رئيس حركة التحرير والعدالة لـ«الشرق الأوسط»: سنتحول لحزب سياسي بعد تحقيق السلام

التجاني سيسي: استراتيجية الخرطوم لحل مشكلة دارفور من الداخل لن تؤثر على مواقفنا التفاوضية

د. التجاني سيسي رئيس حركة التحرير والعدالة في دارفور («الشرق الأوسط»)
TT

أعلنت وساطة منبر سلام دارفور في الدوحة مؤخرا استئناف المفاوضات بين الحكومة السودانية وحركة التحرير والعدالة حيث ستعرض الوساطة خلال الجلسات وثيقة اتفاق نهائي للسلام في دارفور على مختلف أطراف النزاع. واهتدت الوثيقة بالاتفاقات السابقة المبرمة بين الحكومة السودانية والحركات المسلحة في دارفور، ومن بينها الاتفاقان الإطاريان مع حركتي العدل والمساواة والتحرير والعدالة. وكان أحمد بن عبد الله آل محمود، وزير الدولة للشؤون الخارجية القطري، قد أعلن في تصريحات صحافية الأسبوع الماضي، استئناف مفاوضات سلام دارفور بين الحكومة السودانية، وحركة التحرير والعدالة في الدوحة اعتبارا من يوم أمس الاربعاء. وتوقع الوزير القطري في تصريحات صحافية، عقب اجتماع عقده مع جبريل باسولي، الوسيط المشترك للاتحاد الأفريقي والأمم المتحدة، أن توقع جميع أطراف عملية سلام دارفور على اتفاق سلام نهائي قبل نهاية العام الحالي، أي قبل موعد استحقاق الاستفتاء على حق تقرير المصير حول جنوب السودان في التاسع من يناير (كانون الثاني) المقبل. وقال آل محمود إنه وباسولي تسلما مشروع وثيقة سلام دارفور من لجنة الصياغة التي صاغتها على أسس المواجهات التي أبلغتهم الوساطة بها، مؤكدا أن الوثيقة ستكون أساسا لحل مشكلة دارفور، وعلى أساسها ستقوم الوساطة بدراستها وعقد مفاوضات أخيرة بشأنها، وذلك بعد إضافة ما تحتاج إليه من إضافات. ومن جهته، طالب باسولي المجتمع الدولي باستمرار دعمه لعملية سلام دارفور في الدوحة. وأهاب بالمجتمع المدني وجميع الأطراف المعنية للانضمام لعملية التفاوض في منبر الدوحة.

وحرصت حركة التحرير والعدالة في دارفور على تأكيد مشاركتها في مفاوضات الدوحة، والعمل على إنجاح هذه المفاوضات، من أجل الوصول إلى حل نهائي لمشكلة دارفور، وذلك من خلال توحيد إرادة الحركات المسلحة في دارفور، حتى تتمكن من التفاوض بقوة دفع أكبر، لتحقيق مكاسب أكثر لأهل دارفور. وأكد الدكتور التجاني سيسي، رئيس حركة التحرير والعدالة في حديثه لـ«الشرق الأوسط» قبيل استئناف مفاوضات الدوحة بين حركته والحكومة السودانية في الدوحة امس (الأربعاء)، أن مشكلة دارفور لن تحل بمسكنات، وأنه من الأصوب معالجة القضية معالجة جذرية من خلال التفاوض للتوصل إلى اتفاق نهائي مع الحكومة السودانية، لإحلال سلام دائم واستقرار مستمر، لتحقيق تنمية مستدامة في إقليم دارفور.

* ما الأسباب الحقيقية في رأيكم، التي تحول دون تطوير الاتفاق الإطاري بين حركة التحرير والعدالة، والحكومة السودانية، للتوصل إلى اتفاق نهائي حتى الآن، خاصة أنكم مقبلون على استئناف مفاوضات الدوحة؟

