شنغهاي تستعد لتحل محل هونغ كونغ لتصبح مركزا ماليا عالميا

سباق التفوق الحضاري احتدم بينهما.. وثقة بكين هي القرار الأخير

تستخدم هونغ كونغ الإعفاءات الضريبية وغيرها من المحفزات لمحاولة جذب الشركات الأجنبية (رويترز)
TT

أعلن قادة شنغهاي خطة جديدة وطموحة لتحويل هذه المدينة المترامية الأطراف، والواقعة على نهر اليانغستي، إلى مركز دولي للمال والأعمال، على غرار نيويورك ولندن، وذلك بحلول عام 2020.

وتثير هذه الخطوة تساؤلات مثيرة للاهتمام بشأن هونغ كونغ، التي تلعب بالفعل دورا مماثلا؛ هل هناك مساحة للمدينتين؟ هل تستطيع هونغ كونغ المحافظة على تفوقها؟ أو هل يهدد الطموح الضخم لشنغهاي بجعلها تحل محل هذه المستعمرة البريطانية السابقة جنوب البلاد؟

وتمتد هذه التساؤلات إلى ما وراء الفضاء المالي، حيث إن صعود شنغهاي يبدو وكأنه يتحدى المكانة الدائمة لهونغ كونغ باعتبارها أكثر مكان تحضرا وتنوعا في الصين، وأفضل مكان للعمل والعيش وإقامة النشاط التجاري. وفي كل المجالات، بداية من الأبحاث والتنمية، ووصولا إلى المتنزهات الكبرى على غرار «ديزني»، يبدو أن شنغهاي وهونغ كونغ منخرطتان في سباق تفوق حضاري، وهو السباق الذي يشبه السباق بين نيويورك وواشنطن، وبين لندن وباريس.

هناك قدر لا بأس به من الغلو في الافتخار بمسقط الرأس، والتكبر والنظرة الدونية للآخر، في الجانبين كليهما. يفتخر سكان شنغهاي على نحو خاص بمدينتهم، ويرون أنها تعود إلى مجدها السابق كمركز دولي لقارة آسيا. بيد أن الكثير من سكان هونغ كونغ ينظرون إلى شنغهاي على أنها جزء من البر الرئيسي، الذي لا يزال يتسم بالوحشية وانعدام النظام، وغيرها من الصفات غير المألوفة.

وقال شو مينغ تشي، الخبير الاقتصادي بأكاديمية شنغهاي للعلوم الاجتماعية: «تكمن مشكلة هونغ كونغ في أنها تحتاج إلى تغيير بنيتها التحتية، لا سيما البنية التحتية للنظم. وتحتاج إلى جذب الخبرات وتطوير العلوم والتكنولوجيا».

بيد أن أحد رجال الأعمال الصينيين من هونغ كونغ، الذي يسافر بانتظام إلى شنغهاي، قال إن الاختلاف هو اختلاف ثقافي، وأضاف: «تبدو شنغهاي إلى حد ما جزء من البر الرئيسي، ويشير ذلك إلى أنها أقل تحضرا إلى حد ما».

وشأنه شأن الآخرين، أعرب هذا الرجل، الذي طلب عدم ذكر اسمه وهو ينتقد الحكومة، لأن لديه نشاطات تجارية هناك، عن شكه في أنه في الوقت الذي يطالب فيه سكان هونغ كونغ بمزيد من الديمقراطية، قد تكون بكين تتوخى الحذر. وقال: «إذا كانت بكين تثق في هونغ كونغ تماما، فلن يحتاجوا إلى شنغهاي».

وللوهلة الأولى، تبدو هونغ كونغ وكأنها تمتلك ميزة غير متوازنة في المنافسة. كان لديها السبق قبل نحو 30 عاما، حيث إن الصين وشنغهاي، كانتا منعزلتين إلى حد كبير من وقت السيطرة الشيوعية حتى إطلاق دنغ شياو بينغ الإصلاحات الاقتصادية والانفتاح الاقتصادي عام 1979. وخلال هذه الفترة، وطدت هونغ كونغ مكانتها، باعتبارها المركز التجاري الرئيسي بالنسبة إلى بر الصين الرئيسي المنغلق.

وعادة ما يجري تصنيف هونغ كونغ، التي يتحدث سكانها اللغة الإنجليزية، في الدراسات، على أنها واحدة من أفضل الأماكن في العالم للقيام بأنشطة تجارية. وهناك نحو 1273 شركة مسجلة في سوق الأسهم المزدهر بها. والخدمات المدنية التي تقدمها معترف بها عالميا. ووصل معدل الضريبة الثابتة بها إلى مستوى قياسي منخفض، حيث وصل إلى 15 في المائة، مما يجعلها نقطة جذب للمغتربين وأسرهم. والنقطة التي قد تكون أكثر أهمية هي أن نظامها القانوني، الذي ورثته عن بريطانيا، يعتبر أحد أكثر الأنظمة القانونية عدلا في العالم.

وقال باتريك تشوفانيك، الذي عاش في هونغ كونغ ويعمل الآن بالتدريس في مدرسة الاقتصاد والإدارة بجامعة تسينغهوا في بكين: «يثق الناس في محاكم هونغ كونغ». لكن على النقيض من ذلك، في شنغهاي «لا توجد فكرة القضاء المستقل». ولكن شنغهاي تتسابق بخطى سريعة للحاق بها.

