السعودية: جمعية «إبصار» تدرس إنشاء قرية صناعية لضعاف البصر والمكفوفين بميزانية تفوق 50 مليون ريال

بدأت في دراسة إنشاء سلسلة مصانع وتشغيلها من قبل ذوي الإعاقات البصرية

TT

شرعت «جمعية إبصار الخيرية للتأهيل وخدمة الإعاقة البصرية» في تنفيذ دراساتها الأولية بشأن إنشاء قرية صناعية لضعاف البصر والمكفوفين في السعودية، وذلك بميزانية قد تفوق 50 مليون ريال قياسا على التجارب المشابهة في دول العالم الأخرى.

وكشف لـ«الشرق الأوسط» مصدر مسؤول في جمعية «إبصار الخيرية للتأهيل وخدمة الإعاقة البصرية»، عن انتهاء مرحلة الدراسات الأولية خلال الشهور الثلاثة القادمة، لافتا إلى أنه سيتم رفع ملف تلك الدراسات إلى الجهات الحكومية المعنية أواخر العام الحالي بهدف الحصول على استطلاعاتها ودعمها. وأوضح محمد توفيق بلّو، الأمين العام للجمعية، أن هذه الفكرة ستكون رائدة إذا ما تم تبنيها فعليا من قبل الجهات الحكومية المختصة، ولا سيما أن أساس حركة النهضة في السعودية انطلق بناء على تبني المشاريع الإنسانية بفكر تنموي.

وقال خلال حديثه لـ«الشرق الأوسط»: «سيشهد مشروع إنشاء قرية صناعية لضعاف البصر والمكفوفين دفعة أولى بمجرد وصوله إلى جهات الاختصاص، وخصوصا أن السعودية تعيش فترة بناء عدد من المدن الاقتصادية، إلى جانب أن الإعاقة لم تدرج بعد في المنظور التنموي الصناعي بالشكل الكلي، الأمر الذي يجعل المملكة صاحبة ريادة إذا ما تم اتخاذها في ذلك المجال».

وأشار إلى احتمالية تجاوز الميزانية المخصصة لذلك المشروع 50 مليون ريال، وذلك قياسا على التجارب السابقة في الدول الأخرى، إلا أن دراسات الجدوى الاقتصادية لم تنته حتى الآن، مبينا وجود ما يقارب 4 مجموعات صناعية من القطاع الخاص أبدت رغبتها في دعم المشروع.

وذكر أنه بعد الحصول على الدراسات الفنية والاقتصادية اللازمة سيتم اجتذاب القطاعات الخاصة ذات طابع المسؤولية الاجتماعية لتخصيص جزء من ميزانيتها في دعم هذا المشروع، على أن يعاد تشغيل الأرباح المحققة، مما يسهم في تقليص قيمة الدعم المادي وخلق خطوط وشرايين اقتصادية جديدة تحقق الدعم الذاتي للقرية الصناعية. يأتي ذلك في وقت أعلن فيه الدكتور أحمد محمد علي، رئيس مجلس إدارة «جمعية إبصار الخيرية للتأهيل وخدمة الإعاقة البصرية» عن بدء التواصل مع الاتحاد البلغاري للمكفوفين، لكونه يمتلك مجموعة من المصانع المدارة من قبل هذه الفئة، مشيرا إلى تكليف مجموعة «أسياف» القابضة التي طرحت فكرة المشروع بعمل الدراسات الأولية والتواصل مع الجهات المعنية في بلغاريا باعتبارها من إحدى الدول المطبقة لتجربة إشراك قطاع خدمة الإعاقة البصرية في التنمية الاقتصادية والصناعية.

وأضاف: «تجري الآن الترتيبات لتكوين فريق من (إبصار) ومجموعة (أسياف) بهدف زيارة مصانع المكفوفين في دولة بلغاريا للاطلاع عليها وعقد اجتماعات مع مسؤوليها من أجل التباحث حول نقل تجربة مصانع تشغل من قبل أشخاص ذوي إعاقة بصرية في السعودية». ولفت إلى أن تلك المشاريع ترمي إلى تحويل ذوي الإعاقة البصرية في السعودية إلى قطاع إنتاج صناعي يعود بمردود تنموي واقتصادي على المجتمع، مضيفا: «نطمح إلى أن تكون فكرة مشروع المصانع نواة لمشاريع نوعية في المنطقة العربية والعالم، بحيث يتم التوسع فيها كي تصبح قرى صناعية منتشرة في عدد من مدن السعودية والعالم العربي وتلبية جميع الاحتياجات التنموية والاجتماعية والصناعية للمعاقين بصريا وذويهم والمختصين». وفيما يتعلق بمكونات القرية الصناعية، أفاد رئيس مجلس إدارة «جمعية إبصار الخيرية للتأهيل وخدمة الإعاقة البصرية»، بأنها تضم مركزا لإعادة تأهيل ضعيفي البصر والسمع، وعيادات عيون، ومجموعة مصانع تنتج جميع المستلزمات المتعلقة بالإعاقة البصرية وخدماتها، ومتاجر لبيع منتجات الأدوات والمعدات المساندة لذوي الاحتياجات والمختصين، فضلا عن معارض لبيع النظارات، ووحدات سكنية للعاملين، ومركز صحي ومراكز تدريب للكوادر في تخصصات القرية المتنوعة، وسوبر ماركت ومطاعم ومرافق رياضية تمارس فيها جميع الألعاب التنافسية لذوي الإعاقة البصرية، إلى جانب محطة وقود.