- في البداية أود أن أؤكد أننا فصلنا الاتفاق الإطاري بناء على مطالب أهل دارفور، لأننا نؤمن بأنه إذا أردنا حل مشكلة دارفور فينبغي أن تعالج مفاوضات الدوحة قضية دارفور، وهي قضية معقدة الحل، ولكنها ليست مستحيلة الحل، وعليه فلا بد أن يكون الحل حلا مستداما، فهناك مسكنات لحل القضية، مثلما حدث في اتفاقية أبوجا، حيث تأكد لنا أن هذه المشكلة لن تحل بمسكنات، وأنه من الأصوب أن تكون معالجة قضية دارفور في الدوحة معالجة جذرية. فكل القضايا خاضعة للتفاوض والتنازل هنا وهناك، ولكن بالنسبة لنا في حركة التحرير والعدالة، فهناك قضايا مبدئية، مثل التعويضات للنازحين واللاجئين، وقضية الإقليم الواحد، ونعني بذلك حكومة إقليمية واحدة لدارفور، لها سلطة وصلاحيات على ولايات دارفور، سواء كانت ثلاث ولايات أو أكثر، ولها القدرة والسلطة في إنفاذ الاتفاق، مع مراعاة عدم تضارب الصلاحيات، أو التعدي على الصلاحيات والسلطات الأصيلة للولايات. كما أن أحد العوامل الرئيسية التي أدت لفشل السلطة الانتقالية لدارفور في اتفاق أبوجا، هو عدم مقدرتها على إنفاذ الاتفاق على أرض الواقع، نسبة لانتقاصها للسلطات والصلاحيات على ولايات دارفور الثلاث، فأصبحت قابعة في الخرطوم، إذ إنها أصبحت بغير آلية تمكنها من تنفيذ بعض بنود اتفاق أبوجا، على الرغم من ضعف بعض المقررات التي جاءت فيها. ونحن نطالب بالإقليم الواحد لدارفور، حتى لو تطلب ذلك تعديل الدستور، لأنه ليس كتابا مُنزلا، فإذا كان الخيار بين استمرار الاضطراب الأمني أو تعديل الدستور، فأحسب أنه لا يستقيم عقلا أن يكون خيار الحكومة السودانية الاضطراب الأمني، بل سيكون الخيار بكل تأكيد، هو تعديل الدستور. أما القضايا الأخرى فإنها قابلة للتفاوض، وتنازل الطرفين حول بعض النقاط الخلافية، وهذه من صميم طبيعة المفاوضات. ونحن أول من رحب باستئناف مفاوضات الدوحة، ولكننا حذرنا الوساطة من مغبة تسليم وثيقة سلام دارفور التي أعدتها إلى الحكومة السودانية قبل الحركة. وأكدنا ضرورة أن تتبنى الوثيقة المطروحة مواقف جميع الأطراف المعنية، وتشمل الاتفاقات الإطارية الموقعة من قبل. كما دعونا إلى ضرورة أن تسعى الوساطة من أجل إشراك جميع الأطراف في مفاوضات الدوحة، بغية الوصول إلى حل دائم تتوافق عليه جميع الأطراف المعنية.

* هل بذلتم جهدا في العمل على تنسيق مواقف الحركات المسلحة في دارفور، من أجل تقريب المواقف وتنسيقها عند المشاركة في مفاوضات الدوحة مع الحكومة السودانية، لتفادي تكرار تجربة اتفاق أبوجا؟

- نحن أول من دعا لضرورة وحدة الفصائل الدارفورية، كما أنه عندما دعت الحركات المسلحة، حركة تحرير السودان، القوى الثورية التي تكونت بجهد مقدر من الجماهيرية الليبية، قدمت هذه المجموعة مبادرة توحيد الفصائل الدارفورية لحركتي العدل والمساواة، وتحرير السودان، ومجموعة خارطة الطريق التي أسهم في تكوينها الجنرال سكوت غريشن، المبعوث الأميركي إلى السودان في أديس أبابا، فقبلت مجموعة خارطة الطريق، المبادرة، بينما رفضتها حركة العدل والمساواة، بحجة أنها لا تعترف بأي حركة أخرى سواها في دارفور. وواصلنا العمل في توحيد الفصائل، وما زلنا نعمل من أجل الهدف نفسه حتى الآن. ونعتقد أنه من الأسلم أن تتوحد إرادة كل هذه الحركات الدارفورية، حتى نتمكن من التفاوض بقوة دفع أكبر مع الحكومة السودانية، لتحقيق مكاسب أكثر لإقليم دارفور. نحن الآن في الدوحة نتفاوض، وفي الوقت نفسه أذهاننا مفتوحة للدعوات المخلصة لوحدة الصف الدارفوري، التي تنأى عن المناورات.

