لبنان: هموم اقتصادية ومتطلبات مضاعفة مع كل بداية عام دراسي

«اصطياد» ما تيسر من الكتب المستعملة يبقى الحل الأمثل لتوفير القليل من المال

مدارس لبنان تتوزع بين فئات متعددة. الرسمية منها لا تزال تفتقد ثقة اللبنانيين بها ولكنها تبقى الملجأ الوحيد للفقراء («الشرق الأوسط»)
TT

في كل موسم دراسي جديد يجد اللبنانيون أنفسهم أمام هموم مادية واجتماعية تثقل أيامهم بمتطلبات هذه المرحلة التي تشكل المحطة السنوية والأساسية لانطلاقة العام الدراسي وما يترتب عليه في ما بعد من مستحقات لا تنتهي طوال الأشهر التسعة.

لائحة طويلة و«دسمة» تندرج فيها هذه الهموم التي تبدأ من زيادة الأقساط سنويا ولا تنتهي بدفع المستحقات الثانوية التي تزيد تكلفتها سنة بعد سنة، مرورا بالأساسية التي لا يمكن تجاهلها أو الاستغناء عنها. وجديد هذا العام الزيادة المعلنة التي فرضتها المدارس اللبنانية على الأهل بعدما أقرت الزيادة على رواتب المعلمين، وبالتالي صار أمام المدارس التي كانت تعمد سنويا إلى زيادة أقساطها «في السر» حجة لزيادتها في العلن، مع العلم أن بعض المؤسسات التربوية الخاصة تفرض هذه الزيادة مستندة إلى الحجة نفسها من دون أن يعني ذلك إعطاء المعلمين حقوقهم، بعيدا عن أي حسيب أو رقيب.

هي هموم عامة لا تختلف بين عائلة لبنانية وأخرى، باستثناء طبعا أولئك الذين ينعمون بأوضاع مادية «فائضة» تجعلهم بعيدين عن هذه الأجواء الاقتصادية «الخانقة»، ولا يجدون أي مشكلة من دفع أقساط مدرسية بآلاف الدولارات.

مع العلم أن مدارس لبنان تتوزع بين فئات متعددة، وتأتي الرسمية التي لا تزال تفتقد إلى ثقة اللبنانيين بها، في خانة واحدة، مع متطلباتها المادية المحدودة التي تبقى الملجأ الوحيد للفقراء، لا سيما أنه وفي الفترة الأخيرة، عمدت الدولة اللبنانية إلى إعفاء تلاميذ هذه المدارس في المرحلتين الابتدائية والمتوسطة من الرسوم المتوجبة عليهم، من دون أن يعني ذلك عدم معاناة الأهل من تأمين المتطلبات المدرسية الأخرى التي يحتاجها الطالب خلال يومياته الدراسية.

تقول سامية نوفل، أم لثلاثة أولاد تعمل هي وزوجها لتعليم أولادها في مدرسة خاصة ذات مستوى أكاديمي جيد جدا: «لم أعد أحتمل دفع المصاريف التي تزيد يوما بعد يوم في المدرسة، وإضافة إلى ذلك عندما وصل ابني إلى الصف الرابع المتوسط وحان الوقت كي يتقدم لامتحانات رسمية رفضت إدارة المدرسة رفعه بحجة أن معدله العام متدن، مع العلم أنه ليس راسبا، وبالتالي فإضافة إلى أنهم فرضوا زيادة على القسط فها هم يطلبون مني أن أدفع القسط مرة ثانية، لذا اتخذت قرارا بنقله إلى مدرسة رسمية مقابل قسط لا يتجاوز الـ150 دولارا أميركيا، في حين أن القسط في المدرسة الخاصة يصل إلى ثلاثة آلاف دولار من دون احتساب بدل النقل وغيرها من المتطلبات التي تتطلب دفع مئات الدولارات سنويا». وتضيف: «مع العلم أن المدارس الخاصة وإمعانا منها في زيادة الأرباح المادية التي تحصل عليها من العائلات اللبنانية، تعمد سنويا إلى تغيير أسماء الكتب حتى يصبح الأهل مضطرين لشرائها جديدة ويفقدوا بذلك أي فرصة لشراء المستعملة منها التي توفر عليهم القليل من المال».

وهنا لا بد من الإشارة إلى أنه وفي محاولة منها لتخفيف ثقل هذه الأعباء المادية عنها، تعمد العائلات الفقيرة وحتى متوسطة الحال إلى اتباع سياسة «اصطياد» الكتب المستعملة، إذ إنهم يبذلون جهودهم ويبحثون في المكتبات أو يسألون العائلات عن كتب أولادهم المستعملة كي يشتروها بنصف السعر. أما من قرر بيع كتب أولاده القديمة إلى إحدى المكتبات، فهو لن يحصل بدلا عنها أكثر من ربع السعر لتتمكن بدورها من بيعها بنصف السعر إلى العائلات الأخرى.

من جهتها، تتعاون سوسن طبارة مع زوجها لتأمين متطلبات ابنها وابنتها المدرسية، وتعاني هموم المبالغ الباهظة التي عليها أن تدفعها كل عام للمدرسة والتي تعتبر أقساطها متوسطة مقارنة مع أقساط المدارس الأخرى، وتعدد المصاريف المتوجبة عليها سنويا، «يتراوح القسط السنوي بين 3000 و3500 دولار أميركي من دون احتساب بدل النقل الذي يبلغ 600 دولار، أما القرطاسية فتبلغ نحو 125 دولارا أميركيا. في حين تتجاوز لائحة الكتب المائتي دولار، لذا أحرص كل عام على إبدال كتب أولادي مع كتب أولاد إحدى صديقاتي، لكن المشكلة الأهم تكمن في لجوء المدارس إلى تبديل الكتب في كل عام دراسي، الأمر الذي يجعلنا مضطرين إلى شرائها جديدة».

لكن من جهة أخرى وإن كانت مسألة تغيير أسماء الكتب تتحول عادة إلى عبء مادي إضافي بالنسبة إلى الأهل، إلا أنه وفي هذا العام أسهم هذا الأمر في التخفيف من عبء الحقيبة المدرسية وثقلها على الأطفال، وذلك باتخاذ وزير التربية والتعليم العالي اللبناني حسن منيمنة قرارا بتجزئة كتب الحلقتين الأولى والثانية إلى جزأين، يدرس الأول منهما في النصف الأول من السنة والجزء الثاني في النصف الثاني منها.

كذلك وفي الإطار نفسه، لا تقل هموم الجامعات بدورها عن المدارس، بل تزيد حدتها في ظل ميول اللبنانيين إلى تعليم أولادهم في جامعات خاصة، نظرا إلى متطلبات سوق العمل اللبناني، الذي يعطي الأولوية للمتخرجين منها على المتخرجين من الجامعات الرسمية، مع ما يفرضه هذا الأمر من دفع مبالغ باهظة تصل إلى عشرات آلاف الدولارات. وفي هذا الإطار يقول طارق منيمنة، وهو طالب سنة أولى في إحدى الجامعات اللبنانية الخاصة «بدل أن أحصل على شهادتي خلال ثلاث سنوات، سأضطر إلى أن أمدد الفترة لتصل إلى خمس سنوات، نظرا إلى عدم توافر المال المطلوب واضطراري إلى العمل في موازاة دراستي لعدم قدرة والدي على مساعدتي، من دون أن يعني ذلك أنني سأتمكن من الفوز بوظيفة مناسبة بعد تخرجي، وبالتالي ستكون الهجرة هي الحل الأمثل الذي سألجأ إليه».