أحد الناجين الأوزبك يسعى لمحاربة التعذيب في بلاده.. ولكن بهدوء

فيزيائي ورجل أعمال وزعيم لإحدى الحركات الإصلاحية في أوزباكستان

سانجار عمروف مع ابنته في منزلهما بمدينة ممفيس في ولاية تينيسي الأميركية («نيويورك تايمز»)
TT

تحدث سانجار عمروف، بصوته الخشن غير الواضح، عن الأشهر الطويلة التي قضاها في الحبس الانفرادي في أوزباكستان. وقال إنه كان يقف في زنزانة صغيرة وظهره إلى الحائط، وإنه كان يمشي ثلاث خطوات داخل الزنزانة حتى يصل إلى الحائط المقابل ثم يقوم بالدوران، وعندما تكون خطوته قصيرة يتحرك أربع خطوات قبل أن يصل إلى الحائط ويدور للخلف. وقال إنه كان يكرر هذا الأمر عدة ساعات، حتى يجهد ويستطيع النوم.

وقال عمروف: «أنت في حاجة إلى الحركة. الحركة أمر بالغ الأهمية، وإلا ستظل جالسا أو مستلقيا طوال الوقت وبعد فترة بسيطة سوف تخسر، ستخسر لأن روحك تعتمد على حالتك الصحية».

وقد ألقي القبض على عمروف (54 عاما)، وهو فيزيائي ورجل أعمال وزعيم لإحدى الحركات الإصلاحية في أوزباكستان، عام 2005 وحكم عليه على الفور بالسجن 14 عاما بتهم قال إنها مفتعلة. وقد أطلق سراحه أواخر العام الماضي بعد حملة دولية من أجل إطلاق سراحه باعتباره سجين رأي، وبعد طلب الولايات المتحدة من الرئيس الأوزباكستاني، إسلام كريموف، العفو عنه.

ومنذ أن أطلق سراحه، وقد قضى ما يقرب من عام في استعادة وزنه واستئناف حياته، وهو يفكر في الوقت نفسه في الدور الجديد الذي يمكن أن يقوم به حول الحديث الدائر عن الوضع في أوزباكستان، الجمهورية السوفياتية السابقة التي تصنفها منظمات حقوق الإنسان على أنها واحدة من الدول الأكثر قمعا في العالم.

ولكونه ثريا، فقد كان عمروف يمتلك دائما منزلين أحدهما في طشقند عاصمة أوزباكستان والآخر في ولاية تينيسي الأميركية. في أول مقابلة صحافية معه، التي أجريت على مدى يومين مؤخرا، وفي منزله خارج مدينة ممفيس، بدأ ظهوره للحياة العامة من جديد. وإذا كان هناك في أي وقت مضى شخصية أوزبكية قادرة على انتقاد استبداد الدولة الأوزبكية، فستكون عمروف. وكانت هذه فرصة له، لكنه لم يكن غاضبا، أو على الأقل لم يبدو عليه الغضب، وقال إنه لا يريد أن يصرخ ويلقي اتهامات كبيرة في كل اتجاه.

وبدلا من ذلك، فقد اختار دورا آخر له، وهو أن يصبح شاهدا على التعذيب الذي تعرض له، وأن يحمل خطة للحد من التعذيب الذي يتعرض له السجناء في سجون أوزباكستان، وتوفير قدر من الكرامة لحكومة تريد أن يحترمها الآخرون.

وكانت توصيته بسيطة، وهي أن تقوم السلطات في أوزباكستان بتثبيت كاميرات مراقبة في جميع سجونها. وقال إنه خلال فترة احتجازه، تم نقله إلى عدة مواقع مختلفة، وإنه لم يتعرض لأي اعتداء في المواقع التي كان بها كاميرات، بل إن الحراس في هذه المواقع كانوا في بعض الأحيان لطفاء معه.

وبمقياس عمروف، فإن التعذيب في سجون أوزباكستان، الذي وثقته على نطاق واسع منظمات حقوق الإنسان، نادرا ما يتم بناء على أوامر من كبار المسؤولين، بل إنه، كما يقول، وسيلة قاسية يستخدمها الضباط ذوو الرتب المنخفضة والمتوسطة، وعادة ما يقوم به بعض المحققين والحراس (والسجناء الذين يتم توظيفهم) للحصول على اعترافات ولترهيب السجناء وللحفاظ على قدرتهم في السيطرة على الجمهور. وأضاف عمروف أنه لا يبرر ما تقوم به بلاده، لكنه يريد أن يكون واقعيا، لذلك فهو يرى أن التعذيب الذي تعرض له لم يكن سياسة دولة، بل ممارسة يقوم بها بعض مجرميها.

وقال: «أنا لا أقول إن كل الحراس كانوا سيئين، بعضهم كان جيدا والبعض الآخر كان سيئا، وفي ظل غياب الشفافية، فإن السيئين يستغلون مواقعهم. وإذا كانت هناك كاميرات مراقبة في السجون، ربما خشي هؤلاء من استغلال سلطتهم وأصبحوا مهذبين».

وقال إنه سمح لفكرته بالتوسع، لذلك يطالب السلطات بوضع كاميرات مراقبة في الممرات وفي الأماكن الهادئة وحيث تجري المقابلات «يجب نشر كاميرات المراقبة في كل مكان، كما في متجر وول مارت».

قصة عمروف، بغض النظر عن نهايتها السعيدة بالنسبة إليه وإلى أسرته، تسلط الضوء على المخاطر التي يتعرض لها النشطاء في عالم ما بعد الاتحاد السوفياتي. وفي عام 2005، انتقد عمليات الملاحقة التي تقوم بها السلطات بعد هروب بعض السجناء وبعد المظاهرة العامة التي نظمت في مدينة أنديجون، حيث تم إطلاق النار على المتظاهرين وقتل المئات من المدنيين العزل بنيران القوات الحكومية ورفضت الحكومة فتح تحقيق مستقل في الحادث.

وبعد عدة أشهر من ذلك الحادث، دعا عمروف والحركة التي أسسها، «شمس أوزباكستان المشرقة»، إلى مساءلة الحكومة والقيام بالإصلاحات وفتح حوار مفتوح بين الدولة والمواطنين.

وقد وصفه أحد المقالات، مجهول الكاتب، الذي نشر في الصحافة الأوزبكية، بأنه ثوري، ووفقا للقواعد غير المكتوبة لسياسة الدولة البوليسية، كان هذا أمرا سيئا ودل على ما حدث بعد ذلك له.

وفي ذاك الخريف تم اعتقاله واقتيد في سيارة لا تحمل علامات إلى مكان بعيد. وقد تم تخديره والاعتداء عليه بالضرب واتهم بالتخطيط وتوجيه مظاهرة أنديجان، ووجهت إليه تهم بالتورط في جرائم مالية. وبحلول عام 2006، كان قد أدين وتم نقله إلى سجن مستعمرة كزيل - تيبا، وهناك تلقى أوامر بالعمل في مصنع للطوب. وتدهورت حالته الصحية. وفي أواخر عام 2008، عندما سمح لزوجته، إنديرا، بزيارته للمرة الأولى في الثلاث سنوات، كان يبدو رجلا ضعيف البنية والنظر متسخ الجسد تنتشر الجروح في جميع أجزاء جسمه، وقد تعرف على زوجته بصعوبة.

* خدمة «نيويورك تايمز»