الولايات المتحدة ترفض «تشريع الأفكار» للحد من انتشار التطرف عبر الإنترنت

مسؤول أميركي لـ«الشرق الأوسط»: حرية التعبير هي ما يميزنا.. والتواصل مع المسلمين أساسي لشرح سياستنا

جورج سالم
TT

كلما زادت التهديدات الإرهابية للغرب، وكلما كثفت الولايات المتحدة من الإجراءات الأمنية في مطاراتها، التي تستهدف في جزء كبير منها الأشخاص القادمين من البلدان الإسلامية، زادت مهمة جورج سالم، مستشار الحريات المدنية في وزارة الأمن الوطني الأميركية، صعوبة. فهو واحد من أربع أشخاص في الوزارة، متفرغين للتواصل مع المسلمين والعرب في الولايات المتحدة، للاستماع إلى مشكلاتهم وشكواهم.

وقد أطلقت وزارة الأمن الوطني في الولايات المتحدة مبادرة قبل 6 سنوات تقريبا، للتواصل مع هذه الفئة من المجتمع الأميركي التي تشعر بالتمييز ضدها منذ أحداث 11 سبتمبر (أيلول). ويعمل سالم على الترويج لأفكار حقوق الإنسان والحريات العامة التي يضمنها الدستور الأميركي، وأفكار التسامح والتعددية، بين المجتمعات المسلمة والعربية في الولايات المتحدة.

العقبة الكبرى التي تواجهه في عمله، يقول إنها تتعلق بتفسير سياسات الحكومة المتعلقة بالأمن، ومحاربة الأفكار السائدة بين المسلمين والعرب في الولايات المتحدة، حول استهدافهم. ويتحدث سالم الذي يزور لندن حاليا، في لقاء مع «الشرق الأوسط»، عن أنه من السهل على أفراد من جماعات مهاجرة، أن يظنوا أنه يتم اختيارهم لتفتيش إضافي في المطارات مثلا «لأسباب ربما خاطئة كليا». ويقول: «سهل تصديق الفكرة السائدة أن الولايات المتحدة تميز ضد المسافرين المسلمين، ولكن ما هو صعب إثبات العكس.. فهناك آلاف المسافرين المسلمين والعرب يسافرون يوميا من دون أن يتعرضوا لأي حوادث أو تأخير.. لذلك ما نفعله هو أن نتصدى لهذا الفكرة السائدة».

وإضافة إلى نظام التواصل مع المسلمين والعرب، أدخلت الولايات المتحدة بعد أحداث 11 سبتمبر، نظاما لتلقي الشكاوى من أشخاص يشعرون أنهم تعرضوا للتمييز ضدهم في الإجراءات الأمنية المتخذة في المطارات. ويقول سالم إن الوزارة تتلقى كثيرا من الشكاوى حول تمييز بسبب الاسم أو بلد المنشأ، وتدرس كل حالة على حدة. ولكن رغم وجود نظام الشكاوى، فإن المشتكي لا يمكنه أن يعرف نتيجة شكواه ولا التوصيات الصادرة عنها. وكل ما يتلقاه بعد إيداع شكواه، رسالة إشعار بالتسلم، مما قد يطرح علامات استفهام حول جدوى العملية من الأصل. ولكن سالم يقول إنه «رغم المعرفة بأنه ليس كل المشكلات سيتم حلها، فإن الفرصة التي نؤمنها فريدة». ويضيف أن شكوى واحدة قد لا تغير الكثير، ولكن عدة شكاوى تصب في الإطار نفسه، قد تفتح باب إعادة درس سياسة معينة يتم اتباعها.

وعلى الرغم من أن هدف سالم دفع المسلمين للانخراط في المجتمع الأميركي، عبر التواصل معهم والتأكيد لهم أن الحكومة الأميركية تعي أنهم جزء مهم من المجتمع وتستمع إليهم، فإنه يرفض تعريف عمله بأنه محاولة للتأثير على أفكارهم. ويقول: «عملنا ليس أن نبقي المسلمين بعيدين عن التطرف، بل تقوية الحقوق المدنية والمجتمع المدني، والتواصل حول الانفتاح والشفافية في عمل الحكومة». ويضيف: «على عكس البلدان الأوروبية، ليس هناك مكتب في الولايات المتحدة مخصص لمحاربة الأفكار المتطرفة. عملنا أن نحافظ على حرية التعبير».

ولكن حرية التعبير في الولايات المتحدة بدأت تتسبب في قلق للأوروبيين، خاصة البريطانيين، الذين طلبوا قبل أيام من واشنطن إغلاق مواقع إنترنت مقرها الولايات المتحدة، تبث أفكارا متطرفة يجند من خلالها مسلمون في بريطانيا. وقد كشفت قضية روشانا شودري، الطالبة التي طعنت نائبا بريطانيا بهدف قتله بسبب تصويته للحرب على العراق، عن مدى قلق بريطانيا من مواقع إسلامية مركزها الولايات المتحدة. وقد اعترفت شودري بأنها تأثرت بأفكار العولقي بعد أن قرأت واستمعت لخطاباته من الإنترنت، وقررت طعن النائب بعد أن قرأت محتوى الموقع المسجل في الولايات المتحدة.

