مصر: إقالة مفاجئة لرئيس تحرير صحيفة «الدستور» تثير جدلا بين المعارضين

صحافيوها اعتصموا.. ومالكها الجديد استقال من رئاسة مجلس الإدارة

عامل مصري يزيل صوراً وشعارات ثورية وبينها صورة الثائر المعروف غيفارا من مكتب الصحافي إبراهيم عيسى الذي أقيل من منصبه كرئيس تحرير جريدة الدستور أمس (أ.ب)
TT

في خطوة مفاجئة، أعلنت إدارة صحيفة «الدستور» المصرية الخاصة إقالة رئيس تحريرها الصحافي إبراهيم عيسى، وسط حالة من الغموض تحيط بأسباب الإقالة أو بمن سيخلفه في رئاسة تحرير الصحيفة، الأشرس في معارضة نظام الرئيس المصري حسني مبارك.

في غضون ذلك، أعلن السيد البدوي رئيس مجلس إدارة الصحيفة المالك الجديد لها استقالته من منصبه في مؤتمر صحافي عقده بعد ظهر أمس، بينما قرر مجلس نقابة الصحافيين المصريين برئاسة النقيب مكرم محمد أحمد عقد اجتماع طارئ اليوم لمناقشة أزمة «الدستور».

وخلفت الإقالة حالة من الجدل في الشارع السياسي والصحافي المصري، خاصة بعدما اعتذر عيسى الأسبوع الماضي عن تقديم برنامج «بلدنا بالمصري» على قناة «أون تي في» الخاصة المملوكة لرجل الأعمال المصري نجيب ساويرس، مبررا اعتذاره برغبته في التفرغ لإدارة «الدستور»، إلا أن مصادر بالقناة أكدت أن سبب اعتذار عيسى عن البرنامج هو رفض القناة لانتقاده النظام المصري ورموزه.

وأعلن عيسى، في تصريحات صحافية له أمس، أن قرار إقالته سببه إصراره على نشر مقال للدكتور محمد البرادعي، المدير العام السابق للوكالة الدولية للطاقة الذرية المرشح المحتمل في انتخابات الرئاسة المقررة العام المقبل 2011، كان مقررا نشره في عدد اليوم في ذكرى انتصارات حرب أكتوبر عام 1973، الأمر الذي أسفر عن خلاف بينه وبين إدارة الصحيفة ممثلة في السيد البدوي المالك الجديد للصحيفة رئيس مجلس إدارتها، وهو في الوقت ذاته رئيس حزب الوفد المعارض (صاحب التوجه الليبرالي) ورضا إدوارد رئيس مجلس إدارة الصحيفة التنفيذي، وهو عضو الهيئة العليا بحزب الوفد، فيما قال البدوي أمس إن سبب الإقالة هو الخلاف مع عيسى حول زيادة رواتب الصحافيين العاملين في الصحيفة.

وكشفت مصادر مقربة من إبراهيم عيسى، الذي لم يرد على هاتفه المحمول طوال يوم أمس، أن السيد البدوي أرسل خطابا إلى المجلس الأعلى للصحافة في الرابعة عصر أول من أمس لإخطاره بإقالة عيسى، الذي أبلغ رسميا بالقرار في الحادية عشرة مساء من اليوم نفسه.

وقالت المصادر إنه وفور علم الصحافيين بالقرار بدأوا اعتصاما مفتوحا بمقر الصحيفة مطالبين بعودة عيسى. وجاء رضا إدوارد رئيس مجلس الإدارة التنفيذي للصحيفة للاجتماع بهم إلا أن كلا الطرفين أصر على موقفه، لينتهي الأمر بقيام رجال تابعين لإدوارد بتفكيك أجهزة الحاسب الآلي بمقر الصحيفة ونقلها لمكان غير معلوم، فيما قرر الصحافيون عدم العمل في العدد الأسبوعي المقرر صدوره اليوم.

وقال الصحافي عبد المنعم محمود سكرتير تحرير الصحيفة لـ«الشرق الأوسط»: «ننتظر ما ستسفر عنه قرارات الإدارة الجديدة حول رئيس التحرير المزعوم، ونحن ممتنعون عن العمل، وعن إصدار الأعداد المقبلة بعد تغيير السياسة التحريرية بهذا الشكل المفاجئ، وأي نسخة ستصدر من الصحيفة لا تحمل اسم عيسى لسنا مسؤولين عنها، وسنوجه مستشارنا القانوني إلى المجلس الأعلى للصحافة في حالة صدور عدد مواز من خارج المقر، للاستيضاح عن موقف الصحيفة المستقبلي».

