وزير خارجية المغرب السابق يدعو إلى إعداد «كتاب أبيض» عن الوضعية التاريخية لسبتة ومليلية

ناشط مدني في سبتة: 10 من مجموع 5000 مغربي في المدينة يصلون إلى المرحلة الجامعية

محمد بن عيسى وزير خارجية المغرب السابق (وسط) في حديث باسم مع بعض المشاركين في لقاء نظم بالرباط حول موضوع «سبتة ومليلية والجزر المتوسطية وموقعها في أجندة الأحزاب السياسية المغربية» («الشرق الأوسط»)
TT

دعا محمد بن عيسى وزير خارجية المغرب السابق وأمين عام مؤسسة «منتدى أصيلة» إلى إعداد «كتاب أبيض» عن الوضعية التاريخية للمناطق التي استوطنتها إسبانيا في المغرب، وترفض التخلي عنها، وذلك بعرض منهجي وعلمي للخلاف من جوانبه وأبعاده كافة، بغاية تنوير الرأي العام في إسبانيا وخارجها بأسلوب تعليمي واضح يعتمد على بسط الحجج التاريخية التي يتعلل بها الطرفان، مشيرا إلى أن المغرب متفوق على إسبانيا في هذا الباب.

وقال بن عيسى، الذي كان يتحدث أول من أمس في لقاء نظم بالرباط حول موضوع «سبتة ومليلية والجزر المتوسطية على ضوء التجارب الدولية والقانون الدولي وموقعها في أجندة الأحزاب السياسية المغربية»، إن ما يجب التركيز عليه في «الكتاب الأبيض» المأمول، ليس الجدال والسجال، وإنما إبراز ما سيجنيه البلدان من ربح ومنافع مادية ومعنوية، إن بادرا إلى فتح ملف الخلاف الذي يباعد بينهما، وزاد بن عيسى قائلا: «أعتقد، وقد أكون مبالغا، أن قطاعات مهمة من الرأي العام الإسباني، بما فيها الفئات اليمينية، ستكتشف مع مرور الوقت تدريجيا أن ما لقن لها عن النزاع ليس دقيقا وغير منصف في حق الطرف الآخر (المغرب)، ولذلك فإننا نأمل في تبلور تيار قوي ضاغط يدعو إلى الحوار والتفاوض مع المغرب». بيد أن بن عيسى لفت إلى أن ذلك ليس بالأمر السهل «بالنظر إلى تراكمات الماضي وانتشار الأحكام النمطية الجاهزة في تصور بعضنا لبعض. لذلك، فلا مفر من مواجهة عراقيل ومثبطات البدايات التي غالبا ما تكون صعبة».

وخلص بن عيسى إلى القول إن فكرة «الكتاب الأبيض» التي اقترحها، لا تكفي وحدها وإن الكتاب لا يعوض الجهود التي تبذلها الدولة المغربية عبر القنوات التقليدية وبالوسائل المتاحة، مشددا على أن المشكلة عويصة وشائكة، وينبغي، من أجل احتوائها من كل زواياها وأطرافها المتشعبة، استثمار كل الوسائل والقنوات المتاحة.

من جهته، قال حسين المجدوبي، الصحافي المغربي المقيم في إسبانيا، إن الاقتصاد في شمال المغرب لم يعد مرتبطا بسبتة ومليلية، موضحا أن عدد المغاربة الذين يقصدون المدينتين يوميا من أجل التهريب انخفض إلى 2400 شخص بعد أن كان 25 ألفا.

وفي السياق ذاته، طالب الحبيب الحاجي، منسق «اللجنة الوطنية للمطالبة بتحرير سبتة ومليلية»، بقطع الإمدادات المائية عن المدنيتين من أجل تدعيم المحاصرة الاقتصادية للمدينتين، بينما قال منعم شوقي، الفاعل المدني في مليلية، إن الدبلوماسية الشعبية من خلال الحصار الذي فرض أخيرا على المدينة المحتلة كانت له نتائج إيجابية خلال 48 ساعة، بعدما أصاب الكساد المدينة.

