أحمدي نجاد أكثر الشخصيات «نجومية» في نيويورك.. يلعب لعبة الإعلام الأميركي

دعا 30 صحافيا أميركيا للإفطار.. استنتج أحدهم في النهاية أن الرئيس الإيراني كان الأكثر ذكاء في الصالة

الرئيس الإيراني احمدي نجاد خلال القائه خطابه في الأمم المتحدة يوم 23 سبتمبر (أ.ف.ب)
TT

قد يكون الرئيس الإيراني محمود أحمدي نجاد من أكثر الشخصيات «المكروهة» في نيويورك، ولكنه أيضا من أكثرها شهرة. فحتى قبل أن يصل إلى الولايات المتحدة نهاية الأسبوع الماضي للمشاركة بأعمال الجمعية العامة، كانت صوره قد سبقته. فمن صورة عملاقة له في ساحة «تايمز سكوير» المعروفة، إلى أكثر الشوارع شهرة في مانهاتن «فيفث آفينيو»، حتى «فيرست آفينيو»، حيث مبنى الأمم المتحدة، كانت صور أحمدي نجاد منتشرة إلى جانب صور مغنيات وعارضات، أرفقت بعبارات صغيرة في الأسفل، مثل: «غير مرحب بك هنا»، و«يريد محو بلدان عن الخارطة» و«يقتل الأبرياء».

المقصود حملة إعلانية أطلقتها منظمة «موحدون ضد إيران نووية»، لتوعية الأميركيين بمدى خطورة برنامج إيران النووي. واستأجرت المنظمة، لهذه الغاية، أكثر من 200 لوحة إعلانية في أنحاء مانهاتن، بهدف توحيد الأميركيين ضد الرئيس الإيراني. وصرفت مبالغ طائلة، رفضت الإفصاح عن حجمها في لعبتها الإعلانية هذه، وقدرها خبراء بأنها تخطت الـ300 ألف دولار أميركي. ولكن الرسالة يبدو أنها تصل مشوشة إلى أبناء نيويورك. فقد قال أحد سكان مانهاتن بتعجب: «هو العدو، ولكن بشكل ما نكرمه ونضع صوره في كل مكان». وعلق آخرون بالقول: «صوره تظهر أمامنا كلما تلفتنا، ولكن المقصود غير واضح!».

كل عام، عندما يحل الضيف غير المرغوب به، ولكن مع ذلك، الضيف المنتظر، على نيويورك، تحدث ضجة، يعجز أي زعيم آخر، حتى الرئيس الأميركي باراك أوباما نفسه، عن إثارتها. ويدخل الإعلام الأميركي في اللعبة من دون أن يدري، أو ربما عن دراية. وحتى عندما صعد نجاد إلى منبر الأمم المتحدة، مرتين، لإلقاء كلمته، تمكن من أن يستحوذ على درجة عالية من الانتباه. وعلى الرغم من أن الصالة كانت على الأقل نصف فارغة في المرتين، فإن الاهتمام السياسي والإعلامي بكلمته كان أكبر من أي زعيم آخر صعد إلى المنصة نفسها وتحدث. وفي أروقة الأمم المتحدة، كان يتهامس الدبلوماسيون الغربيون، بشيء من «الحشرية»، ويسألون الصحافيين: «هل سمعتم أن أحمدي نجاد يعقد مؤتمرا صحافيا بعد قليل؟ هل ستشاركون به؟» يهزون رؤوسهم ويتابعون: «ترى ماذا سيقول الآن؟!».

قد لا يأخذ أحد هنا كلمات الرئيس الإيراني بجدية، ولكن المؤكد أن الجميع يتشوق لسماع ما سيقول. وحتى عندما لم يكن قد بدأ بقول الكثير من الأمور المثيرة للجدل، التي تشكل مادة إعلامية دسمة، كان الإعلام الأميركي يروي قصصا حوله ويضخمها. فقد كتبت صحيفة الـ«نيويورك بوست» مثلا في عددها الصادر يوم الأربعاء الماضي، في عمود «ثرثرة»، قصة حول رائحة طعام الرئيس الإيراني التي دفعت النازلين في فندقه إلى المغادرة. وقالت: «الرئيس الإيراني ليس بحاجة إلى سلاح نووي، فطعامه يثير رائحة كريهة لدرجة أنه أفرغ فندق هيلتون مانهاتن». وأضافت أن أحمدي نجاد يرفض أن يأكل من طعام الفندق، وقد جلب معه طباخا يطهو طعاما ذا «رائحة كريهة انتشرت في أرجاء الفندق».

