دراويش الرقص الدوّار في إسطنبول والصوفية القادرية تجمعهما ليلة صوفية بمسقط

مؤسس فرقة الكندي: أرفض إدخال آلات غربية على الموسيقى الشرقية حفاظا على هويتها

عازف القانون الفرنسي جوليان جلال الدين فايس الذي اعتنق الإسلام وعاش متنقلا بين حلب وإسطنبول أطلق فرقة الكندي عام 1983
TT

عاشت مسقط ليلة صوفية بامتياز على وقع أناشيد مجموعة الكندي للتراث الصوفي التي قدمت عملها «درب الحب عند الصوفية» في أجواء جمعت جمالية الموسيقى وروعة الأداء في قالب شفاف وراقٍ، فكان لقاء دراويش الرقص الدوّار في اسطنبول والصوفية القادرية في سورية انعكاسا جميلا للموسيقى الروحية في الثقافة الإسلامية.

وتعتبر مجموعة الكندي من الفرق الصوفية المتخصصة التي تجمع فنانين من كل من سورية وتركيا. أطلقها عام 1983 عازف القانون الفرنسي جوليان جلال الدين فايس، الذي اعتنق الإسلام وعاش متنقلا بين حلب وإسطنبول وعدد من الدول العربية الأخرى مستكشفا ومستلهما الموسيقى الكلاسيكية العربية.

يبدو فايس حين يتحدث عن الموسيقى العربية كمن يتكلم عن طفل يتوجب الاعتناء به والحفاظ عليه وحمايته من أي تغيير مهما كان نوعه. وكان فايس في لقائه مع «الشرق الأوسط» شديد الرفض لمبدأ إدخال آلات غربية على التخت الموسيقي الشرقي مشددا أكثر من مرة على ضرورة عدم تضييع هوية الموسيقى العربية الأصيلة.

ويوضح فايس، الذي كان عازفا للغيتار، أن علاقته مع الموسيقى العربية بدأت عند سماعه مقطوعات للموسيقي العراقي منير بشير، ويقول: «موسيقى بشير كانت في غاية الروعة والرقة وتبعث على التأمل، حينها كان القرار باستكشاف هذه الموسيقى ومن ثم تعلمت العزف على آلة القانون».

اليوم يقول فايس إنه لا يستمع إلى الموسيقى الغربية أبدا بل جل تركيزه منصب على الموسيقى الشرقية بمختلف منابعها «فهناك الموسيقى الهندية والإيرانية والتركية، وكلها تحمل سحرا من الشرق لا يقاوم». ويوضح أن فكرة إنشاء مجموعة الكندي هي جمع موسيقيين محترفين وموهوبين وإدخال آلات موسيقية مختلفة وتقديم موسيقى جيدة وليس فقط التركيز على مغن أو على تقديم القدود الحلبية على سبيل المثال أو ما شابه. فهذه هي استراتيجيتنا بالأساس وهذا ما ينتظره منا الجمهور حول العالم، أي التعرف على موسيقى راقية وبأسلوب راقٍ أيضا». وبدا واضحا خلال الحفل الذي أقيم في مسقط، بدعوة من دار الأوبرا السلطانية، الانسجام بين أعضاء المجموعة من موسيقيين ومؤدين. وقد طعّم فايس الفرقة بآلات موسيقية تركية مثل الطنبور والربابة والطبلة التركية، كما قدم آلة «القودوم» التي تعرف أيضا باسم النقرات والتي هي من الآلات الموسيقية العربية الشبيهة بالطبلة لكنها اختفت من الموسيقى العربية في أيامنا هذه. كما حضر الناي والرق والعود إلى جانب القانون في عزف بارع من الموسيقيين وصوت رائع من المؤديين، وهما مؤد تركي وآخر سوري.

ويقول فايس: «نقدم المولوي الحقيقي وليس ما هو شائع اليوم في أكثر من مكان. كما أن تركيزي في كل عمل نقدمه هو الحفاظ على الموسيقى الشرقية والعربية في صورتها الأصلية. فأنا في عملية بحث مستمر انطلاقا من قناعتي بضرورة تقديم جديد للجمهور، فعلى سبيل المثال وجدت في تركيا موسيقى من القرنين السادس عشر والسابع عشر، واحدة منها باسم (سيف المصري) ولكن لا أحد يعرف أي معلومات عن هذا الشخص. كما أنني وجدت وخلال بحثي عن أرشيف الموسيقى العربية، وكذلك التركية والإيرانية كثيرا من التداخل والتشابه الروحي فيما بينها. ولهذا أنا أجد أن الموسيقى الشرقية مكملة لبعضها البعض بغض النظر عن أي منطقة تعود إليها. ففكرة إدخال ودمج الموسيقى الشرقية مع بعضها البعض غاية في الروعة. ولكن في المقابل يجب الابتعاد عن أي محاولة لإدخال آلات غربية مثل الكمان أو التشيلو أو البيانو إلى الموسيقى الشرقية حفاظا على روحيتها. كما أن تقديم الموسيقى الشرقية من خلال أوركسترا كاملة لا أجده حقيقيا ومعبرا، بل يجب الحفاظ على المقام الذي هو صلب الموسيقى العربية». ولا يقف فايس عند هذا الحد في دفاعه عن هوية الموسيقى العربية، بل يذهب إلى الدعوة للابتعاد عن اللباس الغربي أيضا عند عزف الموسيقى الشرقية والعودة إلى اللباس الحقيقي لهذه الشعوب فالشكل يكمل المضمون وهذا أمر نشاهده مثلا في اليابان مع الفرق التي تقدم الفن الياباني التقليدي وكذلك في عدد من الدول الأخرى». وأبدى فايس اسفه لأن الموسيقى السائدة اليوم لا تعبر عن حقيقة الموسيقى العربية وروحيتها.

أما سبب اتجاهه إلى الموسيقى الصوفية فيقول فايس «أردت الموسيقى الروحية الخالصة التي تدعو إلى التأمل وهذا ما وجدته في الموسيقى الصوفية». وقال إنه يحضر لعمل جديد سوف يقدم في البرتغال أوائل العام المقبل يقوم على جمع موسيقى الكنائس مع المغنين الصوفيين في سورية والموسيقى التركية. ويقول: «إنه عبارة عن جمع بين حضارتين أو ديانتين. فنحن في النهاية نقدم فنا وليس مادة دينية، على الرغم من ارتباط الصوفية بالإسلام؛ لأن هدفنا هو تقديم فن جميل وراق يستمتع به الناس أينما كانوا».