وانتقد المشاركون خلال اللقاء، الذي نظمه «مركز الذاكرة المشتركة والمستقبل» بشراكة مع «جمعية الريف للتضامن والتنمية»، و«مركز الشروق للديمقراطية والإعلام وحقوق الإنسان»، تحول قضية المدينتين المحتلتين إلى مزايدات انتخابية داخلية إسبانية. وقال عبد السلام بوطيب، رئيس «مركز الذاكرة المشتركة والمستقبل»، إن «معالجة قضية سبتة ومليلية والجزر المتوسطية المحتلة يحتاج إلى إعمال فكر جماعي لمعالجة هذه القضايا»، وأشار إلى أن المركز، الذي يعنى بقضايا الذاكرة المشتركة للمغاربة في علاقاتهم بمكونات محيطهم الجغرافي والسياسي، يحاول منذ ثلاث سنوات إبداع آلية جديدة لمعالجة القضايا العالقة بين المغرب ومحيطه الجيواستراتيجي، وكذا بلورة منهجية جديدة تقوم على تطويع آليات العدالة الانتقالية من أجل الاشتغال عليها في حل القضايا العالقة بين المغرب وإسبانيا. ودعا بوطيب إلى ضرورة «بلورة آليات عمل للاقتراح ومسايرة مغرب ما بعد هيئة الإنصاف والمصالحة». وفي حين ذكر بعض المشاركين أن خيار الاستفتاء في المدينتين المحتلتين، لن يكون لصالح المغرب، لأن غالبية مغاربة مدينتي سبتة ومليلية المحتلتين سيفضلون البقاء تحت السيادة الإسبانية، قال سعد الدين العثماني، رئيس المجلس الوطني بحزب العدالة والتنمية الإسلامي، إن «تقوية الجبهة الداخلية من خلال تدعيم روح الانتماء الوطني»، تدخل ضمن الاستراتيجيات التي حددها حزبه من أجل العمل بخصوص وضع المدينتين المحتلتين.

وكشف العثماني، رئيس المجلس الوطني لحزب العدالة والتنمية، أن حزبه يتعامل مع قضية سبتة ومليلية والجزر المتوسطية وفق استراتيجية محددة في سبع نقاط، منها استمرار إحياء الوجدان الوطني والحضور المغربي في الساحة الإسبانية. وشدد العثماني الذي يرأس أيضا لجنة الصداقة المغربية - الإسبانية في البرلمان، على أهمية دور الأحزاب على المستوى السياسي.

إلى ذلك، انتقدت خديجة المروازي، رئيسة جمعية «الوسيط من أجل الديمقراطية وحقوق الإنسان»، الأحزاب السياسية وتعاملها مع ملف المدينين، مشيرة إلى أنه من المفروض أن تكون للأحزاب مرجعيتها الخاصة بها، وأن الأحزاب لا تقدم في هذا الملف تصريحات أكثر منها تحليلات.

ووصفت المروازي مواقف الأحزاب السياسية بأنها «تذكارية»، بل ذهبت إلى حد القول إنها لا ترقى إلى مستوى الترافع.

من جانبه، كشف رئيس «جمعية مسلمي مدينة سبتة المحتلة»، محمد علي، أن مغاربة المدينتين عانوا من مجموعة من الضغوط من أجل فك ارتباطهم بالمغرب، حيث أجبروا على التنازل عن أسمائهم العائلية، وقامت السلطات الإسبانية بفك ارتباطهم الديني مع المغرب.

وأورد محمد علي أرقاما تشير إلى خطورة الفشل الدراسي في صفوف أبناء المدينتين من المغاربة، حيث أوضح أنه من مجموع 5000 مغربي يوجدون في المدارس الابتدائية يصل 10 منهم فقط إلى المرحلة الجامعية.

وانتقد محمد علي، الذي يعتبر في إسبانيا شخصا غير مرغوب فيه، المغرب، وقال إنه يفتقر إلى استراتيجية واضحة بخصوص المدينتين والجزر المتوسطية على عكس إسبانيا، كما انتقد الأحزاب التي تفتقر أيضا إلى استراتيجية وإلى روح المبادرة، وزاد قائلا: «الأحزاب تاريخيا لم تكن تتحدث عن المدينتين إلا عندما يتحدث الملك عنهما». وأضاف، والدمع في مآقيه، أن مغاربة المدينتين يعانون التهميش من الدولتين، ويتم التعامل معهم على أساس أنهم مواطنون من الدرجة الثانية.