* ما تعليقكم على الأحداث الأخيرة في بعض معسكرات النازحين في دارفور التي راح ضحيتها الكثير من المدنيين من النازحين في هذه المعسكرات؟

- أولا، نحن ضد أي عنف يمارس على النازحين واللاجئين في المعسكرات. وحركة التحرير والعدالة ضد تسليح معسكرات النازحين واللاجئين. ونحن في حركة التحرير والعدالة، لا نملك أي قوات في هذه المعسكرات، ولا نقبل أن تكون هناك قوات غير قوات اليوناميد حول هذه المعسكرات، وما حدث أنه تم الاعتداء على قيادات النازحين الذين حضروا إلى الدوحة للمشاركة في فعاليات منبر السلام بالدوحة في وقت سابق. وما حدث في معسكر حميدية في زالنجي من اعتداء فإننا ندينه بشدة، ونؤكد أن الذين قاموا بهذا الاعتداء قتلة ومجرمون، لا علاقة لهم بحركة التحرير والعدالة، لا أمس ولا اليوم ولا غدا. ونطالب قوات اليوناميد والأمم المتحدة بالتحقيق الفوري في هذه الأحداث، والقبض على الجناة والمجرمين. ونؤكد أننا لا نملك أي قوات في معسكر حميدية. أما بخصوص الذي ادعى أنه من حركة التحرير والعدالة، فإنه لا ينتمي للحركة، وهذه فرية، وليست من أخلاقيات حركة التحرير والعدالة، التي اتخذت من قبل موقفا بعدم البدء في المفاوضات قبل حضور قيادات من النازحين. فهناك مخطط للنيل من حركة التحرير والعدالة بعد الإنجازات التي حققتها، ولكننا نرصد هذا المخطط، وسنبين الحقائق حول هذا الموضوع في الوقت المناسب. ونحن نؤكد أنه ليست هناك مواجهات عسكرية بين قواتنا وقوات عبد الواحد محمد نور، التي هي، حسب علمنا، موجودة في جبل مرة، وما يحدث في المسكرات هو أن مجموعات مسلحة تدخل المعسكرات، وتستهدف قيادات هذه المعسكرات، التي انحازت إلى حركة التحرير والعدالة في منبر الدوحة.

* ما مرئياتكم تجاه الاستراتيجية الجديدة للحكومة السودانية، من أجل حل مشكلة دارفور من الداخل التي أعلنتها مؤخرا؟

- لا أحسب أن استراتيجية الخرطوم لحل مشكلة دارفور من الداخل ستؤثر في مسار مفاوضات الدوحة. لقد قدمنا للوساطة مواقفنا التفاوضية الخمسة، وهي: السلطة، وتوزيع الثروة والسلطة، والتعويضات وعودة النازحين واللاجئين، والترتيبات الأمنية، والعدالة والمصالحات. هذه الاستراتيجية لن تؤثر في مواقفنا التفاوضية، لأن مشكلة دارفور تم الاتفاق على حلها في منبر الدوحة إقليميا ودوليا، ودول كبرى داعمة لهذا المنبر، بالإضافة إلى مكونات المجتمع الدارفوري، التي لا تحمل السلاح، لذلك فالمشكلة قائمة بين الحكومة والحركات المسلحة الدارفورية، فالتركيز على المفاوضات في منبر الدوحة للوصول إلى حل نهائي للقضية. وأنا لا أعتقد أن القضايا الأمنية، مثل مشكلة دارفور يمكن أن تتم في إطار موعد زمني نهائي محدد، لأن السرعة أدت إلى ما انتهت إليه اتفاقية أبوجا من فشل ذريع في تحقيق السلام والاستقرار في إقليم دارفور، ولكن الحل النهائي يمكن الوصول إليه، إذا توصلنا إلى حل القضايا العالقة التي لها علاقة بجذور المشكلة من دون تحديد موعد زمني نهائي، والأسس التي يمكن أن تحل بها المشكلات الأمنية، مثل مشكلة دارفور، لا تتوقف على الالتزام بموعد زمني نهائي، بل في كيفية الوصول إلى حل تتوافق عليه جميع الأطراف المعنية.

