نيويورك: السجن 86 عاما لعالمة أعصاب «القاعدة»

باكستان تعمل لإعادة عالمتها المحكوم عليها.. وغضب ومظاهرات في 4 مدن كبرى

رسم لعالمة أعصاب «القاعدة»، عافية صديقي، خلال مثولها أمام المحكمة الفيدرالية في نيويورك، أمس (أ.ف.ب)
TT

اندلعت مظاهرات، أول من أمس، في أربع مدن باكستانية رئيسية على الأقل للتنديد بالحكم الذي أصدرته محكمة أميركية بحق الباكستانية الدكتورة عافية صديقي، التي اعتقلتها القوات الأميركية في مدينة غزني الأفغانية بتهمة مهاجمة جندي مشاة البحرية الأميركية لقتله في عام 2008.

واستخدمت الشرطة الباكستانية أمس الغاز المسيل للدموع لتفريق متظاهرين هتفوا «الموت لأميركا» في احتجاجات غاضبة على إصدار محكمة أميركية حكما بالسجن 86 عاما على عافية صديقي بتهمة محاولة قتل ضباط أميركيين. وحاول المتظاهرون الباكستانيون المسلحون بالحجارة والعصي كسر الطوق الأمني وحاولوا الوصول إلى مبنى السفارة والقنصلية الأميركية في كل من كراتشي وإسلام آباد. تصادم المتظاهرون، وغالبيتهم من ناشطي الأحزاب الدينية، مع الشرطة الباكستانية، التي قامت باستخدام الغاز المسيل للدموع والهروات لتفريق المتظاهرين. وفي قضية لقيت إدانة في باكستان التي يبلغ عدد سكانها 168 مليون نسمة، قالت الحكومة إنها ستتقدم بطلب لواشنطن لإعادة عافية، وهي أم لثلاثة أطفال، إلى باكستان لأسباب إنسانية. وحكمت محكمة في نيويورك على عافية، عالمة الأعصاب التي كانت تصفها الصحف الأميركية بـ«سيدة القاعدة»، بالسجن بعد إدانتها بمحاولة قتل ضباط أميركيين في أفغانستان عام 2008 بعد خمس سنوات من اختفائها. وفي مدينة كراتشي، موطن عافية الأصلي، أطلقت الشرطة الغاز المسيل للدموع لمنع العشرات من القيام بمسيرة في اتجاه القنصلية الأميركية تلبية لنداء جناح الشباب في حزب الجماعة الإسلامية.

وهتف المحتجون «الموت لأميركا» و«الله أكبر» و«أفرجوا عن عافية صديقي» و«يسقط نظام القضاء الأميركي». وانتشر المئات من رجال شرطة مكافحة الشغب على طريق شهرائي فيصل الرئيسي لمنع المحتجين من التوجه إلى القنصلية الأميركية.

وقال ضابط الشرطة، جاويد أكبر قازي، إن الشرطة اعتقلت 14 شخصا على الأقل لتسببهم في اضطرابات. وتفرق المحتجون بعد ذلك بسلام. وخرج مئات آخرون إلى شوارع لاهور، ثاني أكبر المدن الباكستانية. وقاد السياسي ولاعب الكريكت السابق، عمران خان، مسيرة لإدانة الحكم «غير الأخلاقي وغير الإنساني». ودان المتظاهرون الرئيس آصف علي زرداري، وحذر خان الذي يتزعم حزب الحركة الباكستانية للإنصاف، من أن الحكم يمكن أن يثير المشاعر المعادية للولايات المتحدة في باكستان والعالم الإسلامي.

وتظاهر مئات آخرون تحت راية حزب الجماعة الإسلامية في لاهور وهتفوا «حرروا عافية صديقي». وقال لياقات بالوش، الزعيم البارز في الجماعة الإسلامية الذي قاد المسيرة، إن «الحكم ضد صديقي يستند إلى سياسة أميركية معادية للإسلام».

وفي إسلام آباد منعت الشرطة عشرات الطلاب الإسلاميين من التوجه إلى السفارة الأميركية لتقديم رسالة اعتراض على الحكم. وهتف المتظاهرون «اسحقوا أميركا» و«صديقي أختنا» و«سنعيدها إلى البلاد». وقام عشرات المحامين والنشطاء بإغلاق الطرق في مدينة مولتان وهتفوا «تسقط أميركا» وأشعلوا النار في دمية للرئيس باراك أوباما والرئيس الباكستاني السابق برويز مشرف. وأدينت صديقي (38 عاما) التي كانت طالبة متفوقة في معهد ماساشوستس للتكنولوجيا، بتهمة حيازة بندقية في مركز للشرطة الأفغانية حيث كان يجري استجوابها في 2008، ومحاولة إطلاق النار على جنود أميركيين. وقال الادعاء إنها استولت على السلاح وفتحت النار على الجنود الأميركيين وممثلين من مكتب التحقيقات الفيدرالي (إف بي آي) كانوا يحاولون اقتيادها إلى المعتقل، إلا أنها لم تصبهم، وأصيبت بنيران أحد الجنود الأميركيين. وكانت المظاهرات قد اندلعت بعد صلاة الجمعة في كراتشي وإسلام آباد، وتواصلت الاشتباكات بين الشرطة والمتظاهرين عدة ساعات، قام خلالها رجال الشرطة باستخدام الهراوات في تفريق مسيرة خارج القنصلية الأميركية في كراتشي، التي نظمها الآلاف من الطلبة الذين خرجوا احتجاجا على الحكم الصادر ضد صديقي، وهتفوا بشعارات مناوئة للولايات المتحدة وطالبوا بإطلاق سراح طبيبة الأعصاب الباكستانية. وعلى الرغم من لجوء الشرطة إلى إطلاق النار في الهواء واستخدام الهراوات، فإنها فشلت في منع الطلبة من السير في اتجاه القنصلية الأميركية في كراتشي.

