بلدات إيطالية تكسب معركة الطاقة.. رغم الفقر

لجأت إلى توربينات الرياح وصارت تتربح من إنتاج الكهرباء

باعتمادها على الطاقة المتجددة صارت بلدة توكو دا كازوريا، الواقعة وسط إيطاليا، تنتج من الكهرباء أكثر مما تستهلك («نيويورك تايمز»)
TT

تنبئ توربينات الرياح البيضاء القائمة داخل بساتين الزيتون القديمة هنا عن أمر غير عادي يجرى في إيطاليا. ففي مواجهة معدلات استهلاك كهرباء خيالية، بدأت بعض المدن الصغيرة في إيطاليا، على الرغم من شهرتها بأكوام القمامة والنفايات، وليس الاهتمام بالحفاظ على البيئة، في التحول نحو مصادر الطاقة المتجددة، بحثا عن الخلاص الاقتصادي. والآن، تنتج أكثر من 800 بلدة صغيرة في إيطاليا طاقة أكثر مما تستهلك بفضل تحولها مؤخرا للاعتماد على منشآت لتوليد الطاقة المتجددة، طبقا لدراسة أجريت هذا العام من قبل منظمة «ليغامبينتي» الإيطالية المعنية بالبيئة.

وقد جاءت الطاقة المتجددة بمثابة هبة من السماء لمدينة توكو دا كازوريا، التي تجني الأموال من إنتاج الكهرباء، ولا تفرض ضرائب محلية أو رسوما على خدمات، مثل إزالة القمامة. وتعد توكو دا كازوريا واحدة من المدن الإيطالية المهمة، ويبلغ عدد سكانها 2700 نسمة، وتقع في منطقة جبلية فقيرة. وتشتهر المدينة بكنيستها وأطلال قلعتها القديمة، ولا تزال المدينة في الكثير من جوانبها متشبثة بالماضي. كما تعج حانات المدينة برجال متقدمين في العمر، يتحدثون عن قضايا سياسية، بينما تتجول نساء عجائز في الأسواق. ويعد جني محصول الزيتون أهم أحداث العام على الإطلاق في المدينة، إلا أنه من منظور الطاقة، تحمل توكو دا كازوريا طابعا مستقبليا. فإضافة إلى توربينات الرياح الموجودة بها، تتميز المدينة بألواح شمسية تولد الكهرباء داخل مقبرتها والمجمع الرياضي المنتميين إلى حقبة تاريخية قديمة، إضافة إلى عدد متزايد من المساكن الخاصة.

وقال إدواردو زانشيني، المسؤول عن قسم قضايا الطاقة في منظمة «ليغامبينتي»: «في العادة عندما تفكر في الطاقة، يتركز ذهنك على المنشآت الكبيرة، لكن الأمر المثير هنا أن البلديات المحلية لعبت دورا نشطا للغاية في هذا المجال. إن حدوث هذا الأمر في دولة مثل إيطاليا أمر مبهر حقا».

والملاحظ أن إيطاليا مرشحة غير محتملة لقيادة ثورة في مجال الطاقة المتجددة، بالنظر إلى الانتقادات المتكررة التي تعرضت لها من قبل الاتحاد الأوروبي، بسبب فشلها في الالتزام بالتوجيهات البيئية التي أصدرها. كما أن البلاد ليست في طريقها نحو تلبية الهدف الذي حدده الاتحاد الأوروبي بخصوص التقليص من الانبعاثات الضارة بطبقة الأوزون أو التزامها بالحصول على 17 في المائة من إجمالي استهلاكها من الطاقة من مصادر متجددة بحلول عام 2020، حسبما أفاد خبراء.

وتكشف الأرقام أن إيطاليا تستقي 7 في المائة فقط من استهلاكها من الطاقة من مصادر متجددة، إلا أن النمو في مشاريع توليد الطاقة من مصادر متجددة في مدن مثل توكو دا كازوريا (ليس في إيطاليا فحسب، وإنما أيضا في دول أخرى) يسلط الضوء على كيف أن تحول اقتصاديات الطاقة غالبا ما يتسم بأهمية أكبر عن التخطيط الوطني في تعزيز المصادر البديلة للطاقة.

يذكر أن الدافع وراء تحول توكو دا كازوريا للاعتماد على الطاقة المتجددة، يتمثل في أن إيطاليا تتسم بالفعل بأنها واحدة من أعلى معدلات استهلاك الكهرباء في أوروبا، ويعادل هذا المعدل قرابة ثلاثة أضعاف نظيره في الولايات المتحدة، إلى جانب عجز البلاد عن التكيف مع التقلبات الشديدة في أسعار وإمدادات الوقود الحفري التي سادت العقد الماضي.