* ما تعليقكم على المبادرة الليبية في توحيد الحركات المسلحة في جبهة تفاوضية واحدة لإنجاز اتفاق مع الحكومة السودانية، بتراضي جميع الحركات المسلحة الدارفورية؟

- نحن في حركة التحرير والعدالة، نقدر مواقف ومساعي القيادة الليبية في توحيد حركات دارفور. ولقد أسهمت الجماهيرية الليبية إسهاما مقدرا في توحيد الحركات المكونة لحركة التحرير والعدالة، خاصة حركة تحرير السودان، القوى الثورية، ونتمنى أيضا أن تنجح مساعي ليبيا في توحيد بقية الحركات في جبهة واحدة. فنحن سمعنا ببعض التصريحات الصحافية حول هذه المبادرة الجبهوية الليبية، ولكننا لم نخطر بها رسميا، وعندما يتم إخطارنا رسميا، سندرسها، ومن ثم سنرد عليها.

* هل حركة التحرير والعدالة مشاركة في تكوين الجبهة العريضة، برئاسة علي محمود حسنين، نائب رئيس الحزب الاتحادي الديمقراطي (الأصل)، التي تضم بعض القوى السياسية، ومن بينها بعض الحركات المسلحة الدارفورية من أجل إسقاط نظام الإنقاذ، التي ستعقد مؤتمرها العام في 22 أكتوبر (تشرين الأول) المقبل في لندن؟

- لم يتصل بنا أحد حتى الآن، فيما يخص هذه الجبهة العريضة، ولكننا سمعنا عنها من خلال بعض البيانات الصحافية. وإذا تم الاتصال بنا سندرس الأمر، ومن ثم نرد عليه. أولا حركة التحرير والعدالة، حركة سياسية مسلحة، تسعى إلى حل مشكلة السودان من خلال حل مشكلة دارفور، وإذا ما وفقنا في حل قضية دارفور حلا عادلا وشاملا، ففي مستقبل الأيام، سيكون بين تطلعاتنا أن نتحول إلى حزب سياسي، وسوف لن نكون حزبا سياسيا جهويا، ولا إثنيا ولا قبليا، بل سنسعى لتأسيس حزب قومي لكل أبناء السودان، يعمل لتحقيق كفالة الحريات العامة، وإرساء نظام ديمقراطي، وسوف لن ننكفئ على إقليم دارفور، لأن التجربة أثبتت أن الانكفاءة من دون شك تؤدي إلى التشظي الذاتي. وأود أن أوضح هنا حقيقة أنني في اللحظة التي وافقت فيها على أن أكون رئيسا لحركة التحرير والعدالة نزولا لرغبة وإرادة زملائي قادة الحركات، الذين رأوا فيّ إمكانية توحيدهم وقيادتهم، فلهم مني جزيل الشكر والتقدير على هذه الثقة، فقد أنهيت علاقتي العضوية بحزب الأمة القومي، مع احترامي لقيادات حزب الأمة، خاصة أولئك الذين عملت معهم في المعارضة، وكانوا من خيرة المناضلين الشرفاء. ونتواصل حاليا مع الأحزاب المعارضة والحركة الشعبية للتفاكر والتشاور حول أنجع السبل لحل قضايا البلاد المستعصية. ولقد ضمنا في الاتفاق الإطاري الذي وقعناه مع الحكومة السودانية، مشاركة هذه الأحزاب في منبر الدوحة.

* ما موقفكم من قضية الوحدة والانفصال، التي سيحددها إنفاذ استحقاق الاستفتاء على حق تقرير المصير، حول جنوب السودان في التاسع من يناير (كانون الثاني) المقبل، ضمن متبقيات استحقاقات اتفاقية نيفاشا للسلام؟

- نحن بلا شك مع وحدة السودان، ونتمنى أن يفضي الاستفتاء إلى وحدة طوعية، أما إذا اختار إخوتنا في الجنوب خيار الانفصال، فهذا الخيار ينبغي أن يحترم. ولكننا في حركة التحرير والعدالة، أعلنا تمسكنا بتبعية منطقة كافي كنجي (حفرة النحاس) المتنازع عليها بين الشمال والجنوب إلى دارفور، لذلك طالبنا بضرورة تمثيلها في لجنة ترسيم الحدود، لأنها منطقة تتبع دارفور. ومن الضروري تمثيل أهل دارفور في عملية الترسيم الخاصة بالمنطقة في لجنة ترسيم الحدود، حتى لا تكون هناك إشكالات تقود الأطراف مستقبلا إلى صراع مجدد.