وفي إسلام آباد حاول الناشطون السياسيون من مختلف الأحزاب السياسية الوصول إلى السفارة الأميركية في المنطقة الدبلوماسية، بيد أن الشرطة استخدمت الغاز المسيل للدموع والهراوات لتفريق الطلبة. وفي محاولة لاحتواء الغضب والمظاهرات، قال رئيس الوزراء، يوسف رضا جيلاني، إن الحكومة ستبذل كل ما يمكن كي تعيد صديقي التي قضت المحكمة الأميركية بسجنها 86 عاما. ويعتقد الكثيرون في باكستان أن الدكتورة صديقي اختطفت من قبل العملاء الأميركيين في عام 2003، حيث سجنت في قاعدة باغرام الجوية لخمس سنوات وتعرضت لتعذيب شديد، لكن الحكومة الأميركية رفضت هذه الاتهامات. وقال محامو الدفاع إنه لا يوجد أي دليل حسي مثل بصمات الأصابع أو آثار مسحوق البارود تثبت أن صديقي استولت على البندقية. وأكد المحامون أنهم سيستأنفون الحكم، بينما تعهدت عائلتها بإطلاق «تحرك» للإفراج عنها من السجن. وصرح رئيس الوزراء يوسف رضا جيلاني أمام مجلس الشيوخ الباكستاني قائلا: «سنلجأ إلى كل الطرق لإعادتها. الدكتورة عافية هي ابنة الأمة. لقد قاتلنا من أجلها وسنقاتل سياسيا من أجل إعادتها إلى البلاد». وقال الناطق باسم وزارة الداخلية الباكستانية، رحمن مالك، إن الحكومة ستتقدم بطلب إلى الإدارة الأميركية لمراجعة الحكم على «أساس إنساني» وستطلب تسليم صديقي إلى باكستان والتعامل معها بموجب القانون الباكستاني. وردا على سؤال حول الظروف التي يمكن أن تسمح بإعادة صديقي، قال مالك إن أوباما قد يصدر عفوا عنها أو يمكن التوصل إلى اتفاق لجعلها تقضي جزءا من الحكم على الأقل في باكستان. ودعت مفوضية حقوق الإنسان الباكستانية إسلام آباد وواشنطن إلى التفاوض بشكل عاجل على إعادة صديقي لأسباب إنسانية. وذكر مهدي حسن، رئيس المفوضية: «نخشى أن يساء فهم الحكم في باكستان ويتسبب في زيادة التوتر بين الدولتين الحليفتين في الحرب على الإرهاب». من جهته، قال الناطق باسم وزارة الخارجية الباكستانية، عبد الباسط، نشعر بخيبة أمل وحزن لهذا الحكم». وأضاف: «سنواصل جهودنا لإعادة عافية صديقي إلى باكستان». ونددت صديقي بالحكم وأكدت أن استئناف الحكم «سيكون مضيعة للوقت». ودانت محكمة فيدرالية صديقي في فبراير (شباط) الماضي بمحاولة قتل جنود أميركيين في أفغانستان. وخلال جلسة استماع سابقة، استمعت صديقي إلى حكم المحلفين عليها دون أن يرف لها جفن، لكن خلال مرافقة الشرطة لها خارج القاعة قالت: «هذا الحكم من إسرائيل وليس من أميركا.. يجب توجيه الغضب نحو الهدف المحدد.. ويمكنني أن أشهد على هذا، ولدي الدليل». ووصفت العالمة الباكستانية الحكم بأنه «غير عادل»، مشددة على وجوب أن تنال محاكمة عادلة بعد الطعن في القرار.

يذكر أن صديقي هي باحثة مختصة بعلم الأعصاب، وكانت قد درست في معهد ماساشوستس للتكنولوجيا المرموق في الولايات المتحدة قبل زواجها من قريب لخالد شيخ محمد، المتهم بأنه العقل المدبر لهجمات الحادي عشر من سبتمبر (أيلول) عام 2001، ثم عودتها إلى باكستان. من جانبها، قالت شقيقة عافية، الدكتورة فوزية صديقي، إن الحكم الذي صدر بحق أختها «سيثبت أنه مضر بالنسبة إلى الولايات المتحدة بجميع السبل»، وقالت: «إن نظام العدالة، الذي تعتقد الولايات المتحدة أنه مصدر فخرها، لم يعد فعالا. إنها بداية الانحطاط بالنسبة إلى الولايات المتحدة». وجاء نقل صديقي إلى الأراضي الأميركية في مطلع أغسطس (آب) 2008، بعد اعتقالها في أفغانستان، وإثر مطاردة استمرت لسنوات كانت خلالها (صديقي) أول امرأة تضاف إلى لائحة الإرهاب لصلتها المفترضة بتنظيم القاعدة. يذكر أن صديقي كانت قد اعتقلت خارج مقر حاكم غزني، بعد أن عثر في حوزتها على إرشادات لصناعة متفجرات، إلى جانب وصف لمعالم أميركية، بالإضافة إلى مواد محفوظة في أوعية زجاجية، وفقا لمذكرة الاتهام الصادرة في سبتمبر 2008، كما عثر في حوزتها على بطاقة ذاكرة كومبيوتر تحتوي على مراسلات تشير إلى وجود «خلايا» محددة و«هجمات» نفذتها «خلايا» و«أعداء»، بحسب المذكرة ذاتها، بينما أشارت وثائق أخرى إلى عمليات استقطاب لعناصر جدد، وعمليات تدريب في معسكرات.