ثلاثي الخليج «الشباب والهلال والغرافة» أثبت أن غرب آسيا في طريقه لاستعادة الزعامة القارية المفقودة

حمد بن ثامر أطر الاحتراف الحقيقي.. والبلطان لا يلتفت للخلف.. وعبد الرحمن بن مساعد تمسك بالاستقرار

TT

لم تكن مواجهات دور الثمانية لدوري المحترفين الآسيوي التي أقيمت مساء الأربعاء الماضي حدثا عابرا بإمكان الآسيويين تجاوزه بسهولة.. ليس إلا أن مشوارا كرويا راقيا حمل عنوان إعادة الهيبة والنظارة لكرة غرب آسيا.. هذه الكرة التي ما فتئت تستمد تألقها من فرق الخليج العربي وبالتحديد السعودية منها.. لكنها في هذه المرة وجدت في الغرافة القطري مكملا لماهية التألق والإبداع.

الفرق الخليجية الثلاثة (الشباب والهلال السعوديان والغرافة القطري) سارت بتجل وإجادة.. لكن كان من سوء الحظ أن ترمي القرعة الفارسين الغرافة والهلال في مواجهة ربع النهائي، تلك التي خرج كلا منهما فائزا في مباراته على أرضه بنتيجة 3/0 وإن كان الحسم النهائي من نصيب الفريق السعودي، ومع ذلك لم يندم الخليجيون «واجهة الغرب الآسيوي» على ذلك لأن فريقيهما المتواجهين قد قدما صورة مشرفة لماهية العمل الاحترافي الحقيقي المعنون بالعطاء والقتال، بل برهنا على أنه لا سبيل الآن لمنع غرب القارة من استعادة أفضليته.

في الحديث عن معطيات الفرق الثلاثة ليس هناك من حقيقة أكبر من أن تطبيق الاحتراف الحقيقي كان السبيل لتقديمها بتلك الصورة الرائعة.. احتراف بدأ في العمل الإداري شمل كل ما يخص الفريق الكروي، حتى باتت منهجية أهل الشرق في هذا الشأن في نفس المستوى الذي عليه المتفوقون في الغرب من القارة. وحسبنا أن هذا هو ما جعل مفضلي كوريا الجنوبية واليابان يتفردون بالتتويج خلال الأعوام القليلة الماضية، وإن كان ثمة أفضلية مهارية لدى أهل الغرب باتت تتجلى أكبر وهي تنهل من العمل الاحترافي المؤسس بفكر إداري مدرك لمنظومة العمل الكروي الصحيح. هذه الأفضلية المهارية التي كان ينقصها المنهجية الاحترافية المثالية التي اتبعها الشرق حديثا توقفت عند عام 2005 حين فاز الاتحاد السعودي بلقب دوري المحترفين الآسيوي. وبعدها توالت الألقاب لمصلحة الشرق، منها لقبان لكوريا الجنوبية عن طريق تشونبوك في (2006) وبوهانغ ستيلرز (2009) ولقبان مماثلان لليابان عن طريق أوراوا ريدز (2007) وجامبا أوساكا (2008).

لنبدأ بالعمل الإداري وليكن شأن الغرافة منطلقا رغم خروجه الصعب، إذ لا بد من الإشادة بالمنهجية التي رسمها له رئيسه الشيخ حمد بن ثامر وجعل منها عنوانا لعمل هذا الفريق الذي سيطر على بطولات قطر خلال المواسم الثلاثة الماضية.. فلا استكانة ولا تبرم.. منهجية احترافية كاملة باستقلالية تامة للعمل الفني والأجهزة الإدارية المساندة والنتاج أنه حتى حين الخسارة المريرة من الهلال يخرج رئيسه حمد بن ثامر ليجسد المنطق العاقل في القراءة والرؤية وهو الذي أثنى تماما على فريقه ومنافسه الهلال.. بل إنه كان أشد فرحا بالمستوى من خلال إشارته على أن كرة بلاده بخير وفي تطور مستمر وهي تقدم هذا العطاء أمام أحد مفضلي آسيا (الهلال)، ومثل هذا الفكر دليل على أن الغرافة مقبل على منهجية احترافية أكبر في المستقبل ستدعمه في مشوار تفضيله الآسيوي.

هو لم ينسق خلف المتبرمين الذين وجدوا في الحديث عن التحكيم سبيلا للتنفيس حينما قال إنه يشعر بالفخر. بل وتمنى أن يكون التحكيم دائما بأفضل حال كي يواكب كرة آسيا التي تشهد تطورا مستمرا.

هو أيضا لم ينس انتماءه الخليجي الذي يراه أكبر من أي منافسة، حينما أشار إلى أنه كان لا يتمنى أن يلتقي الفريقان الخليجيان في هذا الدور من منطلق أن تكون الفرص أكبر لفوز خليجي بالكأس، وعليه كان حديثه بالاتجاه نحو عمل كروي أفضل في المستقبل.

في الشأن الفني للغرافة فالأكيد أن كل منصف عاقل أشاد بمنهجية مدربه التي جعلت من لاعبيه فرسانا قادرين على مواصلة التسجيل، ولولا بعض الضعف اللياقي والإجهاد البدني، قد يكون لمشوار الدوري المحلي دور فيه، لخرج الفريق بنتيجة أفضل.

