لا يوافق كثير من العمال الفلسطينيين في إسرائيل على خطط السلطة الفلسطينية لمنع العمل نهائيا في مستوطنات الضفة الغربية، وهي خطوة ثانية تنوي السلطة اتخاذها نهاية العام الحالي، في إطار حربها على المستوطنات، وبدأتها بقرار مقاطعة بضائعها. ويخشى هؤلاء العمال على مستقبلهم وسط شكوكهم المتعلقة بقدرة السلطة على إيجاد بدائل معقولة.
وعلى الرغم من أنه لا يوجد قانون في السلطة يجرم العمل في المستوطنات، ولم يتخذ قرار بهذا الشأن، فإن السلطة تخطط لإنهاء هذه الظاهرة مطلع العام المقبل. ويقدر عدد العاملين الفلسطينيين في المستوطنات بـ35 ألفا.
وتساءل الشاب ناصر، الذي يعمل في مستوطنات في محيط القدس المحتلة منذ سنين طويلة: «ما بدائلهم؟». واستطرد قائلا: «إنهم يتحدثون عن رزقي ورزق أطفالي.. هذه قضية مختلفة عن مقاطعة البضائع، الكعك والحلاوة والتمور لها بدائل، أما الحصول على عمل فهو الآن شبه مستحيل». وأضاف: «انظر إلى حجم العاطلين عن العمل في الضفة الغربية، من أين سيوفرون فرص عمل لنا جميعا؟ المسألة ليست سياسية أبدا، إنها متعلقة بلقمة ابني فقط». ويتقاضى العمال في إسرائيل أجورا مرتفعة إذا قورنت مع أجور العمال في الضفة الغربية، وقد يكون هذا أحد أسباب تمسك العمال بالعمل في إسرائيل، لكن ناصر يقول: إن الأجور تدنت في السنوات الأخيرة، كما أن العمل أصبح يرافقه بعض الإذلال من دون حقوق وضمانات للاستمرار. وأردف: «إذا أمنوا لي عملا بنصف ما أتقاضاه (من المستوطنات) على أن يكون مستمرا وليس مجرد مشروع لعدة أشهر، فأنا مستعد أن أترك هنا، أنا في النهاية أحب أن أبني في بلدي». وتقول السلطة إنها بصدد اتخاذ خطوات لتأمين عمل وحياة كريمة لعمال المستوطنات، وقد دعمت لهذا الغرض مجموعة من المؤسسات الخاصة لتقديم قروض شخصية لعمال المستوطنات لبدء مشاريع فردية وجماعية، كما افتتحت مشاريع زراعية كثيرة وفرت فرصا مختلفة للأيدي العاملة المتخصصة في هذا المجال. وقال الناطق باسم الحكومة الفلسطينية، غسان الخطيب، لـ«الشرق الأوسط»: «الضمانة الأفضل التي نقدمها هي التحسن في الاقتصاد». وأضاف: «الأرقام تشير إلى تحسن كبير في الاقتصاد وتراجع في معدلات البطالة». وأوضح الخطيب أن السلطة نجحت حتى الآن بأساليب غير جبرية بإقناع أعداد لا بأس بها من عمال المستوطنات بترك أعمالهم وأمنت لهم أعمالا أخرى قريبة من منازلهم وفي مجالات تخصصاتهم. وتابع: «نأمل في أن ننجح بإنهاء مسألة العمل في المستوطنات نهائيا، ومن دون قرارات». وعلى الرغم من وعود السلطة هذه، وحديث وزرائها عن مشاريع كبيرة تبنى في بيت لجم وجنين، فإن بعض العمال ما زالوا مترددين جدا في ترك عملهم، وأحدهم، ويدعى عاطف، من مدينة بيت لحم، قال: «اقتصادنا يبعث على القلق، كل شيء بحاجة إلى موافقة إسرائيل». ولم يشعر عاطف بالحرج من عمله في مستوطنات إسرائيلية، وتساءل: «ما الفرق بين العمل في تل أبيب ومعاليه أدوميم». لكنه