السعودية: قلق رسمي من وصول معدل التضخم إلى 6.1%

الجاسر: توقعات بنمو الاقتصاد 3.5%.. وتنسيق مع البنك الدولي للاستفادة من تجربة عالمية لتطوير المنشآت الصغيرة والمتوسطة

أكدت السعودية أن أسعار السلع الغذائية هي المؤثر الأكبر في مؤشر التضخم في السعودية (أ. ف. ب)
TT

كشف الدكتور محمد الجاسر، محافظ مؤسسة النقد العربي السعودي (البنك المركزي)، لـ«الشرق الأوسط» عن عقده اجتماعا مع نائبة رئيس البنك الدولي، التي تزور الرياض اليوم، وذلك للتعرف على خلاصة تجربة الدول النامية في دعم المنشآت الصغيرة والمتوسطة، في ظل الجهود لتفعيل دور تلك المنشآت في الاقتصاد السعودي.

وجاء حديث محافظ مؤسسة النقد العربي السعودي في الوقت الذي توقع أن يحقق الاقتصاد السعودي نموا لن يقل عن 3.5 في المائة هذا العام، بسبب التحسن في الاقتصاد الكلي المحلي، وتمكنه من تجاوز كافة آثار الأزمة المالية العالمية، مشيرا إلى أن السياسات المالية والنقدية التي وصفها «بالحصيفة» أسهمت في تجنيب الاقتصاد السعودي مخاطر الأزمة المالية.

وكان تقرير مصرفي، أمس، توقع تحقيق الاقتصاد السعودي نموا بنسبة 3.9 في المائة، خلال العام الحالي، حيث توقع تقرير «شركة الراجحي المالية» تحقيق فائض بقيمة 40 مليار ريال (10.7 مليار دولار). وبالعودة إلى المنشآت الصغيرة والمتوسطة، كشف محافظ مؤسسة النقد السعودي عن وجود اتفاق بين وزارة المالية والبنوك السعودية على إنشاء صندوق لضمان القروض للمنشآت الصغيرة والمتوسطة، وهو تحت مظلة صندوق التنمية الصناعي، الذي يملك معرفة جيدة للتعامل مع القطاع الخاص، وخاصة في مجال الصناعات الجديدة.

وأكد في مؤتمر صحافي عقد أمس في مقر المؤسسة في الرياض، أن البنوك بدأت تنظر إلى هذا القطاع بشكل جدي، كونه رافدا ممتازا لميزانيتهم، مؤكدا أنه كان في اجتماع مع إدارات البنوك لمحاولة الوصول إلى تصور مشترك لدفع عجلة قطاع المنشآت الصغيرة والمتوسطة.

ولفت إلى أن البنوك ستعمل في هذا المجال بهدف تنويع محفظتها الإقراضية إضافة إلى توسع «بنك التسليف والادخار» في إقراض هذه المشاريع لنصل في النهاية إلى جعل هذه المشاريع مشاريع مستهدفة لدى القطاع المالي والمصرفي في المملكة بهدف زيادة تمويلها وزيادة إسهامها في الاقتصاد الكلي للمملكة. وعن الضغوط التضخمية وأثرها على الاقتصاد السعودي، قال محافظ مؤسسة النقد العربي السعودي: «نسبة التضخم بلغت 6.1 في المائة وهو معدل مقلق، والمؤسسة تراقب أسبابه الداخلية والخارجية»، مشيرا إلى أن هناك عدة أسباب لعودة نسبة التضخم للارتفاع، من بينها أسعار الإيجارات والعقارات وارتفاع أسعار المواد الغذائية في الفترة الماضية وتزامنها مع شهر رمضان المبارك الماضي. وكانت السعودية قد شهدت ارتفاعا في التضخم وصل إلى 11 في المائة في يوليو (تموز) 2008، إلا أنه انخفض إلى 4 في المائة بعد انخفاض الارتفاع في قطاع الإيجارات بسبب استجابة السوق بطرح المزيد من المنتجات العقارية بشكل عام، والتجارية منها بشكل خاص بحسب ما ذكره الجاسر.

وكانت المؤسسة قد أعلنت عن تقريرها السنوي الذي قدم لخادم الحرمين الشريفين، أول من أمس، وهو يعتبر راصدا حقيقيا لمكونات الاقتصاد السعودي، والتقرير الأهم على المستوى الاقتصادي للمملكة. وأوضح الدكتور الجاسر أن العام الماضي 2009 كان عاما صعبا على الاقتصاد الدولي، وأن بلاده وبفضل سياساتها المالية والنقدية استطاعت تجنب آثار تلك الأزمة المدمرة بسبب سياساتها المتحفظة المالية والنقدية.

وبين أن الاقتصاديات الناشئة أسهمت في إنقاذ العالم من أزمة لم يسبق لها مثيل وأن دول العشرين ومن بينها المملكة عملت على تنسيق سياساتها المالية والنقدية بهدف رفع مستوى الثقة وإعادة النشاط للاقتصاد الدولي وخاصة أن المملكة أصبحت من بين أهم 20 اقتصادا عالميا.