مع توربينات الرياح الأربعة الموجودة بها (تم بناء اثنين عام 2007، واثنين العام الماضي)، تتمتع توكو دا كازوريا الآن بالاستقلالية في مجال الطاقة من المنظور الاقتصادي، حيث تولد كميات من الكهرباء تزيد بنسبة 30 في المائة عن استهلاكها. وعاد نشاط توليد الكهرباء من مصادر صديقة للبيئة على المدينة بعائدات تجاوزت 200 ألف دولار، العام الماضي. وعليه، تعمل المدينة حاليا على تجديد المدرسة الموجودة بها لحمايتها من الزلازل، وضاعفت الميزانية المخصصة لتنظيف الشوارع بمقدار ثلاثة أضعاف.

وفي هذا الصدد، أشار كيرا مكنمارا، مسؤول شؤون إيطاليا داخل الوكالة الدولية للطاقة، إلى أنه على الرغم من أن المشاريع الصغيرة في مجال الطاقة المتجددة لم تكن كافية لمساندة اقتصاد صناعي بكامله مثل الاقتصاد الإيطالي، فإنها تبقى بالغة الأهمية. وأضاف: «هذه المشاريع الصغيرة تحمل قيمة جوهرية في داخلها، وتعد إسهاما إيجابيا للغاية داخل البلاد التي تتسم بارتفاع أسعار الكهرباء فيها».

من ناحية أخرى، تعد أسعار الكهرباء المرتفعة في إيطاليا نتاجا للكثير من العوامل، طبقا لما أعلنته الوكالة الدولية للطاقة، وعلى رأسها أن إيطاليا تفتقر تقريبا إلى أي مخزونات من الوقود الحفري خاصة بها، وحظرت حتى العام الماضي بناء مفاعلات لإنتاج الطاقة النووية. وتشير التقديرات إلى أن أي مفاعلات جديدة سيتطلب بناؤها عقدا حتى وإن تمكنت الحكومة من التغلب على المعارضة العامة القوية. وعلى الرغم من أن إيطاليا أنهت رسميا احتكار الدولة للكهرباء عبر شركة «إنيل» وفتحت الباب أمام المنافسة من قبل شركات خاصة، فلا تزال البلاد تفتقد لوجود سوق عاملة، حسبما ذكرت الوكالة. ولا تزال المشاريع الضخمة في مجال الطاقة المتجددة نادرة في إيطاليا، مقارنة بدول أوروبية أخرى، بسبب التعقيد الشديد في إجراءات التخطيط وإصدار التصريحات بإيطاليا.

يذكر أن نمط الطاقة المتجددة الصادر عن مدن صغيرة مثل توكو دا كازوريا يعتمد على موارد محلية. والملاحظ أنه في الدول الواقعة شمال جبال الألب هناك اعتماد شديد على الطاقة المائية وحرق النفايات الزراعية. أما الجنوب الإيطالي المتسم بالارتفاع الشديد في درجات الحرارة، فيميل أكثر نحو الاعتماد على الطاقة الشمسية، على الرغم من أهمية طاقة الرياح أيضا، نظرا لأنها تعد هناك أكثر مصادر الطاقة المتجددة ترشيدا، من حيث التكلفة.

من جهتها، بدت توكو دا كازوريا مؤهلة للنجاح، حيث تقع في واد جبلي يعمل كطريق بيني للرياح. ووقع الاختيار على المدينة كموقع لمشروع للاتحاد الأوروبي لاستغلال طاقة الرياح عام 1989، وجرى تركيب توربينين للرياح غير فعالين استمرا في العمل لقرابة عقد، ولم يتم استبدالهما. ووفر التوربينان في أفضل الأحوال 25 في المائة من متطلبات المدينة من الكهرباء. وأطلق السكان المحليون عليهما «أكياس الضوضاء». إلا أنه في السنوات الأخيرة مع الاعتماد على تقنيات متطورة وتوربينات تعمل من دون ضوضاء وميزانية عامة ضئيلة، وجه مسؤولو المدينة أنظارهم نحو الرياح.

وقال ريزيرو زاكوغيني، عمدة المدينة الذي يتمتع بشعبية كبيرة: «كنا نعي تماما ماذا نفعل وأين يتعين علينا وضع المال». وكان زاكوغيني قد عاد للمدينة بعد إنهائه دراسته في روما وشرع في حشد التأييد لبناء توربينات جديدة، وانتخب عمدة للمدينة عام 2007.

ومثلما هو شائع في أوروبا والولايات المتحدة، يجرى امتلاك وتشغيل التوربينات الجديدة طبقا لعقد محدد من قبل شركة خاصة.

* خدمة «نيويورك تايمز»