يوافق على ترك عمله في المستوطنات، لكن بشروط «توفير عمل بالدخل نفسه ويكون مستمرا». وإلا سيكون هذا، بالنسبة لعاطف «إحالتي على البطالة». وقال: «إن إجباري على ترك العمل لصالح عمل أقل دخلا فيه الكثير من الظلم». وتعهد مسؤولو السلطة بعدم اتخاذ خطوات جادة ضد العمال في المستوطنات قبل إيجاد بدائل لهم. وأكد الخطيب: «لا يوجد قرار حتى الآن.. نحن نعمل في خطين، الأول: إيجاد بدائل، والثاني: إقناعهم بضرورة ترك العمل في المستوطنات». وقد لا ينتظر أصحاب المصانع الإسرائيليون، العمال الفلسطينيين وسلطتهم ليقرروا، وفي بعض المستوطنات مثل «ميشور أدوميم»، قامت جمعية تطوير المستوطنة الصناعية خلال الشهرين الماضيين، بتعميم بيان للمشغلين الإسرائيليين تدعوهم فيه إلى إعطائها معلومات عن عدد العمال الفلسطينيين من مناطق السلطة الفلسطينية ووظائفهم، تمهيدا لاستبدال عمال آخرين بهم من خلال شركات القوى العاملة الإسرائيلية. وجاءت هذه الخطوة ردا على توجه السلطة الفلسطينية بمنع العمال الفلسطينيين من العمل في المستوطنات، وطالب اتحاد أرباب الصناعة الإسرائيلي، وزارة التجارة والصناعة، برصد مبلغ 2000 شيكل لكل عامل إسرائيلي يعمل بدلا من العامل الفلسطيني في المستوطنات. وقال رئيس اتحاد أرباب الصناعة الإسرائيلي: «إن تكلفة ترك العمال الفلسطينيين لأماكن عملهم واستبدال إسرائيليين بهم تصل شهريا إلى 44 مليون شيكل، ولا يستطيع أصحاب المصانع دفع هذه المبالغ من جيوبهم، وهم يبحثون مع وزارة التجارة والصناعة عن الحلول، ومنها إقناع السلطة الفلسطينية بإلغاء قرارها». وطبعا فإن أجور الفلسطينيين التي تبدو مرتفعة، مقارنة بأجور نظرائهم في الضفة، لكنها في الحقيقة متدنية جدا مقارنة بأجور أقرانهم من اليهود. وجرب أصحاب المصانع عمالا تايلانديين وأفارقة وأجانب، في أوقات مختلفة من الانتفاضة الثانية، في محاولة للتخلص من الفلسطينيين، لكنهم ظلوا يفضلون العامل الفلسطيني، حتى الذين يصلون إلى أعمالهم تهريبا.
وقال عاطف: «لم يجدوا أفضل منا»؛ لذلك فإنه على الرغم من الإجراءات الصارمة التي تتخذها الشرطة الإسرائيلية لمنع دخول عمال فلسطينيين لا يحملون تصاريح، فإن أصحاب العمل الإسرائيليين يساعدونهم أحيانا في الوصول إلى أماكن عملهم تهريبا بطرق مختلفة.
وفيما تدل المعطيات الإسرائيلية على وجود 22 ألف عامل فلسطيني يعملون في المستوطنات والمناطق الصناعية التابعة لها بموجب تصاريح عمل، فإن نصف هذا العدد، حسب تقديرات فلسطينية وإسرائيلية، يعملون من دون تصاريح، إضافة إلى 26 ألف عامل فلسطيني يعملون داخل إسرائيل بموجب تصاريح عمل.
ويشكل العمال الفلسطينيون في إسرائيل والمستوطنات 9.9% من مجمل سوق العمل في الضفة الغربية، ويتركز عملهم على قطاعات البناء والصناعة والزراعة. لكن هناك مستوطنات تعتبر معاقل للمتطرفين، مثل مستوطنتي يتسهار وكفار تبواح، لا تسمح لأي عربي بدخولها لأي سبب.