إلا أن الولايات المتحدة المتمسكة بحماية حرية التعبير، لم تقرر بعد كيف ستتعامل مع التهديد الإرهابي القادم من الإنترنت، رغم رفضها اعتماد الرقابة. ويقول سالم عن ذلك: «حرية التعبير في الولايات المتحدة هي واحدة من أهم أجزاء ديمقراطيتها. دستورنا يصون حرية التعبير لكل مواطنينا، وهذا واحد من الأمور التي يأتي لأجلها المهاجرون وطالبو اللجوء». ويضيف: «ولكن مع هذا النمط الجديد من التهديدات الأمنية، والتطرف عبر الإنترنت، أصبح الأمر مشكلة تتعاظم، ولا أعتقد أن الحكومة لديها حل بعد حول كيفية التعاطي مع المسألة، ولكن نتعامل حتى الآن مع كل قضية على حدة».

وكان موقع «يوتيوب» قد اتخذ قرارا بإزالة خطب أنور العولقي الأسبوع الماضي، ولكن الولايات المتحدة مترددة في إصدار قرارات بإغلاق مواقع إسلامية تنشر التطرف. ويقول سالم: «المسألة حساسة ولكن إذا أزلنا خطب العولقي، أين يتوقف الأمر؟ ومن سيشرع ماذا نزيل وماذا نبقي؟». ويعطي مثلا بأنه في الولايات المتحدة، الانتماء إلى «كلو كلوس كلان»، وهي منظمة عنصرية مناهضة للسود، قانوني. ويقول: «القانون الأميركي يسمح بأن يتمتع المرء بأفكار تمييزية. ما هو غير قانوني هو فعل العنف، والتحريض على ممارسة العنف». ويضيف: «الأفكار يجب أن تتنافس مع الأفكار، يجب على الحكومة أن لا تتدخل لكي تشرع الأفكار».

ورغم أن حرية التعبير قد تكون سيفا ذا حدين، فإن الولايات المتحدة متمسكة بعدم التخلي عن أول بند من دستورها الذي يضمن الحريات. ويقول سالم: «حرية التعبير هي ما يعطي الولايات المتحدة خصوصيتها، ويجب الحفاظ عليها.. يجب أن يتم التحقيق في التحريض على العنف من وجهة نظر قانونية بناء على كل حالة على حدة، لكن يجب أن لا يكون هناك خطاب يهدد بشكل مباشر الأمن العام في الولايات المتحدة». ويضيف: «الولايات المتحدة لن تغير أبدا أول بند من دستورها، ولكن نظرا إلى عالم الإنترنت وكيف يتم التجنيد عبر الإنترنت، أعتقد أننا ما زلنا في عملية تحديد كيف يؤثر ذلك على سياساتنا الأمنية».

وبعد مرور 6 سنوات على مبادرة التواصل مع المسلمين التي أطلقتها الحكومة الأميركية، لا يمكن لسالم أن يحدد مدى تأثير المواقع الإسلامية سلبيا على عمله. ويقول: «لم يكن أحد يتحدث عن أنور العولقي قبل 4 أو 6 سنوات، بدأ اسمه يعرف مؤخرا. ولكن عملنا مع المجتمعات المسلمة والعربية ثابت منذ 6 سنوات وحتى الآن». ويضيف: «لا يمكن أن نبرهن على أن برنامجنا ناجح، لأنه ليست هناك إحصاءات، ولكن بصورة عامة، فإن ممثلي الجماعات المسلمة والعربية راضون عن مستوى التواصل معهم لأنهم يعرفون أن هذا لا يحدث في بلدان أخرى.. وهذه ظاهرة أميركية، والواقع أن هناك تواصلا وهناك قنوات للتقدم بشكوى، رغم المعرفة بأنه ليست كل المشكلات سيتم حلها، فإن الفرصة التي نؤمنها فريدة».

ويعطي مثلا على تأثير هذا التواصل على تغيير سياسات اتخذتها الحكومة، وإدخال أسماء 14 بلدا لكي يخضع مواطنوها لإجراءات دقيقة في المطارات، بعد حادث 25 ديسمبر (كانون الثاني) الماضي. ويقول: «بعد 3 أشهر من إدخال التعديل، وبعد أن تقدم السفراء وعدد من الأشخاص بشكاوى، تمت مراجعة الخطة وتم التراجع عنها».

ويتحدث سالم عن الأثر السلبي على المسلمين الأميركيين الذي تركه الجدل حول المسجد في «غراوند زيرو»، ومحاولة حرق القرآن من قبل قس في فلوريدا. ويقول: «أظهرت هذه القضايا أن هناك مستوى عاليا من التوتر وسوء الفهم مع العرب والمسلمين في الولايات المتحدة، ولكن هذا النوع من الحوادث يعيد التأكيد على أن برامج التواصل مهمة أكثر من أي وقت مضى».