«اختصر واقتصد».. ظاهرة تحكم حياة الشباب اللبناني

قصص الحب قصيرة والكلام قليل والأكل خفيف والتبذير ممنوع

ظاهرة الاقتصار والاقتصاد.. تنتشر اليوم في لبنان («الشرق الأوسط»)
TT

لعل وتيرة الأيام السريعة التي يعيشها اللبناني تحت ضغوط حياتية كثيرة، إن في المجال الاقتصادي أو السياسي أو الاجتماعي، دفعته إلى التمسك بمبدأ «المختصر مفيد» الذي صار بمثابة قانون يطبقه في يومياته دون التأسف على مرور لحظة دون الاستعانة به، لا سيما عند تعامله مع الآخرين. فالكلام أصبح قليلا والأكل خفيفا والتبذير ممنوعا والأغنيات بالكاد تبدأ لتنتهي. بل وطال الأمر قصص الحب التي صارت قصيرة.. فحتى «شهر العسل» جرى اختصاره إلى ثلاثة أيام، وأحيانا أقل، لتوفير نفقاته.

تعد هذه الظاهرة المنتشرة بشكل لافت بين الشباب اللبناني عنصرا أساسيا في حياتهم العملية. فحسب رأيهم «الاقتصاد في المال» يختلف عن البخل، وقلة الأكل غير الجوع، وتوفير الكلام للوقت المناسب غير الصمت، وبالتالي، فاختصار مدة «شهر العسل» أو قصة ليس ظاهرة طارئة، ناهيك عن أن المثل اللبناني القديم والمعروف يقول: «إن كان حبيبك عسل لا تلحسه كله».

الطلبة الجامعيون اليوم ما عادوا يتحرجون من بعضهم إذا ما خرجوا في دعوة على العشاء أو الغداء تقتصر على تناول «السلَطة» مع فنجان قهوة أو كوب عصير وفي النهاية يتقاسمون الفاتورة، فالتبذير صار ممنوعا والبذخ عادة قديمة لا علاقة لها بـ«موضة العصر».

هناك الآن واقعية تنبع من انشغال الناس بتأمين لقمة العيش والأقساط الباهظة للمدارس والجامعات وتصليح السيارة. وحتى التطلع إلى تحقيق أحلام قديمة راودتهم منذ نعومة أظفارهم، مثل امتلاك منزل في بيروت أو الجبل، أو السفر إلى بلد أوروبي أو أميركي، جعلهم يتبعون مبدأ الاختصار والاقتصاد للاستفادة، قدر الإمكان، من كل لحظة يعيشونها ويمضونها في العمل أو بين أفراد عائلاتهم لتعويض أي نقص يلاقونه في تسديد الفواتير الحالية المتوجبة عليهم تجاه الدولة والأخرى العاطفية تجاه أولادهم.

على صعيد آخر ثمة من يشير إلى انحسار ملحوظ في عادة «القيل والقال»، ويرى أنها الأكثر تأثرا بنمط العيش السريع الذي يعيشه اللبناني حاليا. فقد تراجعت النميمة والشائعة بشكل لافت بسبب «اختصار» الزيارات والتقليل منها والاكتفاء بها إلى حد الضرورة. كذلك يلاحظ أن اللقاءات في المطاعم أو في المقاهي باتت تتطلب الانصراف بسرعة، كي لا تطول الجلسة، ومن ثم لائحة الطلبات، والمبلغ المالي المطلوب لتسديد الفاتورة.

أمين يازجي، وهو صاحب محل صغير لتصوير الوثائق والمستندات والمعاملات الرسمية، قال لـ«الشرق الأوسط» في لقاء معه: «إن الطلاب الجامعيين لا يكادون اليوم يدخلون محلي ويسألوني مطلبهم حتى يرفقوه بعبارة (بتاخد وقت؟) وكأن وقتهم من ذهب».

أما ناجي حبيب، وهو مالك مقهى بسيط في منطقة عين الرمانة بضواحي بيروت، فقال إن غالبية زبائنه بالكاد يتبادلون «الدردشات» ولو جاءوا معا، لأنهم يمضون معظم وقتهم وهم يعملون على جهاز الكومبيوتر المحمول (Laptop). مشيرا إلى أن «الميل إلى التراسل والتحادث الإلكتروني (Chatting) عبر الإنترنت اختصر المسافات والاتصالات وغيب الرسائل المكتوبة إلى غير رجعة. وما زاد هذه الظاهرة انتشارا هو الهاتف الجوال (البلاك بيري) Blackberry الذي يقدم خدمة التحادث الإلكترونية مقابل اشتراك شهري يدفعه حامله ويمكنه من التواصل مع أصدقائه ممن يحملون الجهاز نفسه دون إجراء أي مكالمة هاتفية في ما بينهم.. بل بواسطة الـ(Chat)».

حتى إنجاب الأطفال أصبح محدودا، إذ لم تعد تتجاوز الولادات المرتين في العائلة اللبنانية، وهذا بعدما كانت تتألف الأسرة في الماضي من خمسة أولاد، وأحيانا أكثر. كذلك قطاع النقل والمواصلات تأثر أيضا بمبدأ الاختصار والاقتصاد، إذ باتت شريحة عريضة من اللبنانيين تفضل السير على الأقدام أو ركوب الحافلة لتوفير تكلفة استعمال سياراتهم، وخصوصا، أن ثمن صفيحة البنزين صار يحسب له حساب بعدما تجاوز الثلاثين ألف ليرة لبنانية، أي ما يوازي العشرين دولار أميركيا.

وأخيرا لا آخرا، هناك أيضا من اتبع الاختصار في حفلات الزواج التي باتت تقتصر على الأهل والأصدقاء، ويسدد العروسان تكاليفها من لائحة الهدايا التي صارت توضع في مصرف ما، مما يستوجب على المهنئ أن يدفع مبلغا من المال بعد ما كان في الماضي يحمل هدية مناسبة ويزور العروسين في منزلهما الزوجي لـ«تقديم الواجب على مقدار المحبة».