ولكن عندما دعا أحمدي نجاد مجموعة من نحو 30 صحافيا أميركيا لمشاركته طعام الإفطار في فندقه صباح الأربعاء الماضي، لبى الجميع الدعوة، بسرور، لا، بل حتى بشيء من الغرور. وكتب بريت ستيفنز في «وول ستريت جورنال»، وكان أحد المدعوين للإفطار: «إنها تقريبا الثامنة صباحا، وقد تجمع نحو 30 صحافيا في غرفة المحاضرات في فندق مانهاتن، للقاء محمود أحمدي نجاد، يأكلون البايغيلز وسمك السلمون المدخن.. اقترب فريق تابع للتلفزيون الإيراني من شخصية تلفزيونية شهيرة جالسة بالقرب مني، وسألوها عن رأيها برئيسهم. تحدثت بإذعان مثير للشفقة عن مدى كرمه؛ لأنه جعل نفسه متوافرا للإعلام». وتابع يكتب: «أعتقد أنها كانت تحاول ببساطة أن تكون مهذبة، وربما حرصت على عدم قول شيء قد يتسبب بمشاكل لها ولزملائها. ولكن يهيأ لي أن هذا التبادل يعبر أيضا عن دينامية اللقاء. نحصل على فرصة للقاء أحمدي نجاد، والشعور بأهمية الذات الذي يرافق اللقاء. وفي المقابل، نرد له المديح».

ويروي ستيفنز، في قصته، كيف كان يجيب أحمدي نجاد عن أسئلة بخصوص الاقتصاد الإيراني، ووضع زعماء المعارضة، بثقة كبيرة وينكر وجود أي مشاكل، ويختلق أكاذيب كان على الصحافيين الموجودين التجاوب معها وكأنها حقيقة، وهم يدركون أنها أكاذيب واضحة. وكتب يقول: «رغم أنه لا أحد منا يصدق كلمة من إجابة أحمدي نجاد، نصدقه كما نصدق آل باتشينو عندما يلعب دورا. نصدق تصديقه لنفسه. ونتساءل إذا ما كان هو أيضا يصدقه».

حتى إن فريد زكريا، الصحافي الأميركي الشهير، حاول أن يطرح عليه سؤالا «فخا» يحرجه به، فسأله عما إذا كان سيقبل باتفاق بين الفلسطينيين والإسرائيليين في حال تم التوصل إليه في المفاوضات الجارية حاليا. لو أجاب بنعم، كان سيعتبر ذلك اعترافا بشرعية إسرائيل وحقها بالوجود، وهو ما ينكره. ولو أجاب بكلا، يكون مناقضا للفلسطينيين، وهو الذي يسوق نفسه على أنه من أكبر مؤيدي القضية الفلسطينية والمدافعين عنها. ولكن نجاد، حسب ما كتب ستيفنز «أجاب بأنه ليس لديه مشكلة بقبول رغبة الفلسطينيين، ولكنه يأمل فقط أن يكونوا ممثلين بالحزب الذي انتخبوه، وهو يعني بذلك (حماس)».

ويروي ستيفنز أيضا كيف أن نجاد هزأ بالصحافي في «نيويورك تايمز»، نيل ماك فاركهار، الذي طرح عليه «سؤالا مبهما حول سيروس العظيم». وخلص الصحافي في «وول ستريت جورنال» إلى الاستنتاج أن أحمدي نجاد كان «بسهولة، الأكثر ذكاء بين الموجودين في الغرفة». وأضاف: «لقد هزأ منا بطريقة كان بالكاد لدينا الفطنة لإدراكها».

و«نجومية» أحمدي نجاد بلغت درجة جعلت حتى لاري كينغ يستضيفه في برنامجه. وتحت استجواب مكثف من كينغ، تمكن الرئيس الإيراني من المحافظة على منطق استعمله في هجوم مضاد. وكتبت جيني ماركارتني في صحيفة الـ«تليغراف» البريطانية: «الرئيس أحمدي نجاد دائما يُنظر إليه على أنه إسلامي متطرف مجنون، تعلو وجهه تلك الابتسامة المقلقة، وإصبعه على الزر النووي. ولكن في مقابلة الأسبوع الماضي، أظهر أن الغرب يتجاهل مهاراته السياسية مقابل خطورته». وأضافت: «تحت استجواب مركز ببراعة من لاري كينغ، برع أحمدي نجاد بالظهور منطقيا بشكل متقطع، موجها هجومه على نقاط ضعف الولايات المتحدة، ويخبر بأكاذيب عن إيران ببراعة.. بدأ هجوما مضادا بتطرقه إلى سلام إسرائيل النووي، نافيا بشكل قاطع امتلاك إيران له، ومصرا على أن إيران تحترم حق التظاهر».

وتابعت ماكارتني: «المقابلة كانت تذكيرا بأنه ليس فقط المجانين هم غالبا أبرع السياسيين، ولكن أيضا بأن شكل المقابلات التلفزيونية، التي تهدف للكشف عن الحقيقة، تقوم غالبا بالعكس. إذا تمكن أكبر منتهكي حقوق الإنسان على قيد الحياة، من الجلوس ببزة وهو يتحدث بلباقة وينظر إلى الكاميرا، معظم المشاهدين غير المطلعين سيعتقدون أنه رجل واقعي، وهو ما حدث تماما عندما أجرى المذيع دان راذير مقابلة مع صدام حسين عام 2003».

أحمدي نجاد جاء إلى نيويورك بهدف تعزيز صورته وتحسين صورة إيران في أذهان الأميركيين، واستغل كل فرصة ممكنة للتحدث إليهم، ونجح بذلك. ولكن الإعلان الأميركي قد يجد أن هوسه بالسعي خلف القصة التي تجذب المشاهدين، سيكون له التأثير المعاكس للرسالة التي يريد إيصالها.