وأشار محافظ مؤسسة النقد إلى أنه رغم تراجع إيرادات النفط بنسبة 53 في المائة وارتفاع حجم العجز وتراجع ميزان المدفوعات بنسبة 83 في المائة في العام الماضي مقارنة بعام 2008، فإن الاقتصاد السعودي لم يسجل انكماشا، حيث واصل تسجيل نسب نمو تمت ملاحظتها من خلال عدم حاجة القطاع المصرفي لدعم الدولة، كما حدث في دول أخرى وأن الاقتصاد السعودي لم يكن عبئا على الاقتصاد الدولي، بل على العكس من ذلك، فقد أعطى الكثير من المؤشرات نسب نمو جيدة في ظل الأزمة المالية العالمية بعكس ما هو في اقتصاديات دول كبرى. واستدل الجاسر على ذلك بزيادة نسبة الإقراض في الأشهر الماضية من العام الحالي 2010 حيث بلغت نسبة النمو حتى شهر أغسطس (آب) الماضي للقطاع الخاص بنسبة 4.9 في المائة، مشيرا إلى أن مؤسسة النقد تحاول إيجاد مؤشرات من بينها مؤشر وسائل الدفع التي ارتفعت بنسبة 5 في المائة خلال شهر يوليو الماضي. وأكد الدكتور محمد الجاسر أن المهم في إدارة الاحتياطات النقدية هو إعطاء صورة صحيحة عن الاقتصاد الكلي، مشيرا إلى أن إدارة النقد تعد من أكبر التحديات التي تواجه القطاع النقدي والمصرفي، وقد ثبت أن الطريقة التي أدير بها القطاع النقدي والمصرفي في المملكة كانت الطريقة الأسلم ومكنت المملكة من تجنب الكثير من الأزمات المالية الدولية.

ولفت إلى أن الاقتصاد المحلي يتميز بضخامته ومروره بفترات تذبذب وبالتالي حققنا الأهم في توفير النقد وفق ما يقابله من عملات أجنبية أخرى. وأشار إلى أن لدى البنوك سيولة وملاءة مالية كبيرة ودورها هو الوساطة المالية بين من يملك النقد ومن يحتاج إليه، مشيرا إلى أن القطاع المصرفي حقق ارتفاعا في الإقراض في عام 2008 بنسبة 27 في المائة، وهو ما يعد نموا هائلا، وفي عام 2009، أصبح هناك استقرار في حجم الإقراض.

وتابع «نمو الإقراض خلال السبعة أشهر الماضية من عام 2010 قد بلغ 5.2 في المائة وهو مؤشر ممتاز مقارنة بالعالم»، موضحا أن المؤسسة تعمل على دفع البنوك لتحسين منتجاتها وتعاملاتها مع العملاء والعمل بجد على إدارة المخاطر لديها وتطبيق المعايير الخاصة بالمتطلبات الرأسمالية للبنوك، وأن البنوك السعودية قد أظهرت تفوقا واضحا على متطلبا بازل 3 بفضل السياسات النقدية المتبعة والتي تشرف عليها مؤسسة النقد العربي السعودي وتحرص على تطبيقه في مكونات النظام المصرفي المحلي. وأكد أن معدل الإقراض في القطاع المصرفي السعودي يعتبر جيدا والذي تجاوز 5 في المائة، معربا عن اعتقاده أنها نسبة ممتازة ومن المتوقع أن يكون أثرها على الاقتصاد المحلي كبيرا. وأضاف «المؤشرات الأولية للناتج المحلي خلال 2010 تشير وفق أسعار البترول الحالية إلى تحقيق ميزانية متوازنة وتحقيق نمو لن يقل عن 3.5 في المائة». وحول ارتفاع حدة المنافسة في القطاع المصرفي السعودي أبان الدكتور الجاسر أن رفع حدة المنافسة وتقديم المزيد من المنتجات لصالح العملاء هدف سعت إليه المؤسسة وهو نتيجة طبيعية لمدى النضج في السياسة المالية والنقدية السعودية، لافتا إلى أن دور المؤسسة إشرافي للتأكد من عدم قيام البنوك بالتفريط في ودائع العملاء والاستفادة من تلك الودائع في الاقتصاد المحلي وفق سياسة معتدلة. وحول مدى استمرار البنوك السعودية في أخذ المزيد من المخصصات الاحتياطية من أرباحها، ووجود نية لاستمرارية ذلك، أوضح الدكتور محمد الجاسر أن المؤسسة كانت تعمل بهذه السياسة منذ فترة طويلة بحيث تلزم البنوك بتجنيب نسبة معينة من أرباحها كاحتياطات نقدية لدعم الاحتياطي العام لديها أو تجنيب مخصصات معينة في بعض الظروف.

وأضاف «أثبتت تلك المخصصات جدواها بحيث لم يشهد القطاع المصرفي السعودي حاجة أي مصرف أو بنك لدعم الدولة لإنقاذه من الانهيار أو الإفلاس كما حدث في دول أخرى كثيرة». وتطرق إلى معدلات الفائدة وسعر إعادة الشراء في المملكة وبين أن السعر لم يتغير منذ فترة طويلة بسبب عدم وجود فروق في السيولة لدى القطاع المصرفي وهو ما يدعو إلى عدم تغييرها حاليا. وحول ارتباط الريال السعودي بالدولار أكد أن الارتباط بين العملتين ليس لأسباب سياسية أو عاطفية وإنما يعود ذلك إلى أن الدولار هو العملة الأكثر تداولا والاقتصاد الأميركي هو الأقوى عالميا والتزامنا به يعد مصلحة ذاتية. وأكد وجود أهمية لتطوير العلاقة النقدية بين دول مجلس التعاون لدول الخليج العربية واتحادها النقدي الذي سيعمل على مراقبة أداء الأسواق الدولية وأسواق الصرف والعملات لمراجعة كل ما يستجد بشأنها في الإدارة المالية الخليجية.

ولفت إلى أن الاقتصاد السعودي نضج بشكل كبير، والتحديات المقبلة تتمثل في تحسين فاعلية الإنتاج وكفاءة استخدام الموارد، مؤكدا أنه يجب حسن استغلال تلك الموارد، كالموارد البشرية والموارد الطبيعية والأرض كبناء المساكن والمناطق الصناعية.