وفي مدينة شنغهاي الأكبر حجما بكثير، حيث يقطنها نحو 19 مليون فرد، مقارنة بنحو 7 ملايين فرد في هونغ كونغ، تنمو سوق الأسهم، التي أنشئت قبل 20 عاما، بوتيرة سريعة؛ حيث تحتوي على 870 شركة مدرجة برأسمال سوقي يبلغ 2.6 مليار دولار، وهناك قائمة بآلاف الشركات من البر الرئيسي تنتظر الإدراج في هذه السوق.

وتقوم شنغهاي بإنشاء البنية التحتية بسرعة كبيرة للغاية، بما في ذلك مركز مالي جديدا في بودونغ، وتستخدم الإعفاءات الضريبية وغيرها من المحفزات لمحاولة جذب الشركات الأجنبية. وتتفوق على هونغ كونغ في الإنفاق على الأبحاث والتنمية، حيث بلغ حجم هذا الإنفاق خمسة مليارات دولار، مقارنة بـ1.5 مليار دولار تنفقها هونغ كونغ، بحسب التقديرات الرسمية الموثوقة.

ولعل أكبر ميزة لشنغهاي هي أنها تعد جزءا من السوق الشاسعة المعروفة باسم «بر الصين الرئيسي». وقال موراي كينغ، العضو المنتدب بشركة «أبكو» في الصين الكبرى، وهي شركة تقدم الاستشارات في الاتصالات والأعمال، مقرها في شنغهاي: «ليس لها أي حدود. إنها رأس التنين. وطالما أن التنين في صحة جيدة، فإن الرأس ستكون في صحة جيدة للغاية».

وبالفعل، لدى سكان شنغهاي بعض الحقوق للفخر، حيث إن المركز المالي العالمي بها أكثر ارتفاعا من مركز التجارة العالمي في هونغ كونغ بمقدار 26 قدما. ويتجاوز عدد مقاهي «ستاربكس» في شنغهاي تلك الموجودة في هونغ كونغ، 122 مقابل 106، ومن المحتمل أن تتوسع «ستاربكس» في شنغهاي.

وبالطبع، ينفي المسؤولون على الجانبين بشدة وجود أي منافسة على الإطلاق، ويؤكدون على أن المدينتين شقيقتان متحابتان، وإن كان بينهما تنافس، لأم واحدة، وفي هذه الحالة الأم هي العاصمة الصينية بكين.

وقال باتريك تشان تشي كينغ، مدير مكتب هونغ كونغ للتجارة والاقتصاد في شنغهاي: «الأمر ليس سهلا على الآباء: إننا أطفال أذكياء وبارعون. أعتقد أنهم يفضلوننا جميعا»، في إشارة إلى الحكومة المركزية في بكين.

وأعلنت حكومة بكين عن نواياها جعل العملة الصينية، الرنمينبي أو اليوان، عملة دولية، وتتخيل هونغ كونغ الآن دورا جديدا لنفسها باعتبارها مركز الرنمينبي خارج بر الصين الرئيسي.

وقال تشان: «تستطيع هونغ كونغ وشنغهاي لعب أدوار تكاملية، حيث إنهما تؤديان دورا فريدا ويسهم في التنمية الاقتصادية في البلاد»، وقارن البعض العلاقة بينهما بالعلاقة بين نيويورك وشيكاغو، حيث إن نيويورك يوجد بها وول ستريت وشيكاغو مركز تجارة السلع.

ويصر المسؤولون بشنغهاي أيضا على أن هناك إفراطا في الحديث عن المنافسة.

وقال ليو بو، أمين متحف شنغهاي للتخطيط الحضاري، الذي يعرض الطموحات العالمية لهذه المدينة: «ينبغي أن تتعلم كل من شنغهاي وهونغ كونغ معا، وكأننا نمسك بأيدينا معا كي نتطور معا». ومع ذلك، تحرز شنغهاي تقدما على جبهات متعددة.

وقال موراي كينغ: «تحاول شنغهاي أن تكون هونغ كونغ الصين. كما أنها تحاول أن تكون مثل مدينة ديترويت في مجال صناعة السيارات. وتحاول أن تكون مثل سيتل من حيث علوم الفضاء، وتحاول أن تكون مثل وادي السليكون في مجال تكنولوجيا المعلومات».

وعلى النقيض من ذلك، هناك إحساس واسع الانتشار، على نهر اليانغستي وميناء هونغ كونغ، بأن سكان هونغ كونغ يولون الكثير من الاهتمام بالثروة التي جاءت من سوق العقارات المزدهرة في المدينة، على حساب أي شيء آخر تقريبا.

وقال لوو يينغ، الذي انتقل من شنغهاي عام 2001 لإقامة مختبر للتكنولوجيا الحيوية بعد عقد قضاه في وادي السليكون، «تركز هونغ كونغ على الأموال، إنها ليست سوى سوق عقارية».

بيد أن هذا التركيز الأحادي قد يكون أحد مصادر المدخرات في هونغ كونغ.

وقال شو مينغ تشي، الخبير الاقتصادي: «تعد الصناعات في هونغ كونغ جوفاء، ولا تعد قاعدة العلوم والتكنولوجيا في هونغ كونغ بهذا المستوى من القوة»، وأضاف: «بيد أن الشركات في هونغ كونغ تعرف كيف تحقق الأموال».

* خدمة «واشنطن بوست» خاص بـ«الشرق الأوسط»