المتفق عليه أن الغرافة قد أحسن إعادة هيبته من الناحية الفنية ويحسب ذلك لجهازه الفني، وإن كان هناك من عاب على مدربه جونيور الخروج على النص فيما ذهب للتعامل مع الحكم، وفيما يخص اللاعبين فقد تأكد للجميع أن لدى هذا الفريق من القدرات الشيء الكثير، خاصة من أولئك القادرين على استيعاب مناهج اللعب فقد كانوا حاضرين بقامة مهارية عالية وعطاء متقد وإصرار مطرد الفعالية. فمن المهاجم يونس وحتى المدافع غانم كان الجميع متميزين وأحسنوا صنعا بتنفيذ التعليمات المنهجية التي تكررت كراتها المرسومة كثيرا.

الشباب أحد فرسان نصف النهائي هو أكثر من ظهر بمحل الحيرة والاستغراب. فمن اطلع على نتائج هذا الفريق خلال الجولات الأربع الأولى من الدوري السعودي آمن بأن الظروف الصعبة قد فعلت فعلها بهذا الفريق العملاق. ففريق يخسر سبعة من أعمدته الرئيسية وفوق ذلك يعنى بنتائج ضعيفة، من بينها الخسارة برباعية من الصاعد حديثا (التعاون)، جدير بألا يلوي على طموح أو يتطلع لأي إنجاز، لكن لأن الفريق قد عني بإدارة لا تلتفت إلى الخلف وتؤمن بأن هناك ظروفا صعبة تحدث وتسعى دائما لتجاوزها، فكان أن قفزت فوق منهجية العمل الكروي السعودي المعتاد الذي يقضي حين النتائج المخلة القيام فورا بطرد المدرب، لكنها لم ترضخ وواصلت النظر للأمام ليكون عملها ظاهرا مفيدا وهي تقهر المرشح الأبرز آسيويا تشونبوك الكوري وتقصيه بفريقها المقاتل عن التأهل.

في العمل الفني الشبابي كان الرهان على الأوروغوياني فوساتي في محله وهو يقدم فريقا متماسكا لا يفقد هويته حتى وهو يفقد عناصره تباعا وكان المدرب الذي أظهر أفضل ما لدى لاعبيه خلال المواجهتين.

في الشأن العناصري، فلا جدال أن منظومة الشباب متفوقة وعمل أفراده متفوق. ولا شك أن عطيف إخوان كانوا عند حسن ظن مدرب تشونبوك الذي قال إنهما أكثر ما يخشاه في الشباب.

ولدى الهلال يبدو أن الظروف الصحية كانت مثلما لدى جاره الشباب فالمعاناة قد تجلت بغياب ستة أساسيين دفعة واحدة، لكن ثقافة البطولات هي من أنقذت هذا الفريق المعني بالإنجازات الأكثر على مستوى القارة، ليس ذلك فقط، بل إن العمل الإداري الرزين الذي رسمته إدارته قد أوجد نتاجا عالي القيمة من حيث الاستقرار فنيا وعناصريا وعدم المجازفة بتغيير المدرب أو أي من العناصر، يحدث هذا رغم المد والجزر اللذين طالا المدير الفني غيريتس وتعاقده مع المغرب، مع امتلاك إدارة الهلال التي يرأسها الأمير عبد الرحمن بن مساعد الأمر والقرار بشأن استمراره لنصف موسم أو تبديله بغيره، ليكون قراراها مبنيا على الحاجة الآسيوية وهي الأهم في المنظور الهلالي العام.. ونجحت في الاختبار.

في المقياس الفني لا أحد يشك فيما فعله غيريتس في العمل الهلالي، لكنه قد أخفق في منظور الإياب أمام الغرافة.. والجميع اعترف بأن لاعبيه قد أنقذوه في الزمن الأخير من الأشواط الإضافية، وهو ومن خلال شجاعة المدربين الكبار قد اعترف بتقصيره في هذا الشأن ورأى أن في الأمر درسا حيويا تعلمه بكل قبول وتفهم.

في المنظور العناصري.. الكل يدرك آسيويا أن منظومة الهلال هي الأعلى قيمة والأكثر مهارة آسيويا، بدءا من المهاجم ياسر القحطاني في الهجوم وإلى المدافع الأفضل في القارة أسامة هوساوي غير القيمة العالية للمحترفين الأجانب الأربعة.. وعليه كان جديرا أن يكون الهلال مرشحا أولا من واقع الأفضليات التي يعنى بها.

وبعد.. فكرة القدم الحقيقية تؤكد أن معطياتها التنافسية ترفض الترشيح وكل تفضيل يسبق المواجهات ولا نحسب ممثلي إيران وكوريا في نصف النهائي إلا جديرين ويملكان الحافز والتطلع والطموح نفسه.

لكن كان من حسن الذكر الإشارة إلى أن ما قدمه الثلاثي الخليجي قد أعاد كثيرا من التألق لكرة غرب القارة التي خنعت خلال فترة سابقة للأفضلية الاحترافية التي عليها أهل الشرق.

كل ما نتمناه أن يكون فريقا الهلال والشباب عنوانا حقيقيا لأفضلية الكرة الخليجية، ومبرهنين على أن العمل الاحترافي المتفوق بات يسكن غربا ولا يمنع ذلك من احترام المنافسين والإيمان بأن لديهم قدرات وإمكانيات هي من جعلهما في الدور نفسه.. لكن من يملك العتاد الأفضل فعليه أن يظهره بشكل جلي حين المقارعة.