وبالعودة إلى أمين عام «جمعية إبصار الخيرية للتأهيل وخدمة الإعاقة البصرية»، فقد شدد على ضرورة الأخذ بعين الاعتبار، عند نقل فكرة مشروع إنشاء القرية الصناعية للسعودية، ارتفاع عدد المعاقين بصريا سواء في المملكة أو العالم العربي بشكل عام، مؤكدا على تزايد ذلك العدد خلال العقدين القادمين في ظل تعلق أسباب حالات ضعف البصر بالأمراض المنتشرة، كالسكري وشيخوخة العين.

وزاد: «يتميز المجتمع العربي بكونه مجتمعا فتيا، حيث إن ثلثي السكان فيه ممن هم دون سن 60 عاما، الأمر الذي يجعلهم معرضين للإصابة ببعض الأمراض المرتبطة بإشكالات الإبصار»، مطالبا بأهمية تحويل تلك الشريحة إلى قطاع تنموي اقتصادي يفيد نفسه والآخرين ويخفف العبء عن الدولة.

وبين أن ارتفاع أعداد المعاقين بصريا على مستوى العالم العربي البالغ حتى الآن نحو 5 ملايين معاق بصريا منهم ما يزيد على 70 في المائة يعانون من مشكلات اقتصادية واجتماعية نتيجة قلة الدخل أو انعدامه، ربما يكون إيجابيا من المنظور الاقتصادي. واستطرد في القول: «بإمكاننا تشكيل كتلة صناعية من تلك الشريحة تفيد وتنتفع، وخصوصا أنها تعتمد على الدعم في المقام الأول ضمن خط وخدمات غير منتجة اقتصاديا، الأمر الذي يحتم التفكير في رؤية أكثر إيجابية على المدى البعيد».

وأبان محمد توفيق بلّو، أن مكونات القرية حيوية جدا، من شأنها أن تخلق مجال توظيف عملي لعدد كبير من المعاقين بصريا، إضافة إلى إتاحة الفرصة أمام غير القادرين على العمل للحصول على دخل ثابت من خلال إعطائهم منح أسهم في هذه القرية. وحول ما تقوم به حاليا القطاعات الخاصة من برامج للمسؤولية الاجتماعية، لفت إلى أن أكثر من 100 مليون ريال يتم إنفاقها من قبل جميع هذه القطاعات التجارية في مثل تلك البرامج، غير أنه ليس له مردود مباشر لينمي حركة المسؤولية الاجتماعية.

وكانت مجموعة «أسياف» الدولية القابضة للتجارة والاستثمار قد تجاوبت بشكل سريع مع ما نشرته «الشرق الأوسط» في 10 من أغسطس (آب) الماضي حول وجود نحو 500 ألف معاق بصريا في السعودية من بينهم 159 ألف كفيف، وذلك من خلال إعلانها عن تطوعها بإنشاء سلسلة مصانع يديرها مكفوفون بالكامل، تختص بمجال صناعة الملفات الورقية وأغطية المشروبات الغازية والفيوزات الكهربائية. وأوضح محمد توفيق بلّو في ذلك الوقت أن مجموعة «أسياف» الدولية القابضة للتجارة والاستثمار، تنبهت لمشكلة حجم الإعاقات البصرية في السعودية، ولا سيما أن هذه الفئة لا تدخل ضمن مخطط التنمية الاقتصادية، الأمر الذي يجعلها بعيدة عن النمو الاقتصادي. وقال في حديث سابق لـ«الشرق الأوسط»: «من المتوقع أن يبلغ حجم العائد السنوي من مصانع المكفوفين نحو 100 مليون دولار أو أكثر، في ظل وجود ما يقارب 500 ألف معاق بصريا على مستوى السعودية». بينما كشف حينها مصدر مسؤول في مجموعة «أسياف» الدولية القابضة للتجارة والاستثمار عن احتياج السعودية إلى ما لا يقل عن 10 مصانع يديرها مكفوفون بالكامل، في ظل وجود نحو 500 ألف معاق بصريا في المملكة، من بينهم 159 ألف كفيف، لافتا إلى أن هذا العدد من المصانع من شأنه أن يعمل على تغطية احتياجات تلك الفئة من المعاقين لسوق العمل.

من جهته، أكد الدكتور داود قطب، المستشار الاقتصادي لمجموعة «أسياف» القابضة، أن نجاح بلغاريا منذ عدة سنين كان حافزا لدراسة المشروع، ومن ثم دراسة إمكانية تطبيقه واقعيا، وذلك بعد أن نجحت في دمج الكثير من المكفوفين البلغاريين ونشاطاتهم ضمن القطاع الصناعي بها. بينما علق كيفورك كابزاماليان، رئيس العلاقات الدولية في الاتحاد البلغاري للمكفوفين، قائلا: «رحب الاتحاد باستضافة فريق سعودي من (جمعية إبصار) للاطلاع على المصانع وآلية تشغيلها، ومن ثم زيارة خبراء من بلغاريا إلى السعودية وتقديم الاستشارات والخطط التنفيذية لـ(إبصار) حتى تتمكن من تنفيذ مثل هذا المشروع».