وقال محمد الجارحي، الصحافي بـ«الدستور»: «تضارب الحديث عن وجود أكثر من سبب للإقالة يؤكد أن السبب الحقيقي لم يعلن بعد»، موضحا لـ«الشرق الأوسط» أن «مقال البرادعي لم ينشر بعد لكي يمكن الحكم على محتواه أو أن يثير أزمة بين المالك الجديد للصحيفة ورئيس تحريرها، وكذلك مقال المفكر الإسلامي محمد سليم العوا نشر في أكثر من موقع إلكتروني ولم يثر أي أزمات».

وأضاف الجارحي «السيناريو الذي حدث يكشف أن الخطوة اتخذت بعد ساعات قليلة من نقل ملكية أسهم الجريدة بالكامل من المالك القديم عصام إسماعيل فهمي إلى الملاك الجدد السيد البدوي ورضا إدوارد، والأمر لا علاقة له بأي مقالات نشرت أو لم تنشر».

وكان اللافت في الأزمة أنه بينما سيطر على الصحيفة الورقية أنصار السيد البدوي المالك الجديد، ظل الموقع الإلكتروني لـ«الدستور» في سيطرة أنصار عيسى، الذين قاموا برفع اسم السيد بدوي من على الموقع واكتفوا بوضع اسم إبراهيم عيسى رئيسا للتحرير، ونشروا مقال البرادعي الذي تردد أنه سبب الإقالة.

وفور ذيوع خبر إقالة عيسى، انطلقت على المواقع الإلكترونية والمدونات دعوات لمقاطعة شراء «الدستور» حتى عودة عيسى، فيما نشر صحافيو الجريدة بيانا أعربوا فيه عن رفضهم التام لإقالة عيسى، و«الأسلوب الذي يتبعه الملاك الجدد للجريدة في إدارتها وتهديد صحافييها وتدميرها من الداخل»، مؤكدين عدم اعتدادهم بأي إصدار آخر يحمل اسم «الدستور» يكون من دون رئاسة عيسى له، ومن دون مشاركة أبناء الجريدة الأصليين في تحريره.

وعلى صعيد متصل، قررت «الحملة الشعبية المستقلة لدعم البرادعي» إلغاء وقفات رمزية في 5 محافظات، كان من المقرر تنظيمها في ذكرى انتصارات حرب أكتوبر أمس، تضامنا مع عيسى، معتبرة أن ما حدث هو «تكميم لأفواه المعارضة، وتضييق على حرية الرأي والتعبير في مصر».

وشهدت الفترة الماضية منع برنامج «القاهرة اليوم» الذي يقدمه المذيع عمرو أديب على شبكة «أوربت»، بالإضافة إلى وقف برنامج «بلدنا بالمصري» الذي يقدمه إبراهيم عيسى ثم إقالته من رئاسة تحرير «الدستور»، ومنع الكاتب علاء الأسواني من كتابة مقاله الأسبوعي في صحيفة «الشروق الجديد» الخاصة بعدما اعتاد على توجيه انتقادات حادة للنظام المصري، الأمر الذي فتح تساؤلات المراقبين حول حرية الإعلام في مصر. وصدر العدد الأول من صحيفة «الدستور» في ديسمبر (كانون الأول) عام 1995 وكانت تصدر عن مؤسسة «الدستور للصحافة» بترخيص من قبرص، وتوقفت عن الصدور عام 1998 بقرار إداري، بعدما نشرت بيانا منسوبا لإحدى الجماعات الإسلامية، وهو ما اعتبرته وزارة الإعلام المصرية «بيانا غير مقبول ومثيرا لفتنة طائفية». وعادت الصحيفة للصدور في 23 مارس (آذار) عام 2005 أسبوعيا صباح كل أربعاء، ثم تحولت إلى الإصدار اليومي في 31 مارس (آذار) 2007.

واشتراها السيد البدوي ورضا إدوارد في أغسطس (آب) الماضي وسط تكتم حول قيمة الصفقة التي تردد أنها تدور بين 16 مليونا و25 مليون جنيه مصري (نحو 4.3 مليون دولار).

وكانت أبرز أزمات عيسى في منصبه القديم، هو محاكمته عام 2008 بتهمة نشر معلومات كاذبة عن صحة رئيس الجمهورية بعدما نشر مقالا تضمن تساؤلات حول صحة الرئيس المصري حسني مبارك، وأدين وحكم عليه بالسجن لمدة شهرين قبل أن يصدر عفو رئاسي أنقذه من السجن.