نشر الوعي أرخص من محاربة الفساد

سعود الأحمد

TT

يقول الدكتور كوسبي، الممثل الأميركي المشهور ذو الجذور الأفريقية: إن الحكومات تقبل بالصرف على السجون وإعانات المساجين وإعالتهم وإطعامهم وتأهيلهم حتى بعد انقضاء محكومياتهم، بمبالغ أضعاف ما تصرفه على برامج نشر الوعي ونشر الفضيلة.. وسبب هذا الانحراف الإداري، أن القرار مكفول للسلطات التنفيذية. والسلطات التنفيذية لديها ميل فطري (بحكم التخصص) للعقوبة أكثر من الميل للحث على نشر الفضيلة! وفي اعتقادي أن من أهم أسباب ميل المجتمعات للتراخي في محاربة الفساد، أنه لا يوجد تقييم مالي وترجمات رقمية للآثار السلبية للفساد الإداري وتكلفتها على المجتمع والفرد. في حين لو تم حصر أضرار الفساد بنظام تكاليف دقيق.. واتخذت الإجراءات لتحميل كل جهة أو فرد مفسد ما تسبب به وتمت مطالبته به.. عملا بقاعدة أن كل نفس بما كسبت رهينة؛ لشعر الجميع بأهمية تحمل مسؤولياتهم. وحول موضوع الفساد الإداري، كنت قد كتبت الكثير من المقالات في هذه الزاوية عن مكافحة الفساد الإداري وأهمية الحث على الفضيلة، ومنها مقال بعنوان «من أين لك هذا؟»، ووردني تعقيب عليه مرفق به خبر بتاريخ 21/ 9/ 2010 بعنوان «التحقيق مع ثلاثة موظفين بالمحكمة العامة في مكة بتهمة الفساد».. يثني صاحب التعقيب على الإجراءات الإدارية الصارمة لمحاربة الفساد في السعودية، وما يحصل بشكل خاص في إمارة مكة... مما نسمعه بين الحين والآخر من إحالة قضاة وكتاب عدل وكتاب وإداريين للتحقيق؟

وأقول إنني لست مع تكثيف العقوبات بقدر ما أميل إلى الوقاية منها والعمل على ألا تتكرر، ومن ذلك عرض الآثار السلبية في صور رقمية مالية وإحصائية. كما أنني أعتقد أن مواجهة الفساد الإداري لا تأتي بقرارات عقوبات ردود أفعال. فلا يعقل أن تكون مكة وحدها المستحقة لكل هذه العقوبات دون مناطق المملكة الأخرى. ولو أجرينا دراسة إحصائية (رأسية) خلال السنتين الماضيتين لما صدر من قرارات بحق قضاة وكتاب وموظفي إمارة من عقوبات وتحقيقات وتشهير، وتم مقارنتها بما صدر (تاريخيا) في إمارة مكة لوجدناها تفوق ما صدر من قرارات مماثلة في إمارة مكة خلال ثلاثة عقود. كما لو قارنا هذه القرارات بما صدر من قرارات مماثلة بجميع مناطق المملكة خلال الفترة نفسها (كمقارنة أفقية) لوجدناها تفوقها! فأين هي عقوبات قضاة وكتاب عدل المناطق الأخرى المخالفين من هذه الإجراءات الصارمة المطبقة في إمارة مكة؟! بل إنني أعتقد أننا في حاجة إلى استراتيجية عمل للتحصين والوقاية من الوقوع في مثالب الفساد الإداري. وعلى سبيل المثال: انظر إلى رواتب كتاب العدل وكتابهم (وكم هي متدنية جدا) في مقابل ما يقع تحت أياديهم من مسؤوليات (مادية ومعنوية). والأمر الثاني: أننا وكما قال الدكتور كوسبي، شأننا شأن غيرنا من المجتمعات المتحضرة، لا نكثف العمل على نشر الفضيلة بهدف مواجهة الرذيلة من رشوة وفساد إداري. وعلى سبيل المثال: لو نظرنا إلى معظم جرائم المسجونين والمحكوم عليهم بالقصاص والحرابة لوجدنا سببها الحقيقي نقص الوعي وانحراف السلوك المبكر.. وأنه كان بالإمكان معالجته بتكاليف أقل بكثير مما تسبب فيه! وفي الختام.. لعل من أسباب ضعف برامج نشر الفضيلة، أن أمرها شأن عام ليس له جهة بعينها مسؤولة عنه.

* كاتب ومحلل مالي