعادة صيانة وترميم السياج الخارجي للقلعة، وهو المشروع الذي وضعنا حجر الأساس له مع ممثل الأمين العام في العراق أد ميلكرت ودخل طور التنفيذ تحت إشراف منظمة اليونسكو، والعقد الثاني يتصل بالمرحلة الثانية التي تضم مشروعا لتجديد الداخل، ويتركز هذا المشروع على إحياء البنية التحتية كالخدمات من مياه ومجارٍ وكهرباء وغيرها، ثم بناء حي سكني واحد سيخصص تحديدا لموظفي الحكومة العاملين في مجال تلك الخدمات، مع تشييد عدد من الموتيلات السياحية، وإنشاء دكاكين للعروض الفلكلورية وقاعات أخرى للعروض، وسيترافق ذلك مع تجديد عدد من الحمامات والمقاهي الشعبية، ذلك أننا نريد أن نحول القلعة إلى معلم سياحي إلى جانب إنهاضها من الناحية التاريخية، فأهمية هذه القلعة تكمن في كونها مأهولة بالسكان منذ آلاف السنين». وأوضح المحافظ «أن ما أبرم مع منظمة اليونسكو حدد تنفيذ هذا المشروع بخمس سنوات، ولكن المنظمة تعهدت بإنجازه ضمن مهلة ثلاث سنوات، وهذا في حد ذاته يبين مدى اهتمام المنظمة بالقلعة كموقع أثري عالمي».

وسألت «الشرق الأوسط» المحافظ نوزاد هادي عن أن هناك كلاما بأن المحافظة لم تلتزم شروط اليونسكو حيال ما يتعلق بالأبنية المجاورة للقلعة، خصوصا الأبنية العالية التي تحجب منظر القلعة الأثرية، ويقال إن هناك ربطا بين هذه المسألة وإدراج القلعة ضمن القائمة المؤقتة للمنظمة العالمية؟

فأجاب: «هذا الكلام غير صحيح، بدليل أن قلعة كركوك أيضا أدرجت ضمن القائمة المؤقتة... وهذه معايير معتمدة من المنظمة الدولية. في البدء يصار إلى إدراج المعالم الأثرية على القائمة المؤقتة لحين التأكد من توافر الشروط وتطابقها مع المواصفات الأثرية، وهذا ما يحدث الآن. فقد جرى قبول القلعة كموقع أثري عالمي، ونأمل بعد انتهاء أعمال الصيانة والترميم واستعادة التصميم الأساسي للقلعة أن تدرج في القائمة الدائمة، وعندها ستكون القلعة من الناحية الأثرية معلما أثريا وتاريخيا تضاهي في أهميتها المعالم الأثرية الأخرى بالعالم مثل أهرام مصر».

وسألناه عن الباب الرئيس للقلعة، وهو من أهم معالمها، ولقد لحق به تشويه كبير في عهد النظام السابق، وأعيد بناء باب لا يمت بأي صلة إلى القلعة التاريخية، فهل سيعاد النظر في بناء الباب الرئيس؟

ورد المحافظ نوزاد هادي: «هذا الباب هو الجزء الأساسي والأهم في مشروع إعادة الترميم والصيانة. فنحن نعلم بأن الباب الرئيس الذي يشكل أبرز معالم القلعة قد جرى تشويهه في عهد النظام السابق. لقد بنوا بابا من الإسمنت والطابوق الحديث، وصمم بشكل يرمز إلى النظام السابق، وإذا تذكرتم أن ذلك النظام أجرى تشويها متعمدا بالكثير من المواقع الأثرية في العراق، وعلى سبيل المثال لا الحصر، التشويه الذي لحق بمدينة بابل وأدى إلى إخراج هذا الموقع الأثري الكبير من قائمة اليونسكو، كما شوّهت المعالم الأثرية الآشورية في مدينة الموصل. ولعلكم لاحظتم كيف أن الأيدي عبثت حتى بالرسوم الآشورية الموجودة في المواقع الأثرية بقصر الرماح، على سبيل المثال، وبالأخص العبث بالأزياء المعروفة التي كان الآشوريون يرتدونها. وبالنسبة لقلعة أربيل، عمد النظام السابق أيضا إلى تشويه معالمها من خلال بناء ذلك الباب الرئيس، والملاحظ أن التصميم الذي اعتمد أراد أن يعطي طابعا عربيا للقلعة التاريخية مع أنها كانت مركزا مهما في العصر الآشوري، السابق للوجود العربي في المنطقة. ولذا، فإن أهم جزء من مشروع التطوير والتجديد هو استعادة الباب الرئيس كما هو موجود في الصور والوثائق التاريخية، والذي بناه سكان القلعة بعيدا عن التأثر بالانتماءات السياسية. نحن نريد استرجاع الأصل لنستعيد القيمة التاريخية والأثرية لهذه القلعة».

وحول مزايا المشروع، قال محافظ أربيل: «عند الانتهاء من هذا المشروع واستعادة التصميم الأساسي للقلعة الذي نهدف إليه، ستُدرج القلعة في قائمة التراث العالمي الدائمة، وهذا، كما سبق لي قوله، يجر معه اهتماما أكبر من الأوساط الدولية سواء لجهة التبرعات، أو لجهة تحريم العمليات العسكرية. ونحن نتذكر كيف وجه النظام السابق مدافعه إلى القلعة أثناء انتفاضة 1991 فهدمت جزءا منها، ونتوقع بانتهاء المشروع وإنجاز أعمال التنقيب أن تتحول هذه القلعة إلى معلم سياحي مهم يستقطب الكثير من السياح في أنحاء العالم».

وحول المواد التي تستخدم في إعادة عمليات الترميم والصيانة، ولا سيما أن أهمية المعالم الأثرية تكمن في الحفاظ على موادها الأساسية، قال: «بالطبع، نحن ندرك أهمية ذلك، ولذلك ستكون جميع عمليات الترميم والصيانة وحتى بناء المرافق الجديدة بالمواد نفسها المستخدمة في القلعة».

وأخيرا، حول خطط إبراز القلعة كمعلم أثري، أوضح المحافظ: «لدينا مشروع لإخلاء أطراف القلعة بهدف إبرازها. وبعدما نجحنا في إخلاء جزء مهم من الطرف الجنوبي برفع عدد من الأسواق والمحلات التجارية، وبناء حديقة عامة بمكانها، سنكمل هذا المشروع في القسم الثاني خلال الفترة المقبلة. وتتركز المرحلة الثانية على هدم جميع الأبنية والدوائر الرسمية في الجهة الشمالية، وهي تشمل بناية المحافظة والمحكمة والتربية ومئات المحلات ومع عدد من الأبنية الأخرى، وذلك لإيجاد فسحة واسعة حول القلعة، ولكن الإجراء لن يشمل بالطبع سوق القيصرية الواقعة بمحاذاة القلعة، لأن هذه السوق تعتبر سوقا تراثية وهي أقدم أسواق المدينة التي لن يمسها أي تغيير، وكذلك المحلات المحيطة بالقلعة، وخصوصا، محلة الخانقاه التي سنجددها، لكننا لن نخليها».